اخر الاخبار

المفهوم القرآني للمودة (ح 4)‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله سبحانه “وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا” ﴿النساء 73﴾ مودة اسم، مَوَدَّةٌ: صحبة و أخوة الدين. ولئن نالكم فضل من الله وغنيمة، ليقولن حاسدًا متحسرًا، كأن لم تكن بينكم وبينه مودة في الظاهر: يا ليتني كنت معهم فأظفر بما ظَفِروا به من النجاة والنصرة والغنيمة. قوله جل كرمه “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ” ﴿المائدة 82﴾ مَوَدَّةً: حباً. لتجدنَّ أيها الرسول أشدَّ الناس عداوة للذين صدَّقوك وآمنوا بك واتبعوك، اليهودَ؛ لعنادهم، وجحودهم، وغمطهم الحق، والذين أشركوا مع الله غيره، كعبدة الأوثان وغيرهم، ولتجدنَّ أقربهم مودة للمسلمين الذين قالوا: إنا نصارى، ذلك بأن منهم علماء بدينهم متزهدين وعبَّادًا في الصوامع متنسكين، وأنهم متواضعون لا يستكبرون عن قَبول الحق، وهؤلاء هم الذين قبلوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وآمنوا بها.

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز شأنه “ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ” ﴿الشورى 23﴾ “الذي يبشر الله” به “عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات” ليستعجلوا بذلك السرور في الدنيا من شدد الشين أراد به التكثير ومن خفف فلأنه يدل على القليل والكثير. ثم قال سبحانه “قل” لهم يا محمد “لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى” اختلف في معناه على أقوال (أحدها) لا أسألكم على تبليغ الرسالة وتعليم الشريعة أجرا إلا التواد والتحاب فيما يقرب إلى الله تعالى من العمل الصالح عن الحسن والجبائي وأبي مسلم قالوا هو التقرب إلى الله تعالى والتودد إليه بالطاعة (وثانيها) أن معناه إلا أن تودوني في قرابتي منكم وتحفظوني لها عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وجماعة قالوا وكل قريش كانت بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قرابة وهذا لقريش خاصة والمعنى أن لم تودوني لأجل النبوة فودوني لأجل القرابة التي بيني وبينكم (وثالثها) أن معناه إلا أن تودوا قربتي وعترتي وتحفظوني فيهم عن علي بن الحسين عليهما السلام وسعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وجماعة وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام. وأخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني قال أخبرنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثني القاضي أبوبكر الحميري قال أخبرنا أبو العباس الضبعي قال أخبرنا الحسن بن علي بن زياد السري قال أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا حسين الأشتر قال: أخبرنا قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت “قل لا أسألكم عليه أجرا” الآية قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم قال علي وفاطمة وولدهما. وأخبرنا السيد أبو الحمد قال أخبرنا الحاكم أبو القاسم بالإسناد المذكور في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل مرفوعا إلى أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم (إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ عنها هوى ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي ثم لم يدرك محبتنا كبه الله على منخريه في النار) ثم تلا “قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى” وروى زاذان عن علي عليه السلام قال فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن قم قرأ هذه الآية وإلى هذا أشار الكميت في قوله: وجدنا لكم في آل حم آية * تأولها منا تقي ومعرب.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز شأنه “ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ” ﴿الشورى 23﴾ فالمودة المفروضة على كونها أجرا للرسالة لم تكن أمرا وراء الدعوة الدينية من حيث بقائها ودوامها، فالآية في مؤداها لا تغاير مؤدى سائر الآيات النافية لسؤال الأجر. ويئول معناها إلى أني لا أسألكم عليه أجرا إلا أن الله لما أوجب عليكم مودة عامة المؤمنين ومن جملتهم قرابتي فإني أحتسب مودتكم لقرابتي وأعدها أجرا لرسالتي، قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا” (مريم 96) وقال: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ” (التوبة 71). وبذلك يظهر فساد ما أورد على هذا الوجه أنه لا يناسب شأن النبوة لما فيه من التهمة فإن أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئا ويسألون عليه ما يكون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم. وأيضا فيه منافاة لقوله تعالى: “وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ” (يوسف 104). وجه الفساد أن إطلاق الأجر عليها وتسميتها به إنما هو بحسب الدعوى وأما بحسب الحقيقة فلا يزيد مدلول الآية على ما يدل عليه الآيات الآخر النافية لسؤال الأجر كما عرفت وما في ذلك من النفع عائد إليهم فلا مورد للتهمة. على أن الآية على هذا مدنية خوطب بها المسلمون وليس لهم أن يتهموا نبيهم المصون بعصمة إلهية بعد الإيمان به وتصديق عصمته فيما يأتيهم به من ربهم ولو جاز اتهامهم له في ذلك وكان ذلك غير مناسب لشأن النبوة لا يصلح لأن يخاطب به، لاطرد مثل ذلك في خطابات كثيرة قرآنية كالآيات الدالة على فرض طاعته المطلقة والدالة على كون الأنفال والغنائم لله ولرسوله، والدالة على خمس ذوي القربى، وما أبيح له في أمر النساء وغير ذلك. على أنه تعالى تعرض لهذه التهمة ودفعها في قوله الآتي: “أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشإ الله يختم على قلبك” الآية على ما سيأتي. وهب أنا صرفنا الآية عن هذا المعنى بحملها على غيره دفعا لما ذكر من التهمة فما هو الدافع لها عن الأخبار التي لا تحصى كثرة الواردة من طرق الفريقين في إيجاب مودة أهل البيت عنه صلى الله عليه واله وسلم؟. وأما منافاة هذا الوجه لقوله تعالى: “وما تسألهم عليه من أجر” فقد اتضح بطلانه مما ذكرناه، والآية بقياس مدلولها إلى الآيات النافية لسؤال الأجر نظيره قوله تعالى: “قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ” (الفرقان57). قال في الكشاف بعد اختياره هذا الوجه: فإن قلت: هلا قيل: إلا مودة القربى أو إلا المودة للقربى، وما معنى قوله: إلا المودة في القربى؟ قلت: جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كقولك: لي في آل فلان مودة، ولي فيهم هوى وحب شديد، تريد أحبهم وهم مكان حبي ومحله. قال: وليست في بصلة للمودة كاللام إذا قلت: إلا المودة للقربى. إنما هي متعلقه بمحذوف تعلق الظرف به في قولك: المال في الكيس، وتقديره: إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها. انتهى.

جاء في کتاب السيدة سكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: قال الله تعالى “قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى” (الشورى 23). والقربى هنا بمعنى الأقارب قطعاً وليس المراد منه قرب النبي من قريش ولا تقــرب الأمة إلى الله تعالى بالطاعة لأن الاول يصح استعماله أولا وهو المتبادر إلى الفهم من الاطلاق ثانياً، وأم المعنيين الآخرين فيحتاج إرادتهما من الاطلاق الى قرينة وهي مفقودة. على أن الأخبار المتواترة دلت على أن قرابته المعنيين بالآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم ‌السلام وذريتهم وقد استشهد عليه الأئمة المعصومون فيقول سيد الوصيين عليه السلام فينا آية في حم لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ آية المودة. ويوم خطب الحسن عليه السلام بعد وفاة ابيه قال: أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم، ثم قرأ آية المودة. ولما وقف الإمام السجاد عليه السلام مع حرم النبوة على درج مسجد الشام قال له شامي: الحمد لله الذي استأصلكم، فقال عليه السلام: أما قرأت قل “لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى” (الشورى 23) قال الشامي: نعم وأنتم هم؟ فقال الإمام عليه السلام: نعم، فبكى واستغفر. فدل هذا على معروفية المعنى المتبادر من لفظ القربى بين الناس في ذلك الزمن القريب من عهد النزول ولو كان لغير هذا المعنى نصيب من الواقع لما صدر من المعصومين الاستشهاد بالآية على كونها فيهم ولما سكت من سمع الخطاب عن النقاش. وفي هذا يقول محي الدين العربي: رأيت ولائي آل طه فريضة * على رغم أهل البعد يورثني القربى   فما طلب المبعوث اجراً على الهدى * بتبليغـه إلا المودة في القربى. حينئذ فلا موقع للاشكال على الآية بأن طلب النبي الأجر على تبليغ الوحي لا يليق بمقام الانبياء مع أنهم صارحوا بنفي الاجرة على التبليغ ففي الحكاية عن نوح عليه السلام “فما سألتكم عليه من اجر ان أجري إلا على الله” (يونس 72) وعن هود وصالح ولوط وشعيب “وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الشعراء 109)، و “وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الشعراء 127)، و “وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الشعراء 145)، و “وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الشعراء 164)، و “وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الشعراء 180) عليهم السلام “ما أسألكم عليه من أجر ان أجري الا على رب العالمين” (الشعراء 108) وفي الحكاية عن نبينا الاعظم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قل: “ما سألتكم من أجر فهو لكم إن اجري إلا على الله ” (سبأ 47) وقوله: “قل لا اسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين” (الانعام 90). والأجر المطلوب في آية المودة لم يكن من سنخ المال حتى يثقل على الطباع البشرية تحمله لأن المقصود منه موالاة آل الرسول وهذا من سنخ الدعوة الآلهية فيليق بمقام النبوة الدعوة إليه والتعريف به ومن المناسب جداً لرسول المشرع الاقدس أعلام الامة بما تستفيد منه السعادة الخالدة والزلفى إلى المهيمن سبحانه. فاذاً يكون طلب النبي صلي ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم من أمته مودة آله الاقربين لطفاً منه وحناناً عليهم لانارته لهم سبيل الخير وتعريفهم بالطريق اللاحب وهكذا المصلحون يتحرون بمن يريدون إصلاحهم كل وسيلة تأخذ بهم إلى أسمى الغايات. على أن المحبة لآل الرسول تستوجب مودة النبي صلي ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم المستلزمة لمحبة الله تعالى وطاعته كما جاء في المأثور عنه صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم (أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي) وإني أخاصمكم عنهم غداً ومن أكن خصيمه خصمه الله ومن خصمه الله أدخله النار. وبهذه العناية يكون المعنى الثالث للفظ القربى في آية المودة وهو تقرب الامة إلى الله تعالى بالطاعة لازماً لمودة أهل البيت لكونها محبوبة للرسول ومحبوبة لله سبحانه وهذا عين الطاعة اليه جل شأنه. فالرسول الأعظم لم يسال الأمة ما لا عوض تحمله المشاق في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من مخالب الضلال والعمى والارشاد إلى ما فيه حياتهم وجمع شملهم حتى يشكل عليه بعدم المناسبة لمقام النبوة والرسالة وانما طلب منهم ما يعود نفعه إليهم وبه يستوجبون شمول العطف الآلهي ألا وهو مودة أهل بيته وقرباه وهم: (علي وفاطمة والحسن والحسين وذريتهم) وتفسير القربى بأهل البيت رواه الالوسي عن زاذان عن علي عليه السلام.

جاء في الصفحة الاسلامية لموقع براثا عن تهديم القبور في الثقافة الاموية / بقيع الغرقد للشيخ عبد الحافظ البغدادي: يجب التفريق بين احترام وتعظيم صاحب القبر وبين عبادته وجعله شريكا لله فتعظيم صاحب القبر امرا يقبله العقل واوصانا القران الكريم ان نحترمهم ونحبهم لقوله “قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى” (الشورى 23). أما التوسل بالله في صاحب القبر هذه سنة نبوية وقرآنية أمر الله تعالى المسلمين أن يأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كي يستغفر لهم..وحادثة اولاد يعقوب طلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم بينما هم يتمكنوا أن يستغروا مباشرة؟ وهو القائل “ادعوني استجب لكم” (غافر 60).