بقلم العارف الحكيم : عزيز حميد الخزرجي
لماذا فسدت بلداننا و أكثر بلاد العالم و تعمّق فيها الفقر و الظلم و الطبقية والديكتاتوريات و التبعيات و الفساد رغم وجود مئات الآلاف من الكُتّاب و المدّعين للثقافة و الشهادات الأكاديمية إلى جانب مئات الجامعات و وسائل التواصل!؟
أهم عامل بنظر (الفلسفة الكونية العزيزية) هو فقدان المصداقية و النزاهة بين طبقة المثقفين و في داخل المثقف نفسه, أو بتعبير أدق (أنصاف المثقفين) نتيجة تعاظم إنّياتهم و جهلهم بمعرفة نفوسهم و تشعب أوهامهم و الأنا في أوساطهم, فكيف يمكن لمن لا يستطيع تغيير نفسه أن يغيير الآخرين!؟
.. و هكذا تنمّر الجشع و آلأنتهازية لدى الجميع بمن فيه القيادات السياسية و المدنية و الدّينية كتحصيل حاصل لجوهر الخراب ذاك, رغم إن الدِّين الأسلامي يؤكد على الرّوحانيات و العرفانيات, و هو الأكثر تركيزاً على هذا المبدأ للحذر منه و التخلص من حبائله, بل النزاهة و الكمال يعتبر المنطلق نحو بناء المجتمع و توحيده و دفعه بإتجاه الخير و العدالة أو هدمه و تشتته و تكريس النفاق و الظلم بإوساطه في حال تعظيم الأنا و تعظيم النفس خصوصاً لدى الكُتاب و المفكرين كطبقة فكرية تقود و تُقوّم و تبني المجتمع بشكل صحيح فيما لو كانت طبقة مبدعة و نزيهة و صادقة مع ذاتها و مع الآخرين , نعم الصّدق .. لكونه أوّل فصل في كتاب الحكمة, و الصدق مع الذات يعني قتل الذات, و إلا فأن كتاباتنا النقلية و المشتقة و المكررة ستبقى هي هي .. كما هي السائدة الآن خالية من الأبداع و التجديد و المنطلقات العلقلية و الفلسفية التي تقدم المجتمع و تسبب بنائه و سعادته, لأنها تدور في فلك التقليد و النقل و إجترار النصوص ليس فقط ما تم طرحه و هضمه سابقا ؛ بل و أجترار المجترات و من غير حتى ذكر المصادر للأسف, و من هنا يتكرس الفساد و تضطرب العلاقات و تزول الثقة, بل و يكره الناس المطالعة و الكراهة لأن ذلك الكاتب المخادع والكاذب إنما يفعل ذلك الفساد لإبراز نفسه لا إبراز الحقيقة التي تشوهت و تبدلت!
لهذا نرى حتى أثقف المثقفين و المعلمين ينادون “أهل القلم” أختصروا في بياناتكم ولا تسهبوا و تكرّروا المكررات, لأننا ملّلنا قراءة المكررات و الإجترار و بآلتالي ضياع الوقت و العمر.
الكتابة يجب ألّا تُكرّر ما سبقت كتابته و أكثر النصوص المعتبرة قد تم تدوينه من خلال الكتب السّماوية أو ا لنصوص الفلسفية من قبل الفلاسفة و الأئمة الذين سبقونا و أسسوا للمعالم الجديدة؛ لذا البحث ينبغى أن يصطاد اللآلئ المُدهشة و يتركز في المجالات التي لم يتمّ بحثها..
إن العلم الحقيقى ليس تكراراً ولا صدى، وإنما هو انبعاث لقبس جديد و فتح للآفاق المعرفية لعالمنا المرموز و المليئ بآلأسرار و الألغاز، فآلمفكر الحقيقي هو الذي يسعى لطرح أمور لم تُطرح من قبل, أما الذين ينقلون النصوص من غيرهم بأسمائهم؛ فإنهم يفسدون بل و مفسدون يُحرقون الكلم و الحقائق عن مواضعها و هم سُراق محترفين و أخطر من سارقي الأموال و المجوهرات, و في بلادنا الكثير منهم للأسف يصطف معهم إعلاميون بنفس المستوى إن لم يكونوا أسوء منهم!!؟
لهذا التجديد و الأبداع إلى جانب التشذيب و الأسلوب الجميل و رعاية فن الكتابة و الخطابة هو المطلوب لجذب الناس و التأثير فيهم و بآلتالي تشويقهم و دفعهم لكسب المعرفة و الثقافة و الوعي الذي هو عماد البناء المدني و الحضاري و تحقيق العدالة كأساس لسعادة المجتمع بدل الظلم السائد في بلادنا و العالم أجمع.