اخر الاخبار

المفهوم القرآني للمودة (ح 7) (يود، يودوا)‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز من قائل “يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ” ﴿المعارج 11﴾ “يبصرونهم” أي يعرف الكفار بعضهم بعضا ساعة ثم لا يتعارفون ويفر بعضهم من بعض عن ابن عباس وقتادة وقيل يعرفهم المؤمنون عن مجاهد أي يبصر المؤمن أعداءه على حالهم من العذاب فيشمت بهم ويسر وقيل يعرف أتباع الضلالة رؤساءهم وقيل إن الضمير يعود إلى الملائكة وقد تقدم ذكرهم أي يعرفهم الملائكة ويجعلون بصراء بهم فيسوقون فريقا إلى الجنة وفريقا إلى النار “يود المجرم” أي يتمنى العاصي “لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه” يتمنى سلامته من العذاب النازل به بإسلام كل كريم عليه من أولاده الذين هم أعز الناس عليه “وصاحبته” أي زوجته التي كانت سكنا له وربما آثرها على أبويه “وأخيه” الذي كان ناصرا له ومعينا “وفصيلته” أي وعشيرته “التي تؤويه” في الشدائد وتضمه ويأوي إليها في النسب.

وعن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى: “يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ” (البقرة 96)، أي اطول العمر وأكثره، فالألف كناية عن الكثرة وهو آخر مراتب العدد بحسب الوضع الافرادي عند العرب والزائد عليه يعبر عنه بالتكرير والتركيب كعشرة آلاف ومائة الف وألف ألف. قال الله تعالى عن يودوا “يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا” ﴿الأحزاب 20﴾ قوله تعالى: “يحسبون الأحزاب لم يذهبوا” إلى آخر الآية، أي يظنون من شدة الخوف أن الأحزاب وهم جنود المشركين المتحزبون على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يذهبوا بعد “وإن يأت الأحزاب” مرة ثانية بعد ذهابهم وتركهم المدينة “يودوا” ويحبوا “أنهم بادون” أي خارجون من المدينة إلى البدو”في الأعراب يسألون عن أنبائكم” وأخباركم “ولو كانوا فيكم” ولم يخرجوا منها بادين “ما قاتلوا إلا قليلا” أي ولا كثير فائدة في لزومهم إياكم وكونهم معكم فإنهم لن يقاتلوا إلا قليلا لا يعتد به.

وعن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله جل كرمه “مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” ﴿البقرة 105﴾ “ما يَوَدُّ” أى: ما يجب، إذ الود محبة الشيء مع تمنيه، يقال: ود فلان كذا يوده ودا ومودة بمعنى أحبه وتمناه. قال صاحب الكشاف: «ومن الأولى في الآية للبيان، لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان، أهل الكتاب والمشركون، والثانية مزيدة لاستغراق الخير والثالثة لابتداء الغاية». وقوله تعالى: “ما يَوَدُّ” إلخ الآية بيان لما يبيته الكافرون خصوصا اليهود للمسلمين من حقد وكراهية وتحذير لهم من الاطمئنان إليهم، والثقة بهم. وفي التعبير بقوله تعالى: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ دون ما يود أهل الكتاب تنبيه إلى أنهم قد كفروا بكتبهم، لأنهم لو كانوا مؤمنين بها لصدقوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم الذي أمرتهم كتبهم بتصديقه واتباعه. وعطف عليهم المشركين ليدل على أن عبدة الأصنام أيضا يضاهون كفرة أهل الكتاب، في كراهة نزول أى خير على المؤمنين، وأن الجميع يحسدونهم على ما آتاهم الله من فضله عن طريق نبيه صلّى الله عليه وسلّم من دين قويم، وقرآن كريم، وهداية عظمى، وأخوة شاملة، وأمن بعد خوف، وقوة بعد ضعف. والخير: النعمة والفضل، والمراد به في الآية الكريمة النبوة وما تبعها من الوحى الصادق، والقرآن العظيم المشتمل على الحكمة الرائعة والحجة البالغة والبلاغة الباهرة والتوجيه النافع. وأهل الكتاب قد كرهوا ذلك للمؤمنين لعنادهم وحسدهم، وكراهتهم أن تكون النبوة في رجل عربي ليس منهم. والمشركون كرهوا ذلك أيضا لأن في انتشار الإسلام، وفي تنزيل الوحى على النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يخيب آمالهم في إبطال الدعوة الإسلامية، وإضعاف شوكتها والنصر على أتباعها. وقوله تعالى: “وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” رد عليهم بما يكشف عن جهلهم وجهل جميع الحاسدين، لأن الحاسد لغباوته يسخط على قدر الله، ويعترض عليه لإنعامه سبحانه على المحسود والله تعالى هو صاحب التصرف المطلق في الإعطاء والمنع فكان من الواجب على هؤلاء الذين لا يودون أن ينزل أى خير على المؤمنين أن يريحوا أنفسهم من هذا العناء، وأن يتحولوا عن ذلك الغباء، لأن الله تعالى يهب خيره لمن يشاء. وقوله تعالى: وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تذييل لما سبق أى كل خير يناله العباد في دينهم أو دنياهم إنما هو من عنده تعالى يتفضل به عليهم، وفي ذلك إشعار للحاسدين بأن يقلعوا عن حسدهم، وتعريض باليهود وغيرهم ممن حسدوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم على أن آتاه الله النبوة، فكأنه سبحانه يقول لهم: إنى أصطفى للنبوة من أشاء من عبادي وهي لا تدرك بالأمانى، ولكني أهبها لمن هو أهل لها. وبذلك تكون الآية الكريمة قد حذرت المؤمنين مما يبيته لهم الكافرون من حقد وبغضاء وبشرتهم بأن ما يبيتونه لن يضرهم ما داموا معتصمين بكتاب ربهم، وسنة نبيهم.

جاء في کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: قوله تعالى “وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ” (الاحزاب 20) بادون في الأعراب: يكونون في البادية مع الأعراب. يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ‌ خارجون إلى (البدو) في الصحراء فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ‌ ليعرفوا مصير المعركة حتى يتكيفوا معه، فهم لا يصنعون الأحداث بل يتقلبون معها “وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا” ﴿الأحزاب 20﴾ مما يدل على أن المنافقين ينهزمون نفسيا بتلك التمنيات، وعمليًّا بالفرار من بين المسلمين حفاظا على حياتهم، ولو لم يحالفهم الحظ بالفرار والهزيمة ما كانوا يؤثرون في المعادلة أبدا، لأنهم غير مستعدين للتضحية ولا للقتال المستميت. وتدل هذه الآية “مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا” ﴿الأحزاب 20﴾ على أحد معنيين: الأول: أنهم لو كانوا في المسلمين لم يقاتلوا الأحزاب على افتراض عودتهم- لأنهم يبحثون عن المعارك التي يكون فيها العدو ضعيفا وقليلا، بحثا عن المغانم حيث يكون النصر فيها للمسلمين، وحتى في هذه الحالة فإنهم لا يؤدون دورا أساسيا، ولا يدخلون قلب المعركة. الثاني: أنهم لو صادف مجي‌ء الأحزاب للقتال مرة ثانية، ولم يتمكنوا من الفرار فإنهم لن يؤدوا مهمات خطرة في القتال، بل سيكتفون بالأدوار الهامشية التي لا تكلفهم شيئا من التضحية، كما إنها تحافظ على شخصياتهم ومكانتهم في المجتمع المسلم.