اخر الاخبار

الجهاد في القرآن الكريم (ح 10) (جاهد الكفار والمنافقين)‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قال الله تعالى عن جهاد “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿التوبة 73﴾ جهاد القوم ومجاهدتهم بذل غاية الجهد في مقاومتهم وهو يكون باللسان وباليد حتى ينتهي إلى القتال، وشاع استعماله في الكتاب في القتال وإن كان ربما استعمل في غيره كما في قوله: “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا” الآية. واستعماله في قتال الكفار على رسله لكونهم متجاهرين بالخلاف والشقاق، وأما المنافقون فهم الذين لا يتظاهرون بكفر ولا يتجاهرون بخلاف، وإنما يبطنون الكفر ويقلبون الأمور كيدا ومكرا ولا معنى للجهاد معهم بمعنى قتالهم ومحاربتهم؟ ولذلك ربما يسبق إلى الذهن أن المراد بجهادهم مطلق ما تقتضيه المصلحة من بذل غاية الجهد في مقاومتهم فإن اقتضت المصلحة هجروا ولم يخالطوا ولم يعاشروا، وإن اقتضت وعظوا باللسان، وإن اقتضت أخرجوا وشردوا إلى غير الأرض أو قتلوا إذا أخذ عليهم الردة، أو غير ذلك. وربما شهد لهذا المعنى أعني كون المراد بالجهاد في الآية مطلق بذل الجهد تعقيب قوله: “جاهد الكفار والمنافقين” بقوله: “وأغلظ عليهم” أي شدد عليهم وعاملهم بالخشونة. وأما قوله: “ومأواهم جهنم وبئس المصير” فهو عطف على ما قبله من الأمر، ولعل الذي هون الأمر في عطف الإخبار على الإنشاء هو كون الجملة السابقة في معنى قولنا: ﴿إن هؤلاء الكفار والمنافقين مستوجبون للجهاد﴾. والله أعلم.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تعالى عن جهاد “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿التوبة 73﴾ جهاد الكفار والمنافقين: وأخيرا، صدر القرار الإلهي للنّبي الأكرم صلى اللّه عليه وآله وسلّم في وجوب جهاد الكفار والمنافقين بكل قوّة وحزم‏ “يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ والْمُنافِقِينَ”‏ ولا تأخذك بهم رأفة ورحمة، بل شدد “واغْلُظْ عَلَيْهِمْ‏”. وهذا العقاب هو العقاب الدنيوي، أمّا في الآخرة فإن محلهم‏ “ومَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ”. إن طريقة جهاد الكفار واضحة ومعلومة، فإنّ جهادهم يعني التوسل بكل الطرق والوسائل في سبيل القضاء عليهم، وبالذات الجهاد المسلح والعمل العسكري، لكن البحث في أسلوب جهاد المنافقين، فمن المسلم أنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لم يجاهدهم عسكريا ولم يقابلهم بحد السيف، لأنّ المنافق هو الذي أظهر الإسلام، فهو يتمتع بكل حقوق المسلمين وحماية القانون الإسلامي بالرغم من أنّه يسعى لهدم الإسلام في الباطن فكم من الأفراد لا حظّ لهم من الإيمان، ولا يؤمنون حقيقة بالإسلام، غير أنّنا لا نستطيع أن نعاملهم معاملة غير المسلمين. اذن، فالمستفاد من الرّوايات وأقوال المفسّرين هو أنّ المقصود من جهاد المنافقين هو الاشكال والطرق الأخرى للجهاد غير الجهاد الحربي والعسكري، كالذم والتوبيخ والتهديد والفضيحة، وربّما تشير جملة “واغْلُظْ عَلَيْهِمْ‏” إلى هذا المعنى. ويحتمل في تفسير هذه الآية: أنّ المنافقين يتمتعون بأحكام الإسلام وحقوقه وحمايته ما دامت أسرارهم مجهولة، ولم يتّضح وضعهم على حقيقته، أمّا إذا تبيّن وضعهم وانكشفت خبيئة أسرارهم فسوف يحكمون بأنّهم كفار حربيون، وفي هذه الحالة يمكن جهادهم حتى بالسيف. لكن الذي يضعف هذا الاحتمال أنّ إطلاق كلمة المنافقين على هؤلاء لا يصح في مثل هذه الحالة، بل إنّهم يعتبرون من جملة الكفار الحربيين، لأنّ المنافق- كما قلنا سابقا- هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر.

جاء في  تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (جند) “جنودا لم تروها” (الاحزاب 9) (التوبة 27) الجند: الأنصار والأعوان: وفلان جند الجنود. قال تعالى: “واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون” (الدخان 24) ويقال: رهوا منفرجا، ورهوا حال من موسى أي على هيئتك، ويجوز أن يكون من البحر أي دعه ساكنا، وقيل رهوا طريقا واسعا، وعن ابن الاعرابي واسعا، وقيل دمثا وهو السهل الذي ليس برمل. “لا يحطمنكم سليمان وجنوده” (النمل 18) أي لا يحطمنكم جنود سليمان فجاء بما هو أبلغ، ونحوه: عجبت من نفسي ومن إشفاقها، والوجه في قولها ذلك مع إن الريح كانت تحملهم احتمال إرادتهم النزول عنا منقطع الوادي لأنهم ما دامت الريح تحملهم في الهواء لا يخاف حطمهم ويمكن أن يكون جنود سليمان كانوا ركبانا ومشاة في ذلك الوقت ولم تحملهم الريح أو كانت القصة قبل تسخير الريح له. قوله تعالى “حشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير” (النمل 17 أي جمع له ذلك فكان إذا خرج إلى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والإنس حتى يجلس على سريره، وكان لا يسمع بملك في ناحية من الأرض إلا أذله وادخله في الإسلام، ويروى انه خرج من بيت المقدس مع سليمان ستمائة الف كرسي عن يمينه وشماله، وأمر الطير فأظلتهم، وأمر الريح فحملتهم حتى وردت بهم المدائن ثم رجع فبات في إصطخر في بلد فارس فقال بعضهم لبعض: هل رأيتم ملكا أعظم من هذا أو سمعتم قالوا: لا، فنادى ملك من السماء لثواب تسبيحة واحدة في الله أعظم مما رأيتم، ومما نقل إن معسكر سليمان مائة فرسخ، خمسة وعشرون من الانس، وخمسة وعشرون من الجن، وخمسة وعشرون من الوحوش. قوله تعالى “حزب الشيطان” (المجادلة 19) جنده. قال تعالى: “فأتبعهم فرعون بجنوده” (طه 78) واتبعه: أي تبعه. قوله سبحانه “فصل طالوت بالجنود” (البقرة 249) أي انفصل بهم عن بلده لقتال العمالقة وأصله فصل نفسه عنه.

عن الوافي للتوثيق والدراسات ما حُكمُ (الجِهَادِ) في أيامنا؟: والمراد ببيضة الإسلام: مُجتَمَعُ الإسلام وأصله، والمراد بالخوف على بيضة الإسلام هو أن يكون مُرَادُ الأعداء (دَفعُ بِنَاء الإسلام) وهدمه من أساسه، وقتل المسلمين جميعاً أو إخراجهم عن دينهم.. فيكون الخوف على ما به قِوام الإسلام. وقد أفتى بمفاد هذه الرواية جُلُّ الفقهاء، فقال الشيخ الطوسي رحمه الله: ومتى لم يكن الإمام ظاهراً.. لم يجز مجاهدة العدوّ.. اللهمّ إلّا أن يَدهَمَ المسلمين أمرٌ من قبل العدوّ يُخاف منه على بيضة الإسلام ويُخشى بَوَارُه.. وجب حينئذ أيضاً جهادهم ودفاعهم. غير أنّه يقصد المجاهد، والحال على ما وصفناه، الدّفاع عن نفسه وعن حوزة الإسلام.. ولا يقصد الجهاد مع الإمام الجائر، ولا مجاهدتهم ليُدخلهم في الإسلام (النهاية ص290). وقال العلامة الحلي رحمه الله: متى دهم المسلمين- والعياذ بالله- عدوٌّ يُخشى منه على بيضة الإسلام، وجب على المسلمين كافّة النفور إليهم ودفعهم (منتهى المطلب ج14 ص28). وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله: الجهاد لحفظ بيضة الإسلام: إذا أراد الكفار المستحقون لغضب الجبار الهجوم على أراضي المسلمين وبلدانهم وقراهم، وقد استعدّوا لذلك وجمعوا الجموع لأجله، لتعلو كلمةُ الكفر، وتهبط كلمةُ الإسلام، ويضربوا فيها بالنواقيس، ويبنوا فيها البِيَعَ والكنائس، ويُعلِنُوا فيها سائر شعائر الكفر، ويكون الشَّرع باسم موسى وعيسى عليهما السلام، ويشتدّ الكفر ويتزايد باستيلاء القائلين بالتثليث وغيرها من المناكير، النافين في الحقيقة لوحدة الصانع الخبير.. (كشف الغطاء ص381).  ولذا لا يفتي الفقهاء بوجوب الدِّفاع أمام كلِّ عدوٍّ يحتلُّ بلاد المسلمين.. بل ينظرون إلى الأثر الُمتَرَتِّبِ على ذلك، فإن كان يُخشى من احتلالهم اندراسُ الإسلام، كما في الصورة الثانية وجب القتال. وإن كان غرضُ العدوّ هو السلطنة والنفوذ وما شابه، دون أن يكون له شُغلٌ بدين الإسلام.. فلا يجب الدِّفاع.. بل قد يَحرم. قال صاحب الجواهر رحمه الله، بعدما ذكر وجوب الدِّفاع إذا تعرَّضت بيضة الإسلام للخطر. وعدم اختصاص ذلك بمن قَصَده الكُفَّار من المسلمين، ووجوبه على سائر المسلمين مع عدم قدرة المقصودين على المقاومة.. قال:  نعم قد يُمنَعُ الوجوب، بل قد يقال بالحُرمَة لو أراد الكُفَّار ملك بعض بلدان الإسلام أو جميعها في هذه الأزمنة من حيث السَّلطَنة، مع إبقاء المسلمين على إقامة شِعار الإسلام، وعدم تعرُّضِهِم في أحكامهم بوجهٍ من الوجوه، ضرورة عدم جواز التَّغرير بالنفس من دون إذنٍ شرعيّ، بل الظاهر اندراجه في النواهي عن القتال في زمن الغيبة مع الكفار في غير ما استثني، إذ هو في الحقيقة إعانةٌ لدولة الباطل على مثلها.