صلاة الجمعة ليوم 28 ذي الحجة:
تحدث خطيب جمعة مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة تورنتو الكندية الشيخ حسن العامري عن موضوع (عطاء الإمام الحسين عليه السلام). في بداية الخطبة قدم الشيخ العامري تعازيه بقدوم شهر محرم ذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسين عليه السلام وان يجعلنا من شفعائه يوم الورود، وقال إن الإنسان في هذه الحياة وجوده كوجوده في مؤسسة يأخذ منها ويعطي إليها وهذا الذي يميزه عن الحيوان، لان الإنسان يستطيع أن يتبادل فكريا وعقائديا واجتماعيا بينما الحيوان لا يستطيع ذلك. وان قيمة الانسان تعتمد على مقدار عطائه. كان الإمام زين العابدين عليه السلام يسلك طريق لوحده عندما يذهب للحج حتى لا يقيمه الآخرون ويعطوه أكثر مما يستحق. عطاء الله سبحانه يوم القيامة تعتمد على عطائه في الدنيا. أهل البيت عليهم السلام أعطوا لله تعالى في الدنيا كل شيء فبادلهم الله سبحانه بالعطاء دنيا وآخرة “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى” (الضحى 5) ولو أن هذه الآية المباركة تخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن آل الرسول هم نفسه المباركة. فكما تشاهدون ملايين الزوار يزورون الامام الحسين عليه السلام كل سنة وملايين تقيم العزاء وتشارك فيه ويبكون لمصيبته. عن الامام الباقر عليه السلام يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر وأول من يدخل علي الجنة ابنتي فاطمة). وقال الباقر عليه السلام (إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردئ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله عز وجل: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي).
وعطاء الحسين يشمل كذلك العطاء الأخلاقي. روي أن دخل رجل غريب المدينة فرأى الحسين بن علي عليه السلام. فأعجب لما رآه فيه من هيبة ووقار فثار في نفسه ما كان يخفيه من حسد لعلي عليه السلام فقال مخاطبا الإمام الحسين عليه السلام: أأنت ابن أبي تراب؟ فأجاب عليه السلام نعم. فبالغ الرجل في شتمه وشتم أبيه. فنظر إليه الحسين عليه السلام نظرة عاطف رؤوف ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم * إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون * وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون” (الأعراف 199-202) ثم أردف الإمام قائلا: هون عليك، استغفر الله لي ولك، إنك لو استعنتنا لأعناك ولو استرفدتنا لأرفدناك ولو استرشدتنا لأرشدناك ثم سأله: أمن أهل الشام أنت؟ فقال نعم، فقال الإمام عليه السلام: (أنت رجل غريب، أبسط لنا حاجتك وما يعرض لك تجدني عند أفضل ظنك أن شاء الله تعالى). فضاقت الأرض على الرجل بما رحبت ثم انصرف عن الإمام وما على الأرض أحب إليه من الحسين ومن أبيه عليه السلام. قال الله تعالى “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” (فصلت 34). ورد في التأريخ العربي سُئل الأحنف بن قيس لم أنت حليم هكذا؟ قال: وجدت الحلم أنصر لي من الرجال. الإمام الحسين عليه السلام امام الانسانية كما هو حال أبيه عليه السلام.
قال الإمام الصادق عليه السلام (وكّل الله بقبر الحسين عليه السلام أربعة آلاف ملك شُعثٌ غُبر يبكونه إلى يوم القيامة، فمَن زاره عارفاً بِحقه شيّعوه حتى يُبلغوه مَأمَنه، وإن مَرِض عادُوه غُـدوةً وعَشيّة، وإنْ مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة). ورد في الأخبار (من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه كان كمن حج مائة حجة مع رسول الله صلى الله عليه وآله). وكيف لا فقد أعطى الحسين عليه السلام نفسه وأبنائه وأهله يوم الطف فداءا لله تعالى ومرضاته.
وعطاء الانسان لا يتوقف على المال بل هنالك عطاء الأخلاق والتعامل الحسن مع الناس. فالبخل ليس فقط بالمال وانما البخل بالكلمة الطيبة كعدم رد التحية ” وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا” (النساء 86). ورد أن الامام الحسين عليه السلام كان يسلم على الناس وهو جالس لأن السلام يعادل ثوابه سبعين مرة ثواب الرد على السلام.