اخر الاخبار

القوامة الزوجية.. مراجعة في المفهوم والسياق ومحاولات الإسقاط

بقلم: علي الراضي الخفاجي

يغالط البعض على حساب المعنى الحقيقي للمفاهيم بغية تحقيق أهداف معينة، وقد تقف وراءه دوافع، فينبري للنقاش عبر الفضائيات ويكتب عبر المواقع والمنتديات ماتشتهيه الأنفس المريضة وتلذ له الأعين السقيمة، منها دعوى الدفاع عن حقوق المرأة، كمسألة القوامة الزوجية ومايراد منها، ويهدف البعض من ذلك إلى تفريغ محتواها أو إسقاطها بدعوى أنها غير مستساغة في ظل التحول الحضاري باعتبار أنَّ المرأة أصبحت تشارك الرجل في كل مجالات الحياة، أو أنها تمتلك مقومات حياتها فلا حاجة لقوامة الرجل وماتترتب عليه من مسؤولية تجاهها، أو أنَّ الآية الكريمة كانت تتحدث عن واقع كان الرجل فيه سيداً، وأنه كان لايشعر بمسؤوليته كاملة تجاه عائلته، أو أنَّ المجتمع كان ذكورياً لامكانة للمرأة فيه، وبعضهم فسر القوامة بالولاية والتسلط بشكل يسلب المرأة حرية الاختيار بشكل يجعل زمام أمورها بيد الأب والزوج مطلقاً، وتصوير أنَّ ذلك يجري على أساس الأفضلية الذاتية.

والواقع إنَّ الحديث عن القوامة ليس مرتبطاً بالوعي التاريخي حتى ينظر إلى تحولاته ودواعيه المرحلية، أو ينظر إلى واقعه فقط من ناحية فترة نزول الآية الكريمة التي تتحدث عنه.

فالآية الكريمة تقول:((الرِّجالُ قوَّامون على النِّساء بما فضَّلَ اللهُ بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..))النساء/34، وقد جاءت في سياق آية قبلها يقول تعالى فيها((ولاتتمنَّوا مافضَّلَ الله به بعضكم على بعض..))النساء/32، أراد الله تعالى بها التأكيد على حقيقة كونية مبدؤها التفاوت الذي أوجده بين أفراد البشر لمصلحة تقتضيها الحياة، فخطابه تعالى جاء بكلمة(بعض)ليبين أنَّ البعض مفضلاً في ناحية ومفضولاً في ناحية أخرى ليصنع التكامل بين الناس، فللرجل فضل القوامة وما يترتب عليها من انشغال بالسعي والكدح وإدارة شؤون العائلة وتوفير سبل العيش لها واستحصال الرزق وتحدي الصعوبات، وللمرأة فضل لما تمتلكه من عطف ورعاية وحنان ورحابة صدر وقدرة على الاحتضان، وقال تعالى ذلك لكي لاينفي فضل الآخر، فالرجال مفضلون على النساء في أشياء والنساء مفضلات على الرجال في أشياء، وعليه فإنَّ التفضيل في المفهوم القرآني بشكل عام لم يكن على حساب الجنس إنما كان على حساب التقوى، يقول تعالى((يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم))الحجرات/13.

وإذا كان للقوامة أكثر من دلالة فإنَّ ماتعنيه في الآية الكريمة هو القيام بالأمر، وهذا يستلزم الرعاية والحفظ بما يفرضه الحال والحاجة، وهي تعتبر صفة مميزة للرجل في ميدان الحقوق الزوجية، وهذا الحق لايلغي عن المرأة تساويها مع الرجل في الإنسانية، فالتفاضل في مورد الآية الكريمة يتعلق بتنظيم البيت الزوجي وإدارته، وهي قضية منطقية وليست خرقاً لإنسانية المرأة، ونرى مثل هذه المسؤولية في جميع المواقع التي يتطلب فيها الحال والعمل أن يكون له مسؤول، فإنَّ جو الآية يلزم الرجل بمسؤوليات لما يتمتع به من خصائص جسدية ونفسية تؤهله لذلك، لذا كانت الولاية للرجل وأوجبتْ عليه الإنفاق لا على نحو التطوع إنما على نحو الوجوب إضافة إلى وظائفه الأخرى، أما المرأة فإذا أنفقت فعلى نحو التطوع منها وليس تكليفاً يترتب عليه تبعات.

وورود كلمة الرجال في الآية الكريمة فلبيان صفة الحال وليس لبيان صفة الجنس وإلَّا لكان الله تعالى يصفهم بالذكور، ومن ذلك قوله تعالى((رجالٌ لاتلهيهم تجارةٌ ولابيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة..))النور/37، مما يشير إلى أنَّ الرجولة صفة تدل على القيادة والاختيار، كما أنَّ صيغة قوَّام تدل على المبالغة وتعطي معنى الاستمرارية، أي أنَّ مسؤولية الرجل في الالتزام الزوجي ليست مسؤولية مؤقتة.

ولعلَّ هناك من يسأل: ماهي الدرجة التي خصَّ بها سبحانه وتعالى الرجل على المرأة في الآية الكريمة((ولهنَّ مثل الذي عليهنَّ بالمعروف وللرجال عليهنَّ درجة))البقرة/228.

إنَّ هذه الدرجة ليست إلا نيلاً لشرف التكليف وتحمل المسؤولية لبناء الأسرة على أساس التآلف واستقامة الأمور بالعدل ودفع وقوع المفسدة للودِّ والعلاقات الحميمية التي يفرز فسادها النشوز وما يخلفه من كره قد يؤدي إلى الانفصال، لذا تطلب واقع البيت الزوجي أن يكون للرجل حق الطلاق، وهو من يدفع المهر، وتقع عليه مسؤولية الإنفاق وتوفير السكن والطعام والسعي لتأمين مصالح الأسرة وتوفير الحماية لها وتوفير احتياجاتها، وهذه من مصاديق الدرجة، فهي تكليف ومسؤولية وليست تجاوزاً على إنسانية الزوجة، فقد اقتضى التكوين أن تتشكل دائرة الزوجية من عنصرين غريبين في الأصل إلا أنها جمعت بينهما واستلزمت أن يتصدى الرجل للمسؤولية، والمرأة للطاعة والتعاون بما لايخرج عن تعاليم الشرع المقدس ونواهيه، فلايحق لها الخروج عن طاعته إلا لأمر ضروري، فإنَّ دورها في البيت أشبه ما يكون بالمعاون للرئيس والأم للجميع، وإذا كان هناك بعض النساء قد تفوقن على أزواجهنَّ في بعض الجهات فإنَّ هذا لايفرض على القانون أن يسنَّ شيئاً بلحاظ الأفراد بل مراعاة للأغلبية ولطبيعة الدور، فلو تأملنا الآيات الكريمة التي تذكر الخطاب الإلهي الأول لآدم عليه السلام فإنه كان له وليس لزوجته، قال تعالى((وقلنا يآدم اسكن أنت وزوجك الجنة..))البقرة/35، ولذلك وبعد حصول المعصية من آدم وحواء بالأكل من الشجرة جاء الخطاب((فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه..))البقرة/37، حتى حينما حذره تعالى من الشيطان قال له((فقلنا يآدم إنَّ هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى))طه/117.

إنَّ الطبيعة الفيزيولوجية للمرأة فرضت عليها متاعب صحية بحكم التكوين البيولوجي لما تمر به من ظروف وحالات الحيض والحمل والنفاس والولادة والإرضاع، مما يسبب لها الإرهاق والمتاعب الصحية وأعراض ربما تؤدي إلى الانفعال، وهذه المهام الأنثوية يستغرق كل منها أوقاتاً مختلفة ومتفاوتة تستنفد الجانب الأكبر من نشاطها وتفكيرها، هذا عدا ما تقدمه من إرضاع وحضانة للأطفال والتي قد تطول إلى مالايقل عن الثلاث أو الأربع سنوات فإنَّ مهماتها تحتاج إلى أنوثة تجذب لها زوجها وعاطفة شديدة تشدها إلى صغارها.

وبملاحظة سياق الآية الكريمة فقد انتقل سبحانه إلى ذكر صفاتهنَّ فقال((فالصالحاتُ قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله))النساء/34، أراد تعالى أن يبين أنَّ النساء المتزوجات صنفان:(الصالحاتُ)أي الغير منحرفات(قانتاتٌ)خاضعات مطيعات تجاه الوظائف الزوجية(حافظاتٌ للغيب)حتى في غيبة الزوج، فلا يرتكبن أي خيانة سواء في المال أو الفراش أو في مجال حفظ مكانة الزوج وشأنه الاجتماعي وأسرار العائلة، ثم ذكر سبحانه الصنف الثاني وهنَّ الناشزات عن الطاعة وأداء الوظيفة فقال تعالى في سياق الآية/34:(واللاتي تخافون نشوزهنَّ..)أي علمتم بامتناعهنَّ عن الوظائف والواجبات الزوجية وبدتْ عليهنَّ علامات النشوز والامتناع إلى آخر الآية التي توضح آلية معالجة النفور.

والغريب أن تصدر من هنا وهناك أصوات ودعوات تحاول تفريغ محتوى القوامة وخلط المفاهيم خلافاً للمنطق والطبيعة والتكوين، وهي مخالفات وقف بوجهها العلم، وهذه شهادة طبيب وعالم بوظائف الأعضاء والأحياء، وهو الكسيس كاريل، يقول في كتابه الإنسان ذلك المجهول ص/109:(ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق الجوهرية-ويقصد بها الجهل بالاختلافات الفيزيولوجية بين الرجل والمرأة- بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليماً واحداً، وأن يُمنحا قوى واحدة ومسؤوليات متشابهة، والحقيقة إنَّ المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل، فكلُّ خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كلِّ شيء بالنسبة لجهازها العصبي، فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة للِّين مثل قوانين العالم الكوكبي، فليس بالإمكان إحلال الرغبات الإنسانية محلَّها، ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي، فعلى النساء أن يُنمِّينَّ أهليتهنَّ تبعاً لطبيعتهنَّ دون أن يحاولنَ تقليد الذكورفإنَّ دورهنَّ في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهنَّ أن لايتخلينَ عن وظائفهنَّ المحددة)، ويقول في مكان آخر:(ومن ثم فمن سُخُفِ الرأي أن نجعل المرأة تتنكر للأمومة، لذا يجب ألا تُلقَّنْ الفتيات التدريب العقلي والمادي ولا أن تُبثُّ في نفسهنَّ المطامع التي يتلقاها الفتيان وتُبثُّ فيهم، يجب أن يبذل المُربُّون اهتماماً شديداً للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى، وكذا لوظائفها الطبيعية فهناك اختلافات لاتنقض بين الجنسين، ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم مُتَمدْين).