اخر الاخبار

المفهوم القرآني للمودة (ح 5)‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله تبارك وتعالى “وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ” ﴿العنكبوت 25﴾ مودّة بينكم: للتوادّ و التّواصل بينكم لاجماعكم على عبادتها. قال إبراهيم لقومه: يا قوم إنما عبدتم من دون الله آلهة باطلة، اتخذتموها مودة بينكم في الحياة الدنيا، تتحابون على عبادتها، وتتوادون على خدمتها، ثم يوم القيامة، يتبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضًا، ومصيركم جميعًا النار، وليس لكم ناصر يمنعكم من دخولها. قوله عز وجل “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الروم 21﴾ ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم أيها الرجال أزواجًا، لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بين المرأة وزوجها محبة وشفقة، إن في خلق الله ذلك لآيات دالة على قدرة الله ووحدانيته لقوم يتفكرون، ويتدبرون.

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز شأنه “ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ” ﴿الشورى 23﴾ وعلى الأقوال الثلاثة فقد قيل في “إلا المودة” قولان: (أحدهما) أنه استثناء منقطع لأن هذا مما يجب بالإسلام فلا يكون أجرا للنبوة (والآخر) أنه استثناء متصل والمعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا هذا فقد رضيت به أجرا كما أنك تسأل غيرك حاجة فيعرض المسئول عليك برا فتقول له اجعل بري قضاء حاجتي وعلى هذا يجوز أن يكون المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا هذا ونفعه أيضا عائد عليكم فكأني لم أسألكم أجرا كما مر بيانه في قوله “قل ما سألتكم من أجر فهولكم”. وذكر أبوحمزة الثمالي في تفسيره حدثني عثمان بن عمير عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فنقول له إن تعرك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك فأتوه في ذلك فنزلت “قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى” فقرأها عليهم وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا من عنده مسلمين لقوله فقال المنافقون إن هذا لشيء افتراء في مجلسه أراد بذلك أن يذللنا لقرابته من بعده فنزلت أم يقولون افترى على الله كذبا فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتد عليهم فأنزل الله “وهو الذي يقبل التوبة” عن عباده الآية فأرسل في إثرهم فبشرهم وقال “ويستجيب الذين آمنوا” وهم الذين سلموا لقوله. ثم قال سبحانه “ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا” أي ومن فعل طاعة نزد له في تلك الطاعة حسنا بأن نوجب له الثواب وذكر أبوحمزة الثمالي عن السدي قال إن اقتراف الحسنة المودة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وصح عن الحسن بن علي عليهما السلام أنه خطب الناس فقال في خطبته إنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال “قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا” فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت وروي إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إنها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء. “إن الله غفور شكور” أي غفور للسيئات شكور للطاعات يعامل عباده معاملة الشاكر في توفية الحق حتى كأنه ممن وصل إليه النفع فشكره.

قال الله تبارك و تعالى “لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (المجادلة 22) جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: أن الايمان الصادق بالله واليوم الآخر لا يجامع موادة أهل المحادة والمعاندة من الكفار ولو قارن أي سبب من أسباب المودة كالأبوة والبنوة والاخوة وسائر أقسام القرابة فبين الايمان وموادة أهل المحادة تضاد لا يجتمعان لذلك. وقد بان أن قوله: “وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ” إشارة إلى أسباب المودة مطلقا وقد خصت مودة النسب بالذكر لكونه أقوى أسباب المودة من حيث ثباته وعدم تغيره. وفيه أن مودة الأقرباء على إطلاقهم ليست مما يندب إليه في الإسلام. بل الذي يفيده سياق الآية أن الذي يندب إليه الاسلام هو الحب في الله من غير أن يكون للقرابة خصوصية في ذلك، نعم هناك اهتمام شديد بأمر القرابة والرحم لكنه بعنوان صلة الرحم وإيتاء المال، على حبه ذوي القربى لا بعنوان مودة القربى فلا حب إلا لله عز اسمه.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي:قوله عز وجل “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” ﴿الروم 21﴾ والفرق بين (المودة) و(الرحمة) قد يعود إلى الجهات التالية: 1 ـ المودة هي الباعثة على الإرتباط في بداية الأمر بين الزوجين، ولكن في النهاية، وحين يضعف أحد الزوجين فلا يكون قادراً على الخدمة، تأخذ الرحمة مكان المودة وتحلّ محلها. 2 ـ المودة تكون بين الكبار الذين يمكن تقديم الخدمة لهم، أمّا الأطفال والصبيان الصغار، فإنهم يتربون في ظلّ الرحمة. 3 ـ المودّة، غالباً ما يكون فيها (تقابل بين الطرفين)، فهي بمثابة الفعل ورد الفعل، غير أنّ الرحمة من جانب واحد لديه إيثار وعطف، لأنّه قد لا يحتاج إلى الخدمات المتقابلة أحياناً، فأساس بقاء المجتمع هو (المودة) ولكن قد يحتاج إلى الخدمات بلا عوض، فهو الايثار والرحمة. وبالطبع فإنّ الآية تبيّن المودة والرحمة بين الزوجين، ولكن يحتمل أن يكون التعبير (بينكم) إشارة إلى جميع الناس.. والزوجان مصداق بارز من مصاديق هذا التعبير، لأنّه ليست الحياة العائلية وحدها لا تستقيم إلاّ بهذين الأصلين (المودّة والرحمة) بل جميع المجتمع الإنساني قائم على هذين الأصلين وزوالهما من المجتمع ـ وحتى نقصانهما يؤدي إلى أنواع الارباك والشقاء والاضطراب الاجتماعي.

عن کتاب مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: في فقرة السبايا الى الشام: ودنا شيخ من السّجاد عليه السلام وقال له: الحمد الله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم. ها هنا أفاض الإمام من لطفه على هذا المسكين المغترّ بتلك التمويهات لتقريبه من الحقّ وإرشاده إلى السّبيل، وهكذا أهل البيت عليهم السّلام تشرق أنوارهم على مَن يعلمون صفاء قلبه وطهارة طينته واستعداده للهداية. فقال عليه السّلام له: (يا شيخ أقرأت القرآن؟) قال: بلى، قال عليه السّلام: “أقرأت “قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى” (الشورى 23)؟

في محاورة مع علماء المأمون قال الإمام الرضا عليه السلام: قول الله جلّ جلاله: “قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى” (الشورى 23) وهذه خصوصية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة، وخصوصية للآل دون غيرهم، وذلك أن الله حكى في ذكر نوح عليه السلام  في كتابه: “يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون” (هود 29). وحكى عزّ وجلّ عن هود عليه السلام  أنه قال: “لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون” (هود 51)، وقال عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: “قل” يا محمد”لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى” (الشورى 23) ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا، ولا يرجعون إلى ضلال أبدا. وأخرى أن يكون الرجل وادا للرجل، فيكون بعض أهل بيته عدوا له، فلا يسلم قلب الرجل له، فأحب الله عز وجل أن لا يكون في قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المؤمنين شيء، ففرض عليهم مودة ذوي القربى، فمن أخذ بها وأحبّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحبّ أهل بيته، لم يستطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبغضه، ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته، فعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبغضه لأنه قد ترك فريضة من فرائض الله، فأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا أو يدانيه؟ فأنزل الله هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: “قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى” (الشورى 23).