اخر الاخبار

تفاسير القرآن الكريم عن الأم (ح 1) (أمه)‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن الام “فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” ﴿القصص 13﴾ أُمِّهِ: أُمِّ اسم، هِ ضمير. فرددنا موسى إلى أمه، كي تقرَّ عينها به، ووفينا إليها بالوعد، إذ رجع إليها سليمًا مِن قتل فرعون، ولا تحزنَ على فراقه، ولتعلم أن وعد الله حق فيما وعدها مِن ردِّه إليها وجعله من المرسلين. إن الله لا يخلف وعده، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن وعد الله حق. قوله سبحانه “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” ﴿لقمان 14﴾ وأَمَرْنا الإنسان ببرِّ والديه والإحسان إليهما، حَمَلَتْه أمه ضعفًا على ضعف، وحمله وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين، وقلنا له: اشكر لله، ثم اشكر لوالديك، إليَّ المرجع فأُجازي كُلا بما يستحق. قوله عز وجل.

جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” ﴿القصص 13﴾ تفريع على ما تقدمه مع تقدير ما يدل عليه السياق، والمحصل أنها قالت: هل أدلكم على أهل بيت كذا فأنعموا لها بالقبول فدلتهم على أمه فسلموه إليها فرددناه إلى أمه بنظم هذه الأسباب. وقوله: “كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم” إلخ، تعليل للرد والمراد بالعلم هو اليقين بالمشاهدة فإنها كانت تعلم من قبل أن وعد الله حق وكانت مؤمنة وإنما أريد بالرد أن توقن بالمشاهدة أن وعد الله حق. والمراد بوعد الله مطلق الوعد الإلهي بدليل قوله: “ولكن أكثرهم لا يعلمون” أي لا يوقنون بذلك ويرتابون في مواعده تعالى ولا تطمئن إليها نفوسهم، ومحصله أن توقع بمشاهدة حقية هذا الذي وعدها الله به أن مطلق وعده تعالى حق. قوله سبحانه “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” ﴿لقمان 14﴾ ذكر بعض ما تحملته أمه من المحنة والأذى في حمله وتربيته ليكون داعيا له إلى شكرهما وخاصة الأم. والوهن الضعف وهو حال بمعنى ذات وهن أو مفعول مطلق والتقدير تهن وهنا على وهن، والفصال الفطم وترك الإرضاع، ومعنى كون الفصال في عامين تحققه بتحقق العامين فيئول إلى كون الإرضاع عامين، وإذا ضم إلى قوله تعالى: ” وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا” (الاحقاف 15)، بقي لأقل الحمل ستة أشهر، وستكرر الإشارة إليه فيما سيأتي. وقوله: “أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير” تفسير لقوله: “وصينا” إلخ، في أول الآية أي كانت وصيتنا هو أمرنا بشكرهما كما أمرناه بشكر الله، وقوله: “إلي المصير” إنذار وتأكيد للأمر بالشكر. قوله عز وجل “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ” ﴿الأحقاف 15﴾ أي حملته أمه حملا ذا كره أي مشقة وذلك لما في حمله من الثقل، ووضعته وضعا ذا كره وذلك لما عنده من ألم الطلق. وأما قوله: “وحمله وفصاله ثلاثون شهرا” فقد أخذ فيه أقل مدة الحمل وهوستة أشهر، والحولان الباقيان إلى تمام ثلاثين شهرا مدة الرضاع، قال تعالى: “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ” (البقرة 233)، وقال: “وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ” (لقمان 14). والفصال التفريق بين الصبي وبين الرضاع، وجعل العامين ظرفا للفصال بعناية أنه في آخر الرضاع ولا يتحقق إلا بانقضاء عامين.

أُطلق على السيدة مريم العذراء أم عيسى عليهما السلام لقب الصديقية أي أعلى مقام الصدق. تلقب فاطمة الزهراء عليها السلام بالصديقة كما ورد عن موسى بن جعفر عليه السلام قال (ان فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة). قال الله تعالى “مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ” (المائدة 75). قال علي عليه السلام: يهلك فيَّ اثنان ولا ذنب لي: محب مفرط، ومبغض مفرط. وإنا لنبرأ إلى الله عز وجل ممن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم عليه السلام من النصارى، قال الله عز وجل: “مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ” (المائدة 75).  الام هي مدرسة تعد جيل طيب وكذلك يمكن ان تعد جيل فاسد ظالم بتربيتها السيئة ولذلك يعرف الابن من امه.

جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” (النساء 11) “ولأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ”. يطلق الولد على الذكر والأنثى، لأن لفظه مشتق من الولادة الشاملة للابن والبنت، وقد استعمل القرآن لفظ الأولاد في الذكور والإناث، قال تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ”. وقال: “ما كان للَّه أن يتخذ ولدا”. والمراد بأبويه هنا خصوص الأب والأم، ولا يدخل فيهما الجد والجدة. فإذا ترك الميت أبوين وأولادا ينظر: فإن كان في الأولاد ذكر أخذ كل من الأبوين السدس، والباقي للأولاد، حتى ولو لم يكن إلا ذكر واحد، وان لم يكن ذكر، وكان الأولاد بنتين فأكثر أخذ الأبوان الثلث، والثلثان للبنات باتفاق المسلمين جميعا. وان كان مع الأبوين بنت واحدة فلكل منهما السدس، وللبنت النصف بالفرض، يبقى سدس، يرد على الأب فقط عند السنة، وعلى الأب والأم والبنت عند الشيعة، إذا لم تحجب الأم بالأخوة، ويقتسمون التركة أخماسا، واحدا منها للأب، وواحدا للأم، وثلاثة للبنت، وان حجبت الأم بالأخوة يرد على الأب والبنت فقط أرباعا، أي ان الزائد يقسّم أربعة أسهم، واحد منها للأب، وثلاثة للبنت. “فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ ووَرِثَهُ أَبَواهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ”. إذا لم يكن للميت ولد، ولا ولد ولد، وانحصر ميراثه بأمه وأبيه أخذت الأم الثلث ان لم يكن للميت أخوة يحجبونها عما زاد عن السدس، فإن كان له أخوة أخذت السدس فقط، والباقي في الحالين للأب، واختلفت المذاهب في عدد الأخوة الذين يحجبون الأم.. قال المالكية: أقل ما يحجبها اثنان من الأخوة، دون الأخوات.

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ﴿المائدة 17﴾  وهذه إشارة إلى أنّ المسيح عليه‌ السلام إنّما هو بشر كأمه وكسائر أفراد البشر، وعلى هذا الأساس فهو يعتبر لكونه مخلوقا في مصاف المخلوقات الأخرى يشاركها في الفناء والعدم، ومن حاله كهذا كيف يمكنه أن يكون إلها أزليا أبديا؟ وبتعبير آخر: لو كان المسيح عليه ‌السلام إلها لاستحال على خالق الكون أن يهلكه، وتكون نتيجة ذلك أن تتحدد قدرة هذا الخالق، ومن كانت قدرته محدودة لا يمكن أن يكون إلها، لأنّ قدرة الله كذاته لا تحدّها حدود مطلقا (تدبّر جيدا). إنّ ذكر عبارة (المسيح بن مريم) بصورة متكررة في الآية، قد يكون إشارة إلى هذه الحقيقة، وهي اعتراف المسيحيين ببنوّة المسيح عليه‌ السلام لمريم، أي أنّه ولد من أم وأنّه كان جنينا في بطن أمّه قبل أن يولد، وحين ولد طفلا احتاج إلى النموّ ليصبح كبيرا، فهل يمكن أن يستقر الإله في محيط صغير كرحم الأمّ، ويتعرض لجميع تحولات الوجود والولادة ويحتاج للأمّ حين كان جنيا وحين الرضاعة؟ والجدير بالانتباه أنّ الآية الأخيرة تذكر بالإضافة إلى اسم المسيح عليه ‌السلام اسم أمّه وتذكرها بكلمة (أمه) وبهذه الصورة تميز الآية أمّ المسيح عليه ‌السلام عن سائر أفراد البشر، ويحتمل أن يكون هذا التعبير بسبب أنّ المسيحيين أثناء ممارستهم للعبادة، يعبدون أمّ المسيح أيضا، والكنائس الموجودة اليوم تشتمل على تماثيل لأم المسيح، حيث يقف المسيحيون أمامها تعظيما وتعبدا. وإلى هذا الأمر تشير الآية (116) من سورة المائدة فتقول: “وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ” وهذا الخطاب حكاية عمّا يحصل من حوار في يوم القيامة.