اخر الاخبار

الحرب الاسرائيلية في غزة وجنوب لبنان.. دروس اقليمية ومحلية

د . حسين احمد سرحان

شكل اغتيال قادة حزب الله في لبنان خلال اسبوع من التوجه “الاسرائيلي” الى جنوب لبنان، والامين العام للحزب السيد حسن نصر الله مساء 27/ 9/ 2024 في النطاق الجغرافي للحزب (الضاحية الجنوبية)، تصعيدا خطيرا في الصراع في المنطقة وذات دروس مهمة لابد من الوقوف عليها وقراءتها بدقة ولاسيما في جانبها السياسي–الامني على المستوى الاقليمي والمحلي لــــ “دول محور المقاومة”.

وبغض النظر عن تطورات الصراع بدءاً من تشرين الاول 2023 ولغاية بدء شن “اسرائيل” الحرب على حزب الله في جنوب لبنان، فإن مجريات الحرب على جنوب لبنان وطبيعة الموقف الايراني المتزعم للمقاومة تفرز دروسا خطيرة على المستويين المحلي والاقليمي. وهذه الدروس والابعاد ينبغي الوقوف عليها والنظر لها باهتمام بالغ وبموضوعية وواقعية.

اقليميا، تتجلى اهم الدروس بالآتي:

– عدم معرفة العدو او التقليل من قدراته:
الاستهانة بالعدو تختلف كثيرا عن الحرب النفسية والاعلامية، فمعرفة العدو وتقدير الموقف لقوته وقدراته مهم جدا في التعامل معه. يقول سون تزو في كتابه “فن الحرب” ان مَن يعرف عدوه ويعرف نفسه يقود مئة معركة من دون خطر، ومَن لا يعرف عدوه ولكنه يعرف نفسه فقد يحرز نصراً ويلقى هزيمة، ومَن لا يعرف عدوه ولا يعرف نفسه يكون في دائرة الخطر في كل معركة”. دول وجماعات المقاومة في المنطقة تبالغ في الاستهانة بقدرات العدو الاسرائيلي. ولازالت هذه القوى، وعلى الرغم من مستوى الدمار في حماس وغزة وجنوب لبنان وحزب الله، تصر على ضعف العدو، في الوقت الذي يؤكد العدو الاسرائيلي على ان قدرات حزب الله ومخاطرها تنظر لها اسرائيل باهتمام، كما اكد ذلك المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي. والاستهانة بقدرات العدو والتقليل من شروره سينعكس سلبا على مجموعات المقاومة.

– نهاية مبدأ وحدة الساحات:
خلال حرب غزة، وما حصل في جنوب لبنان واغتيال اسماعيل هنية في طهران وقادة حزب الله وامين عام الحزب، وضعف الموقف الايراني في الرد على الكيان الاسرائيلي، وتأكيد طهران على ان الحكومة الفلسطينية واللبنانية قادرة على الدفاع عن نفسها ولا يمكن لطهران ان ترسل مقاتلين، وان طهران تراعي الامن الاقليمي، كل هذا يؤكد على نهاية مبدأ وحدة الساحات، وبدا هذا المبدأ عبارة للتهديد لا غير. وعلى الرغم من ان ايران لا تزال تواصل تقديم الدعم بالسلاح الى المقاومة في المنطقة، الا ان ايران جربت الصواريخ من قبل، اذ لم تحقق المبتغى وهو ردع الكيان الاسرائيلي وداعميه، كما في الهجمة الايرانية في 13 نيسان 2024 وفي الاول من تشرين الاول الجاري. ولهذا صانع القرار الايراني مدرك لقدرات بلاده ومدرك للخطر على النظام الحاكم ووحدة بلاده في حال تدخله المباشر في الصراع الاقليمي.

لذلك حتى الرد الايراني يوم 1 تشرين الاول 2024 بالصواريخ على الكيان الاسرائيلي كان بعلم واشنطن وتل ابيب وموسكو. كما ان الضربة الصاروخية لا يبدو انها حققت خسائر بشرية ومادية واستراتيجية كبيرة، ولا يتناسب مع اغتيال اسماعيل هنية والسيد حسن نصر الله ونائب قائد الحرس الثوري. وبعد الضربة، أكد وزير الخارجية الايراني عراقجي “ان الرد الايراني على اسرائيل قد انتهى الا اذا ارادت اسرائيل التصعيد”. ومن جانب آخر، ينبغي على حلفاء ايران في المنطقة ادارك شيء ملاحظ وبقوة وهو ان ايران تتعامل بمثالية مع شعبها، وبأيديولوجية مع حلفائها، وببراغماتية مع اعدائها.

– فقدان ايران القدرة على الردع:
ان الاعتداءات الاسرائيلية الكبيرة والنوعية على ايران ووكلائها في المنطقة في المرحلة الاخيرة، وضعف الرد الايراني او شكلية الرد اثبتت عدم قدرة ايران على الردع. الامر الذي يبعث برسائل سلبية للداخل الايراني، واخرى لوكلائها في المنطقة، فضلا عن انها تحفز الاعداء على التمادي اكثر، وهذا ما حصل مع قادة حزب الله وصولا الى الامين العام للحزب.

محليا: على الصعيد الداخلي لدول الممانعة او المقاومة، تبرز مجريات الصراع عدة دروس ينبغي النظر والوقوف عليها، واعادة النظر بالتكتيكات الامنية واللوجستية لتعزيز اللقوة ضد العدو الاسرائيلي وداعميهن ومنها:

– الانكشاف الامني لقوى “المقاومة”:
اثبت اغتيال قادة حزب الله خلال الاشهر الاخيرة وانتهاءا باغتيال امين عام حسن نصر الله ان قوى المقاومة تعاني من انكشاف أمني عميق. وهذا ناتج عن خروقات على مستوى العناصر البشرية، اضافة القدرات التكنولوجية التي تتمتع بها “اسرائيل”. ويعود جزء من اسباب ذلك الى مشاركة تلك القوى في الساحة السورية ولاسيما عناصر وقيادات حزب الله. وقبل ذلك تعاني ايران من هذا الاختراق بشكل كبير بدءا من تمكن الاستخبارات الاسرائيلية من اخراج الارشيف النووي الايراني، مرورا بقتل علماء البرنامج النووي في ايران، واسقاط طائرة الرئيس الايراني السابق ابراهيم رئيسي وانتهاء باغتيال اسماعيل هنية في وسط طهران عن طريق عملاء “لإسرائيل” في الحرس الثوري.

– معضلة ثنائية السلطة و”المقاومة”:
يلاحظ على قوى المقاومة في لبنان واليمن انها مشاركة في السلطة وبقوة وبنفس الوقت تتبنى فكر وسلوكيات ومواقف مقاومة ولديها مجموعات مسلحة. اما في العراق فالموضوع انكى من ذلك، ففي الوقت الذي تدعي ان الوجود الامريكي هو احتلال وذو نفوذ كبير في البلاد، الا انها بنفس الوقت تشارك بنظام الحكم وفي السلطتين التشريعية والتنفيذية والمؤسسات الاخرى.

حزب الله في لبنان يمارس تأثيرا سياسيا وامنيا كبيرا في لبنان، وله دور كبير في عدم انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة وطنية دائمة، كما انه يمارس دوره الامني في جنوب البلاد ووصل به الامر حتى انه يمارس دور الاجهزة الامنية في مناطقه.

مجريات الاحداث تثبت يوما بعد اخر ان هذا الامر له تأثيرات سلبية على الدولة ومؤسساتها، ويسيء للمقاومة من حيث شعبيتها (التأييد الشعبي لها)، وبالتالي تحدث فجوة بينها وبين شعبيتها وقد يتطور الامر الى التضاد مما يستدعي في بعض الاحيان توجيه سلاح المقاومة الى الداخل (الشركاء والمعارضين) في الوطن سياسيا وامنيا. وهذا ما يمكّن العدو من ثغرات كبيرة في تلك الدول ويعزز من اختراقها.

– تراجع شعبية “المقاومة”:
كل ما ورد في اعلاه ساهم بشكل كبير في تراجع لـتيار “المقاومة”، ونلاحظ ان التأييد والدعم لحزب الله في لبنان عام 2006 كان ظاهرة اجتماعية في لبنان دعما لحزب وجهوده في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي. في حين نلاحظ انه في السنوات الاخيرة، تعبر فئات كثيرة من الشعب اللبناني، بما فيها اصوات من مناطق نفوذ الحزب (جنوب لبنان)، عن رفضها لنفوذ وتأثير حزب الله في المؤسسات السياسية والامنية اللبنانية، الى الحد الذي طالب بعض الجهات السياسية بإعادة المؤسساتية للدولة اللبنانية وان يتم الاحتكام للدستور والقوانين النافذة.

 لا مسار سوى تقوية وتعزيز نظام الدولة الوطنية في العراق ولبنان واليمن وسوريا، ومساندة الحكومات فيها، وتقوية مؤسساتها الامنية ومنحها وحدها قوة الاحتكار الشرعي للقوة، ويمكن لفصائل المقاومة ان تقوم بهذا الدور بعيدا عن التأثيرات الدينية والعرقية والطائفية. فبناء الدولة وتعزيز تماسكها الداخلي يوفر لها امكانية تبني قرارات ومواقف معارضة للعامل الخارجي الذي يريد سوءا بها.