اخر الاخبار

اليهود وبني اسرائيل والفرق بينهما في القرآن الكريم (ح 28)‎

د. فاضل حسن شريف

 عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ” ﴿الأعراف 137﴾ بعد هلاك قوم فرعون، وتحطّم قدرتهم، وزوال شوكتهم، ورث بنو إسرائيل الذين طال رزوحهم في أغلال الأسر والعبودية أراضي الفراعنة الشاسعة والآية الحاضرة تشير إلى هذا الأمر “وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها” (الأعراف 137). و (الإرث) كما أسلفنا يعني في اللغة المال الذي ينتقل من شخص إلى آخر من دون تجارة ومعاملة، سواء كان المنتقل منه حيا أو ميّتا. و “يستضعفون” مشتقّة من مادة (الاستضعاف) وتطابق كلمة (الاستعمار) التي تستعمل اليوم في عصرنا الحاضر، ومفهومها هو أن يقوم جماعة بإضعاف جماعة أخرى حتى يمكن للجماعة الأولى أن تستغل الجماعة الضعيفة في سبيل مآربها ومصالحها، غاية ما هنالك أن هناك تفاوتا بين هذه اللفظة ولفظة الاستعمار، وهو: أن الاستعمار ظاهرة تعمير الأرض، وباطنه الإبادة والتدمير، ولكن الاستضعاف ظاهره وباطنه واحد. والتعبير ب “كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ” إشارة إلى الفرعونيين كانوا يستبقون بني إسرائيل في حالة ضعف دائمية: ضعف فكري، وضعف أخلاقي، وضعف اقتصادي، ومن جميع الجهات وفي جميع النواحي. والتعبير ب “مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا” إشارة إلى الأراضي الواسعة العريضة التي كانت تحت تصرّف الفرعونيين، لأنّ الأراضي الصغيرة ليس لها مشارق ومغارب مختلفة، وبعبارة أخرى (ليس لها آفاق متعددة) ولكن الأراضي الواسعة جدا من الطبيعي أن يكون مشارق ومغارب بسبب كروية الأرض فيكون التعبير بمشارق الأرض ومغاربها كناية عن أراضي الفرعونيين الواسعة العريضة جدّا. وجملة “بارَكْنا فِيها” إشارة إلى الخصب العظيم الذي كانت تتمتع به هذه المنطقة يعني مصر والشام التي كانت تعدّ آنذاك، وفي هذا الزمان أيضا، من مناطق العالم الخصبة الكثيرة الخيرات. حتى أن بعض المفسّرين كتب: إن بلاد الفراعنة في ذلك العصر كانت واسعة جدّا بحيث كانت تشمل بلاد الشام أيضا. وعلى هذا الأساس لم يكن المقصود من العبارة هو الحكومة على كل الكرة الأرضية، لأنّ هذا يخالف التاريخ حتما. بل المقصود هو حكومة بني إسرائيل على كل أراضي الفراعنة وبلادهم. ثمّ يقول: “وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا” أي تحقق الوعد الإلهي لبني إسرائيل بانتصارهم على الفرعونيين، بسبب صبرهم وثباتهم. وهذا هو الوعد الذي أشير إليه في الآيات السابقة (الآية 128 و 129 من نفس هذه السورة). صحيح أنّ هذه الآية تحدّثت عن بني إسرائيل ونتيجة ثباتهم في وجه الفرعونيين فقط، إلّا أنّه يستفاد من الآيات القرآنية الأخرى أن هذا الموضوع لا يختص بقوم أو شعب خاص، بل إن كان شعب مستضعف نهض وحاول تخليص نفسه من مخالب الأسر والاستعمار، استعان في هذا السبيل بالثبات والاستقامة، سوف ينتصر آخر المطاف ويحرر الأراضي التي احتلها الظلمة الجائرين.

جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم ‌السلام عن أصحاب السبت: هم طائفة من بني إسرائيل، نهاهم الله عن اصطياد السمك في يوم السبت، فتجاوزوا حدود الله واصطادوا في ذلك اليوم، فأخذهم الله بالعذاب. كانوا يسكنون على شاطئ البحر، في منطقة أيلة، وتعرف اليوم بإيلات في فلسطين المحتلة. وذكرت الروايات أنَّهم عاشوا في عصر النبي داود، وذكر العلامة الطباطبائي في الميزان، أنه لم ينج منهم إلا الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وهلك المذنبون والذين لزموا الصمت على الذنب. المفهوم: أصحاب السبت هم طائفة من بني إسرائيل، عصوا الله حيث اشتغلوا بالصيد يوم السبت مع أنه كان حراما عليهم في ذلك اليوم، فأخذهم الله بعذابه، وكانوا يعيشون في عصر النبي داود، وكان عددهم حوالي 70 ألف أو 12 ألف نفر، وورد ذكرهم في القرآن بشكل صريح مرة واحدة في الآية 47 من سورة النساء “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا” (النساء 47).

تكملة للحلقات السابقة جاء في موقع براثا عن انحراف المجتمع وعقوبة السماء للشيخ عبد الحافظ البغدادي: بين دخول مصر والخروج منها: لو رجعنا إلى النصوص المقدسة التي تناولت حادثة خروج بني إسرائيل من مصر، لوجدنا أن هناك اتفاقًا في الأحداث التي وقعت أثناء دخول بني إسرائيل مصر وخروجهم منها. حسب العهد القديم، فإن المدة التي قضاها بنو إسرائيل في مصر، تتراوح بين 400 عام الى 430 كما ذكر (سفر الخروج). بينما القرآن ذكر سبب دخولهم مصر ولم يذكر المدة. كون العبرة بالتيه وليس المدة. يتفق العهد القديم مع القرآن الكريم أن دخول يعقوب وأبنائه إلى مصر، حدث في زمن المجاعة، وأنهم بقوا فيها عندما التقوا بيوسف الذي كان يشغل إحدى الوظائف الكبرى في الحكومة المصرية. ولكن حدث تغيُّر كبير في معاملة العبرانيين من جانب السلطة الفرعونية بعد وصول ملك مصري جديد إلى العرش اسمه الوليد بن مصعب (فرعون موسى). تذكر الكتب المقدسة نزول كوارث على العبرانيين انتقامًا وظلما كونهم ينتمون لموسى عليه السلام. ورد في سفر الخروج، قول يهوه لموسى، يهوه يعني الله. يعطي امرا بخروج بني إسرائيل من مصر: (إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ فاخرج شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ) ما يعني أن عملية الخروج تمت بناء على أمر من الله لبني إسرائيل. وكلمة شعبي تعني هم شعب الله المختار. ضارب الروايات: من أقوى الطعون التي تُوَجَّه إلى واقعة الخروج، هي التي تنتقد تعداد بني إسرائيل وقت الخروج. ففي سفر الخروج، نجد الروايات أن عدد الرجال الذين خرجوا مع موسى عليه السلام كان 600 ألف، وروايات اخرى تقول انهم ما بين 2 ونصف الى 3 مليون شخص. هذأ العدد أثار اعتراضات المؤرخين المسلمين وغيرهم الذين قالوا بزيف الخبر في العهد القديم ويؤكد التحريف فيه. لأن عدد أبناء يعقوب وأحفاده الذين دخلوا مصر، كانوا بحدود (75 فردًا). فكيف تكاثروا ليصلوا إلى مليونين أو ثلاثة ملايين، في غضون أربعة أجيال فقط؟ بالرغم ان الروايات في التفاسير القرآنية تؤكد أن كثيرًا من أطفال اليهود قُتِلوا بشكل منظم يوم ولادتهم، بأوامر من فرعون، الأمر الذي يشير إلى قلة عددهم في مصر وقت خروجهم. سورة الشعراء ورد راي فرعون وصفه العبرانيين بقوله: “إِنَّ هؤلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ” (الشعراء 54)، دليلًا على قلة عددهم زمن موسى. من المعجزات التي لم ترد في القرآن، معجزتا (عمود النور) و (عمود السحاب). ورد في أسفارهم (سفر الخروج) (وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلًا في عمود نار ليضيء لهم، لكي يمشوا نهارًا وليلا). الغرض من ذلك العمود أن يقود الشعب العبراني ويحميهم من الحيوانات المتوحشة والطرق الوعرة وغيرها. أما عن المعجزات المُتفَق عليها، أهمها معجزة (انفلاق البحر وعبور بني إسرائيل، ثم عودته إلى سيرته الأولى وغرق فرعون وجنوده). وهذا الخروج اعتبر عيدا عند اليهود يُعرف بـ(عيد الفصح) أو (عيد الفطير) لأنه يوافق خروج أجدادهم من مصر متعجلين، لم تتح لهم فرصة تناول خبزهم، فأكلوه فطيرا غير مختمر. والاحتفال به سبعة أيام. أما بعض المسلمين، يحيون تلك المناسبة من خلال صيام يوم العاشر من محرم، ويطلقون عليه صيام (يوم عاشوراء)، وهذا ورد في صحيح البخاري، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر إلى المدينة المنورة، وجد اليهود فيها، يحتفلون في ذلك اليوم نجاة موسى من فرعون، لذلك دعا المسلمين إلى صيام يوم العاشر شكرًا لله وتقربًّا إليه، وفسر ذلك بقوله: (نحن أولى بموسى منكم)، ويعني يهود المدينة.