اخر الاخبار
تاثير الإحسان في الذرية (أحسنوا في عَقِبِ غيركم تحفظوا في عقِبِكم) /محمد جواد الدمستاني
تاثير الإحسان في الذرية
(أحسنوا في عَقِبِ غيركم تحفظوا في عقِبِكم)
محمد جواد الدمستاني
في الإحسان إلى النّاس و تأثيره في الحياة الدّنيا يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، قوله «أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ». حكمة 264
عَقِبِكُمْ من العَقِبِ، هنا بمعنى الولد و أولادهم، النسل ومن يأتي بعد الإنسان من ذريته.
و الحِكمة بها حث و أمر بالإحسان إلى أولاد الناس وأحفادهم ومعاملتهم معاملة حسنة، و أنّ ذلك يؤدي أن يتعامل النّاس مع ذرية المحسن معاملة حسنة أيضا.
و يرادف الإحسان: الإنْعَام و الإِعطاء، الإِفضال، و المعنى قدّموا لهم معروفا أو صدقة أو صنيعا، فإنّ ذلك له آثار عملية تتعدى المحسن إلى ذريته.
و في تمام نهج البلاغة ذُكرت الحكمة ضمن تعاليم كثيرة للإمام عليه السلام من وصية له عليه السلام لابنه محمد .
وفي نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، ذكر رواية وردت عن أمير المؤمنين عليه السلام «أَحْسِنُوا فِي [عَقِبِ] غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَ جَنَّتَهُ مَنْ أَطَاعَهُ، وَ أَوْعَدَ نَارَهُ مَنْ عَصَاهُ،..». و ضعها المؤلف المحمودي بين معكوفتين [عَقِبِ]، وهو ما يوافق الحكمة في نهج البلاغة.
خاتمة هذه الرواية تذكّر برواية الإمام زين العابدين عليه السلام « خَلَقَ اَللَّهُ اَلْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَ أَحْسَنَ وَ لَوْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيّاً، وَ خَلَقَ اَلنَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَ لَوْ كَانَ قُرَشِيّاً..». المناقب،ج4ص151.
و «أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ» يعني أنّ المكافأة أو المجازاة واقعة في الدّنيا فيما يتعلق بالإنسان و ليس بالضرورة في نفسه، فيمكن أن تكون في ولده أو ذريته.
و من ناحية اجتماعية فإنّ الناس تكرم و تعطف من يخلفه المحسن مع النّاس في ولده و أهله، يقولون و يتحدثون أنّ هذا ابن فلان الكريم الجواد المحسن و يتعاطفون معه و يكرموه.
و في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام «ما أحسَنَ عَبدٌ الصَّدَقَةَ فِي الدُّنيا، إلاّ أحسَنَ اللهُ الخِلافَةَ عَلى وُلدِهِ مِن بَعدِهِ». نتيجة و تأثير من آثار الصدقة في نسل الإنسان و ذريته وهي يحسن الله الخلافة في ولده.
وفي القرآن الكريم إرشاد إلى تأثير صلاح الإنسان على ذريته من بعده، ففي سورة الكهف قال تعالى في قصّة موسى عليه السلام وصاحبه «… وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ …» سورة الكهف:82
و النتيجة هي أنّه من أحسن يُحسن إليه و إلى ذريته و نسله، ومن من أساء يُساء إليه و إلى ذريته و نسله، و بالتالي لا يقف الأثر بالإحسان إلى الاحسان الحالي و الحاضر للمحسن، و كذلك أو تأثير الإساءة لا تقف عند الإساءة الحالية و الحاضرة للمسيئ، بل يتعداه إلى عصور لاحقة يعيش فيها أبناء و أحفاد المحسن أو المسيء.
فهذا الأثر كما يكون في الجانب الايجابي ايجابيا، يكون في الجانب السلبي سلبيا، قال الله تعالى «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ». سورة الزلزلة، آية 7.
و في رواية : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه عليه السلام مُبْتَدِئاً مَنْ ظَلَمَ سَلَّطَ اللَّه عَلَيْه مَنْ يَظْلِمُه [ أَوْ عَلَى عَقِبِه ] أَوْ عَلَى عَقِبِ عَقِبِه، قُلْتُ هُوَ يَظْلِمُ فَيُسَلِّطُ اللَّه عَلَى عَقِبِه أَوْ عَلَى عَقِبِ عَقِبِه، فَقَالَ إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ يَقُولُ : (ولْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا الله ولْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً). الكافي، ج٢ ص٣٣٢
و الآيات و الروايات تشير إلى ذلك، قال تعالى: «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ» النساء، آية 132، و قال تعالى: «وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تجَدِوُهُ عِنْدَ اللّهِ». البقرة ، آية 110
و عن أمير المؤمنين عليه السلام « وَ مَنْ عَابَ عِيبَ، وَ مَنْ شَتَمَ أُجِيبَ، وَ مَنْ غَرَسَ أَشْجَارَ اَلتُّقَى اِجْتَنَى ثِمَارَ اَلْمُنَى». كشف الغمة ،ج2ص346
و عن الإمام الصادق عليه السلام «لاَ تَغْتَبْ فَتُغْتَبْ، وَ لاَ تَحْفِرْ لِأَخِيكَ حُفْرَةً فَتَقَعَ فِيهَا فَإِنَّكَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ». الأمالی (للصدوق)،ج1ص420.
و كذلك روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «بَرُّوا آبَاءَكُمْ يَبَرَّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ، وَ عِفُّوا عَنْ نِسَاءِ اَلنَّاسِ تُعَفَّ عَنْ نِسَائِكُمْ». الأمالی (للصدوق)،ج1ص288، من لا یحضره الفقیه،ج4ص21، الکافي،ج5ص554، الخصال،ج1ص55
و هذا المعنى من أثر الإحسان و الإفضال أو الإساءة و الأذية متداول بين النّاس في كلامهم و أمثالهم، فيقولون مطابقة أو قريب من المعنى «ومن لا يَرحم لا يُرحم»، «كما تَفعل يُفعل بك»، «كما تَجزي تُجزى».
و هي متداولة أيضا في اللغات الأخرى و الأمم:
فيُقال باللغة الفارسية: « هر چه بکاری همان را برداشت می کنی) : أيا ما تفعله تحصل عليه.
و باللغة الفرنسية: Tu récoltes ce que tu sèmes (أنت تَزْرَعُ ما تَحْصُدُ).
و كذلك: qui sème le vent récolte la tempête (من يبذر الريح يحصد العاصفة).
و في اللغة الإنجليزية : You reap what you sow (تحصد ما تزرع).
ومن الآثار العديدة للإحسان في الروايات أنّه يورث المحبة و استدامتها، و به يملك المحسن قلوب النّاس، و في الرواية عن النبي صلى الله عليه و آله: « جُبِلَتِ اَلْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا وَ بُغْضِ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهَا»، من لا یحضره الفقیه، ج4 ص 381
و عن الإمام علي عليه السلام «وَ أَفْضِلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَمِيرَهُ». الإرشاد،ج1 ص303
اللهم اجعلنا من المحسنين، والحمد لله ربّ العالمين، و صلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.
Play Video