اخر الاخبار

اليهود وبني اسرائيل والفرق بينهما في القرآن الكريم (ح 21)‎

د. فاضل حسن شريف

جاء في تفسير جوامع الجامع للشيخ الطبرسي:  قوله تعالى “وإن إلياس لمن المرسلين (123) إذ قال لقومه ألا تتقون (124) أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين (125) الله ربكم ورب آبائكم الأولين (126) فكذبوه فإنهم لمحضرون (127) إلا عباد الله المخلصين (128) وتركنا عليه في الأخرين (129) سلم على إل ياسين (130) إنا كذلك نجزى المحسنين (131) إنه من عبادنا المؤمنين (132)” (الصافات 123-132) اختلف في”إلياس” فقيل: هو إدريس النبي (1)، وقيل: هو من بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع، وقيل: إنه استخلف اليسع على بني إسرائيل ورفعه الله وكساه الريش فصار إنسيا ملكيا وأرضيا سماويا.

جاء في موقع الدرر السنية عن انتقال يعقوب عليه السلام بأولاده من بادية فلسطين إلى مصر: بعد أن مكَّن الله ليوسف عليه السلام في أرض مصر وصار على خزائنها، أرسل إلى أبيه وأهله جميعاً أن يأتوا إليه، فأقبل يعقوب عليه السلام بأولاده وأهله جميعاً إلى مصر واستوطنوها، ويذكر اليهود في كتابهم أن عدد أنفس بني إسرائيل حين دخلوا مصر سبعون نفساً. وكانوا شعباً مؤمناً بين وثنيين، فاستقلوا بناحية من الأرض أعطاهم إياها فرعون مصر، فعاشوا عيشة طيبة زمن يوسف عليه السلام. ثم بعد وفاة يوسف عليه السلام بزمن- الله أعلم بطوله- تغيَّر الحال على بني إسرائيل وانقلب عليهم الفراعنة طغياناً وعتوًّا واستضعافاً لبني إسرائيل، فاستعبدوهم وأذلوهم، وبلغ بهم الحال ما ذكر الله عز وجل في قوله: “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ” (القصص 4-6)  فكان الفراعنة يقتلون الذكور ويستحيون الأناث، واستمرت هذه المحنة وهذا البلاء عليهم زمناً طويلاً، إلى أن بعث الله عز وجل موسى عليه السلام، فدعا فرعون إلى الإيمان بالله، وأن يترك دعوة الناس إلى عبادة نفسه، وأن يرفع العذاب عن بني إسرائيل، ويسمح لهم بالخروج من مصر، فأبى فرعون ذلك بغطرسة وكبر، واستمرَّ في تعذيب بني إسرائيل، كما قال عز وجل: “وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ” (الأعراف 127) فأخذ الله تعالى فرعون وقومه بالجدب وهلاك الزروع، وأرسل عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم، ولكنهم استكبروا وجحدوا، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام بعد ذلك بالخروج ببني إسرائيل.

عن مركز الامام الصادق اليهود في القرآن الكريم: نبذة مختصرة عن تاريخ اليهود: بعد أن هاجر النّبيّ يعقوب عليه السلام بأولاده من فلسطين إلى مصر، حيث يقيم ولده يوسف عليه السلام وزير فرعون في ذاك العهد، أقطعهم فرعون إكرامًا ليوسف أرضًا خصبة في مصر وظلّت سلالة يعقوب هناك أمدًا غير قصير، ولكنّ الفراعنة الّذين جاؤوا فيما بعد اضطهدوا اليهود، وساموهم الخسف والعذاب، فذبحوا الأبناء، واستحيوا النّساء، واتّخذوا منهم خدمًا وعبيدًا، ثمّ أرسل الله نبيًّا منهم ولهم، وهو موسى بن عمران عليه السلام فحرّرهم من الظّلم والاستعباد، ثمّ طلب منهم العودة إلى فلسطين، وقتال أهلها ووعدهم النّصر، فتقاعسوا جبنًا وجورًا، فكتب الله عليهم أن يتيهوا في صحراء سيناء أربعين سنة، وفي هذه البرهة توفّي هارون، ثمّ أخوه موسى عليه السلام فخلفه ابن أخته يوشع بن نون. وحوالي القرن الثّالث عشر قبل الميلاد أغار بهم على أرض فلسطين فاحتلّوها، وأبادوا معظم أهلها، وشرّدوا البقيّة الباقية، تمامًا كما صنع نسلهم الصّهاينة في فلسطين سنة 1948 وعلى سبيل المثال لا الحصر ما حصل في دير ياسين حيث جمع الصّهاينة حوالي 25 امرأة حاملاً وبقروا بطونهم بالمُدَى والحراب، وهكذا جمعوا أهل قرية الزّيتونة في المسجد ثمّ نسفوه بالدّيناميت على رؤوسهم وهكذا فعلوا في صبرا وشاتيلا والمسجد الإبراهيميّ وكثير من المجازر وإلى الأن هي مستمّرة في الأرض المحتلّة فلسطين اليوم. المهمّ بعد يوشع أرسل الله سبحانه منهم الكثير من الأنبياء وفي سنة 596 ق.م. أغار على فلسطين ملك بابل وهو (بختنصر) فأزال ملكهم من فلسطين، وذبح منهم كثيرًا، وأسر كثيرًا. وظلّوا بحكم ( بختنصر ) إلى سنة 538 ق.م. حيث تغلّب ملك الفرس على (بختنصر) فتنفّس اليهود الصّعداء، واستمرّوا تحت سيطرة الفرس زهاء مئتَيْ عام، وبعدها وقعوا تحت حكم خلفاء الاسكندر الكبير، ثمّ تحت سيطرة الرّومان. وفي سنة 135 ق.م. ثار اليهود على الرّومان، ولكنّ هؤلاء تغلّبوا على اليهود، وأخمدوا ثورتهم، ثمّ أخرجوهم من فلسطين، فهاموا على وجوههم في مختلف بقاع الأرض شرقًا وغربًا، شرذمة في مصر، وأخرى في لبنان وسورية، وثالثة في العراق ورابعة في الحجاز أمّا اليمن فقد عرفها اليهود، ورحلوا إليها للتّجارة في عهد سليمان عليه السلام الّذي تزوّج ملكة اليمن بلقيس. ومع ظهور الإسلام باعتباره الرّسالة الّتي تقف بوجه مصالحهم اللامشروعة وانحرافاتهم وغطرستهم فإنّهم وقفوا بوجه الدّعوة وبدؤوا يحوكون ضدّها المؤامرات.

تكملة للحلقة السابقة جاء في نظرات في كتاب الله عن اليهود والذين هادوا وأهل الكتاب والذين أوتوا الكتاب للكاتب عمرو الشاعر: وننتقل إلى المصطلح التالي وهو: “الذين آتيناهم الكتاب” والذي ورد في ثمان مواطن والذي ارتبط ضمنا ب: “الذين أوتوا الكتاب” وإن كان القرآن فرق بينهما فأثنى على “الذين آتيناهم الكتاب” ونعتهم بالإيمان وبأنهم يعرفون الكتاب والرسول: “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (البقرة 121)، و “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” (البقرة 146)، و “وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ” (الرعد 36). والذي يظهر من التعبير القرآني أن الذين آتاهم الله الكتاب هم الأنبياء وأوتوا الكتاب وغيره: “أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ” (الأنعام 89). ولا يمكن أن يكون المقصود بهم الأنبياء لأنهم خلوا قبل الرسول فمن الذين آتاهم الله الكتاب؟ تأتي الإجابة بأنهم الذين اصطفاهم الله: آل إبراهيم: “أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً” (النساء 54). وهل يمكن اعتبار الربانيون منهم؟ الله أعلم. وعلى النقيض كان مصطلح “الذين أوتوا الكتاب” والذي أتى في ستة عشر موطن فكان في مقام الذم: “وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ” (البقرة 101)، و “فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ” (ال عمران 20)، و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ” (ال عمران 100)، و “لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ” (ال عمران 186)، و “وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ” (ال عمران 187)، و “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ” (الحديد 16). والذي يظهر من قرن الذين أوتوا الكتاب بالذين آمنوا وبناءها على صيغة ما لم يُسم فاعله أن المراد منه عامة أتباع الكتاب السابق الذين انتسبوا إليه قولاً وليس المراد منه العلماء. وبخلاف كون المصطلح في العلماء أو العامة فالنقطة الرئيس هي: هل يصدق “الذين أوتوا الكتاب” على الذين هادوا والنصارى؟ أي أنه لفظ عام مثل: “أهل الكتاب” أم أنه في صنف محدد منهم؟ المشهور أنه كذلك إلا أني قرأت قولاً طيبا للأخ الحسن الهاشمي المختار في هذا الشأن يثبت فيه أن “الذين أوتوا الكتاب” هم الذين هادوا فقط فيقول: “هل أحل الله نكاح المحصنات من “أهل الكتاب” أم من الذين “أوتوا الكتاب”؟ إن كن من أهل الكتاب فذلك يعني النصارى واليهود، وإن كن من الذين أوتوا الكتاب فذلك يعني اليهود فقط. الذين أوتوا الكتاب قبل الإسلام هم اليهود والذين أوتوا الكتاب من بعد اليهود هم العرب. ولقد جعل الله النبوة والكتاب في ذرية إبراهيم، قال تعالى: “أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً” (النساء 54). وحتى المسيح عليه السلام كان من ذرية إسرائيل ورسولا إلى بني إسرائيل وكان يحكم بالتوراة بالإضافة إلى الأنجيل الذي آتاه الله.