بقلم:عباس الصباغ
تحقيقا لنبوءة السيدة زينب (ع) الخالدة والتي اطلقتها متحدية امام الطاغية يزيد (فكدْ كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصب جهدك ، فو اللهِ لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا) معلنة استمرار البرنامج الحسيني الاصلاحي وعدم توقفه باستشهاد صاحبه او وفاة من وقفوا معه مساندين اياه ، ومنذ ذلك الوقت والى اليوم او الى ماشاء الله بدأ الزحف المليوني الهادر صوب كربلاء بجماهير اعلنت مواساتها وحزنها على سيد الشهداء (ع) فكانت باكورة هذا الزحف على يد الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري (رض) واستمر الزحف المنفرد الى ان وصل الى الملايين ومن ثمّ الى عشرات الملايين كما يحدث الان ، فكربلاء لم تكن فحسب بزمنكانها المدوّي والفاجع مسرحا لحادثة تراجيدية ـ مأساوية انقضت ساعاتها في العاشر من المحرم سنة 61 للهجرة عن احداث حفرت ندوبها التي لاتُمحى في اديم الزمن وذاكرة المخيال الجمعي البشري الذي لم يشهد بشاعة لحادثة مأساوية وصلت الى درجة بشاعة ذبح طفل رضيع في حجر ابيه لمجرد ان طلب ابوه الماء ، وقطع رؤوس المخالفين لمجرد ابداء الراي بعد استشهادهم ، ولهذا وانطلاقا من تلك النبوءة ( واللهِ لاتميت وحينا ) تسعى الملايين المحبة للحسين (ع) الى استذكار مشروعه الاصلاحي (ماخرجتُ الاّ للاصلاح) ومستذكرين حادثة تسيير قافلة الحسين (ع) المكونة من النساء والاطفال والرجال المرضى في ابشع حال لا انسانية من كربلاء ومن ثمّ الى الكوفة ومنها الى الشام مرورا بالكثير من القرى والمدن المخالفة لسياسة أهل البيت العلوي الاصلاحية . تفدُ الملايين من كافة انحاء العالم فضلا عن العراق مشكّلة كرنفالا مليونيا (عالميا) تضامنيا يجمعهم حب الحسين (ع) ومن كافة الاجناس والاعراق والاثنيات والالوان والمذاهب والاديان كلهم يرطنون بحب الحسين وفي لغات شتّى ترى أشكالهم مختلفة وألوانهم شتّى ولغاتهم ولهجاتهم متباينة ولكن قلوبهم واحدة متفقة على حب الحسين الذي يجمعهم كنسق عالمي واحد شعارهم كلهم (ياحسين). من يمشي في شوارع وأزقة كربلاء لاسيما القريبة منها من المراقد المشرّفة والمزارات الشريفة يرى جميع ألوان البشر ويسمع مالم تسمعه أذناه من قبلُ من لغات ولهجات يرطن بها أناس قدموا من مشارق الأرض ومغاربها رنت أبصارهم صوب الحسين (ع) وولوّا وجوههم شطره وبذلوا الأموال وتكبدوا مشقات السفر ووعثاء الطريق ومخاطره شوقا الى الامام الشهيد فهو عند المؤمنين العارفين بقدره ليس مجرد شاخص معماري ومعلَم يتغير بتغير الأيدي القائمة على التشرف بادارة مرقده المقدس وبتغير الايام والليالي بل هو مثابةٌ للناس كما جُعلت الكعبة مثابة للناس وأمانا لهم (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) ومستقرا للرحمة والهداية والاتصال بالله والاعتراف باجر الرسالة (قُل لا أسألُكُم عَليه أجراً إلاّ المودَّةَ في القُربى) فزيارة الحسين (ع) هي جزء من ردّ الجميل والمودة المكافِئة لأجر الرسالة فهؤلاء يرطنون بحسب أبجدياتهم المتباينة بهذه المودة ويعبّرون عنها بمختلف ألسنتهم عنها اعترافا بها…وعرفانا للأجر المناط بأعناقهم وردّ الجميل للنبي صلى الله عليه وآله بزيارتهم للحسين (ع) الذي يرطنون بحبه بل ويتمنون لو يمشون على ذات النهج الذي سار عليه المؤمنون وحسُن أولائك رفيقا رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الكثير منهم على يد الطغاة الذين جاهدوا على منع التواصل المليوني الجماعي فقد تعرضت زيارة الاربعين المباركة على مر العصور الى الكثير من التشويه والتزييف والمحاربة من قبل معظم الطغاة والجبابرة ، لان ثورة الامام الحسين عليه السلام كانت ومازالت وستبقى اكبر صرخة واعظم انتفاضة حدثت لحد الان في وجه كل ظالم ومتكبر وفاسق، ومن ثم جاءت زيارة الاربعين في كل عام بما تحمله من معاني ودلالات عظيمة لتشكّل نصرة مليونية كبيرة وضحمة وبيعة دائمة ومتجددة للخط الذي نهجه الامام الحسين عليه السلام واهل بيت النبوة وتحديا كبيرا وشامخا لكل من عادى نهج الحسين في الماضي والحاضر، ولكن ارادة الله كانت اقوى وهاهي كربلاء على صغر جغرافيتها وضعف امكاناتها اللوجستية والخدمية تستقبل عشرات الملايين المنخرطين في عزاء مليوني وجماعي عالمي وموحد يتسابقون على تقديم الخدمات بما اشبه الدعم الذاتي دون ان يطلبوا مساعدة من اية جهة كانت فترى الخدمات والمآكل والمشارب الجماعية مبسوطة للجميع بدون منية من احد . ارتقت مناسبة الزيارة الاربعينية من مصاف الفردانية اول مرة ومن ثمّ الى مصاف الجماعية ومن ثم الى الجمعية (المليونية ) واخيرا الى مصاف (العالمية) لان القضية الحسينية هي قضية جماعية ـ عالمية ـ كونية خرجت من اطارها المحلي الضيق الى اطارها العالمي ومن ثم الانساني الواسع وذلك بجهود المنبر الزينبي الذي ساهم بنشر معالم الثورة الحسينية التي لولا هذا المنبر لتوقفت مسيرة الاصلاح الحسيني عند حدود بسيطة وضيقة وانطمست الى الابد فالفضل كل الفضل الى عالمية الزيارة الاربعينية يعود بالدرجة الاساس الى زينب(ع) التي قالت من مايقرب من 14 قرنا (فو اللهِ لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا) وهكذا كان وسيبقى .