المواكب الحسينية سمة من سمات العزاء، وجذوة التحدي، وصورة من صور الصمود، وتجسيد لعاطفة الحب والولاء، بل هي من العوامل التي تحرك عواطف الإنسان، وتشحن الهمم وتوحد الصف، وهي رسالة إلى كل الشعوب أننا كما نخلد ذكر الحسين في مواكبنا نخلده في قلوبنا لأنه رجل الإنسانية.
جذور المواكب يبذرها المعصوم
تنوعت صور المواکب الحسینیة عبر التاريخ، فكانت قديماً عبارة عن تجمعات يتصدرها المعصوم تلقى فيها قصائد تذكر مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام).
ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من بكى الحسين (عليه السلام) مع أهل بيته (عليهم السلام)، في التاريخ إن رسول الله بكى الحسين (عليه السلام) ولعل حادثة التربة الحسينية التي أعطاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأم سلمة خير شاهد على ذلك، والمعصومون من بعده أكملوا المسيرة لهذه الشعائر .
ومن أوضح الصور التي نقلتها الروايات التاريخية هو بكاء زين العابدين على أبيه الحسين (عليه السلام) ومن بعده الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وما ورد عنهما من حث على إحياء الأمر، ومن الحوادث ما جرى بين الإمام الرضا (عليه السلام) وبين دعبل الخزاعي وتائيته المشهورة.
شهادات من التاريخ
وقد اتخذت هذه المواكب صوراً عبر التاريخ فتحولت من تجمعات إلى تحركات جماهيرية تبعث روح الثورة في نفوس الشيعة وهذا ما جعل من يحيي ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) في خطر، فقد دفعوا الضرائب الباهضة لا لسبب سوى لأنهم حملوا الحسين شعاراً في ممارستهم السلمية، وهذا ما أقض مضاجع العروش الظالمة.
في التاريخ صور للمواكب فهذا ياقوت الحموي وابن خلكان في وفيات الأعيان ذكرا مجالس النياحة التي كانت تقام على الحسين (عليه السلام) في بيوت العلويين والشيعة وخلال القرن السابع للهجرة أصبحت قراءة مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) عادة سارية يوم عاشوراء وكان المستنصر بالله العباسي قد أمر عماله بمنع الناس من قراءة المقتل.
وذكر ابن الجوزي أن اللطم جرى يوم عاشوراء بحدود منتصف القرن الخامس الهجري ويذكر أنها أول إشارة من التاريخ بوجود لطم على الامام الحسين (عليه السلام) وذكر المؤرخون أحداثًا تفيد أن ممارسات ذكر الحسين (عليه السلام) تنوعت عبر الأزمنة.
يقول ابن الجوزي: أن معز الدولة البويهي قد أمر بغلق الأسواق ووضعت الجرار مغلقة باللباد في الشوارع والطرقات لسقي عابر السبيل والعطشان وكانت النسوة يولولن ويبكيْن حزناً على الحسين (عليه السلام).
المواكب الحسينية.. اتساع وتطور
مع انتشار التشيع في كل بقاع الأرض انتشرت ممارسات إحياء ذكر أهل البيت (عليهم السلام) حسب الثقافة والبيئة، ففي العصور القديمة بدأت المواكب الحسينية تنتشر في إيران والهند وأذربيجان التركية والأناضول وبعض مناطق سيبريا، فيذكر المقريزي في خططه أن صور العزاء كانت منذ أيام الإخشيديين واتسعت أكثر في أيام الدولة الفاطمية.
فكانت تعطل الأسواق وتتجمع الناس في الأزقة والطرقات العامة ويعلو بكاؤهم ونحيبهم وترتفع الأصوات منشدة أبيات الشعر التي تجسد واقعة كربلاء، ويذكر أيضًا في مصر في حكم الفاطميين أنه اتخذ يوم عاشوراء يوماً يحتفى فيه بذكرى الحسين (عليه السلام) وتطورات صورة المواكب فبعد أن كانت تجمعات تذكر فيها مصيبة الحسين صارت مسيرات حاشدة أشبه بالمظاهرات السلمية اليوم يعلن بها عن الرفض للظلم والاستبداد وعدم الرضوخ للظلمة ومتخذين من عاشوراء يوماً لرفض كل أنواع التسلط والعنف.
حيث يكون الناس على مجموعات يحملون الرايات السوداء علامة للحزن ورايات حمراء علامة للثأر ولافتات تكتب عليها أسماء هذه التجمعات أو تكتب عليها شعارات كربلاء التي أطلقها الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء، فأصبح الموكب ينقسم نصفين وفي وسطه الطبول التي تدل على الاستعداد للحرب وينفخ في الأبواق، ثم بعد ذلك أصبحوا يحملون الزنجيل تضرب بها الظهور ويتشحون بالسواد دلالة على الحزن.
وأسست إلى جانب ذلك هيأة تقدم الماء والطعام لهؤلاء المعزين، وتعد زيارة الأربعين صورة حية من صور إحياء الذكر، وذكرت الروايات أن هذه الزيارة من علامات المؤمن.
ولم تنقطع المسيرات عبر التاريخ رغم التهديدات والقتل والخطر، وازدادت المسيرات بمرور الوقت حتى أصبحت السنوات الأخيرة تعد بالملايين وما يقدم لها من خدمات يزداد بازدياد أعداد الزائرين.
رملة الخزاعي/موقع الولایة