بقلم مصطفى فريق الفتلاوي
منذ أن نشبت الحرب بين حركة حماس والكيان الصهيوني بعد عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حماس، تفاعل العراقيون حكومة وشعبًا معها بشكل كبير سياسيًا وشعبيًا لعده أسباب لعل أهمها هو انخراط العراق بما يسمّى بمحور المقاومة و العداء الفطري في نفوس العراقيين وتحديدًا (الشيعة والسنة) لإسرائيل، حيث كانت مواقف العراق الرسمية والشعبية هي الأبرز من بين جميع مواقف الدول العربية والإسلامية وهذه أمر طبيعي في ظل سيطرة بعض القوى السياسية المنضوية في محور المقاومة ، وازداد هذا التفاعل والدعم حتى وصل الأمر الى أطلاق المسيرات والصواريخ من الأراضي العراقية ضد الكيان المجرم خصوصًا بعد اشتعال الجبهة الشمالية بين حزب الله والكيان الصهيوني . ومع تسارع الأحداث واشتداد ضراوتها وسط تحذيرات من حرب شاملة مدمرة في المنطقة، يزداد موقف العراق تعقيدًا وصعوبة من هذه الحرب نظرًا لحساسية الوضع العراقي خارجيًا وداخليًا، وفي خضم هذا الوضع المعقد يبرز السؤال عن مدى إمكانية مشاركة العراق في هذا الحرب إلى جانب حماس وحزب الله؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب منا إحاطة بجميع الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية للدولة العراقية، فالمتابع للشأن العراقي يدرك أن الوضع السياسي القائم هش وتجمعه المصالح النفعية وتقاسم النفوذ والسلطة، ناهيك عن الانقسام الطائفي والقومي، وبالتالي من الصعب سياسيًا أن يتفق السياسيين على قرار خطير كهذا وسط تجاذبات سياسية محتدمة، فقضايا داخلية مهمة لم يحصل أن اتفق عليها أطراف العملية السياسية مثل انتخاب رئيس البرلمان، وخروج التحالف الدولي من العراق، فما بالك بقضية مثل هذه. أمّا امنيًا وعسكريًا فالقاصي والداني يعرف أننا كدولة على الرغم من امتلاكها أعداد كبيرة من القوة الأمنية والعسكرية إلا أنّ مفاتيح التحكّم بالوضع الأمني للعراق ليست بيد الحكومة العراقية وحدها وإنما بيد الجانب الأمريكي، فالدعم الاستخباراتي والجوي واللوجستي ما زالت أمريكا تقدمه للعراق بشكل متواصل والعمليات العسكرية الأخيرة بين الجانبين ضدّ داعش في صحراء الأنبار خير دليل على ذلك، فضلاً عن الأسلحة التي يمتلكها العراق هي أسلحة أمريكية، والأمريكان هم الذين يعرفون أسرار تلك الأسلحة وكيفية التحكم بها، وما قضية صيانة طائرات (أف 16) إلا خير شاهد على ذلك، أضف إلى ذلك المخاطر الأمنية التي تهدّد العراق من المخدرات وبقايا داعش والجماعات الدينية والسياسية المتصارعة على النفوذ والسلطة تحاول أن تستغل أية فرصة لأثارة الفوضى . ويبقى الجانب الأهم هو الجانب الاقتصادي فمعلوم لدى الجميع أنّ لكل حرب تكلفة، وتكلفة باهظة جدًّا، فهل بلد مثل العراق يعتمد في اقتصاده وديمومة وجوده على الريع النفطي في ظل اقتصاد ريعي، لا وجود للصناعة والزراعة والسياحة فيه، وهذا كلّه في كف والحماية الدولية الأمريكية للأموال العراقية من الملاحقات القانونية في كف آخر، فالعراق لا يملك مقدراته الاقتصادية بيده إذ أن عائداته النفطية تذهب إلى البنك الفدرالي الأمريكي، ومن ثمّ تقوم الحكومة الأمريكية بتزويد العراق بما يحتاجه من أموال على شكل دفعات من الدولار، فشريان الحياة وهي أموال النفط التي توزعها الحكومة كرواتب بيد أمريكا، ورأينا كيف عجرت الحكومة الحالية عن ضبط إيقاع سعر صرف الدولار على الرغم من وعودها المتكررة، ثم أنّ إسرائيل قد هددت العراق بقصف موانئه النفطية وتدميرها ، فما بديل العراق لكي يصدر نفطه للعالم؟ دعونا نتخيل ماذا سيحصل في العراق لو تم ذلك، فأسعار النفط ما إن انخفضت قليلاً حتى بدأ الكلام أن الحكومة سوف تعجز عن دفع رواتب موظفيها، ولهذا يبدو شبح الحصار والنفط مقابل الغذاء والدواء هو المصير الذي يمكن أن نتوقعه في حال قرر العراق المجازفة والدخول في الحرب. أما عن الآثار الاجتماعية للحرب فإنّ العراق قد عاشها مرارًا وتكرارًا فهو ما يزال يئن تحت آثار حرب داعش من (نزوح وتهجير ومفقودين وشهداء وجرحى …. إلخ) ولم يستطع إلى الآن التخلّص منها، فهل من الحكمة أن يزيد العراق تلك الآثار والمعاناة أم يسعى للخلاص منها. لهذا فإن صوت العقل والحكمة ينبغي أن يتغلب على العواطف والانفعالات ، لذلك كان بيان السيد السيستاني في يوم 23/9/2024 ودعوته للعراقيين للتضامن مع لبنان عبر تقديم الدعم المالي والإنساني للشعب اللبناني منتهى الحكمة والذكاء ودراكاً منها لحساسية الوضع العراقي فهذا البيان قد جاء في وقته، ومنع انزلاق العراقيين واندفاعهم في مواجهة عسكرية تحرق الأخضر واليابس مع عدو متوحش ومتمكن عسكريًا وماديًا وتقنيًا، فتوجيه العراقيين نحو تقديم الدعم الإنساني للبنان أفضل من المشاركة العسكرية؛ لأنّ فيه حفظ للعراق من براثن الحرب وأيضًا مساعدة حزب الله والشعب اللبناني على الصمود في وجه الكيان الصهيوني، فالدعم المادي واللوجستي مهم جدا لبلد مثل لبنان يعاني من انهيار اقتصادي كبير انطلاقًا من آيات القرآن الكريم المباركة التي قدمت الجهاد بالأموال على الجهاد بالنفس .