علاقة الدين بالسياسة في القرآن الكريم (ح 9) (لا إكراه في الدين)
د. فاضل حسن شريف
جاء في موقع عدلات عن ايات من القران عن التسامح: في الإسلام لا تعصب لدين واحد، ففي القرآن يخبرنا الله تعالى أنه الذي يؤمن بالله واليوم الاخر، ويقرن ذلك بالعمل الصالح، سواء كان مؤمنا، يهوديا، او نصراني، او صابئي. لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. بسم الله الرحمن الرحيم “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة 62). بسم الله الرحمن الرحيم “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (المائدة 69). بسم الله الرحمن الرحيم “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (البقرة 256). و لا تعصب لنبي واحد: بسم الله الرحمن الرحيم “قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” (البقرة 136).
جاء في موقع وكالة أنباء براثا صفحة دراسات عن حرية التفكير و حرية التعبير في الرؤية الإسلامية للدكتور علي المؤمن: ويؤكد القرآن الكريم في الكثير من الآيات على إرادة الإنسان الحرة في اختيار الفكرة والعقيدة التي ينسجم معها، والتي يتحمل مسؤوليتها وحده في الدنيا والآخرة: “لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي” (البقرة 256)، وفي آيات أخرى: “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (يونس 99)، “فذكّر إنما أنت مذّكر * لست عليهم بمصيطر” (الغاشية 21-22)، “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” (الكهف 29). ويُستفاد من هذه الآيات في مجال التعايش والتفاهم مع أتباع الديانات الأخرى، وعدم إلغاء العقائد الأخرى، وعدم التعرّض لحرية أتباعها، لكنها تحملهم مسؤولية عدم ممارسة أي خطاب أو سلوك من شأنهما المساس بوحدة مجتمع المسلمين وأمنه. ويبقى أن إرادة الإنسان وحريته الذاتية المطلقة في الاختيار، وفي اتباع ما يختار من أفكار ومعتقدات، لا تعني وفق التصور الإسلامي أن هذه المعتقدات مجزية أمام الله، وإن كان المسلمون (أفراداً وجماعات ونظام) لا يحاسبون معتنقيها على ما يعتقدون به، إلا إذا أدّت إلى مَفسَدة اجتماعية، أي أن الله هو الذي يحاسب الإنسان على معتقداته حصراً، بعد أن أعطاه العقل وجعله حجة عليه، وبعث الأنبياء والرسل ليتبعهم الناس “ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً” (الكهف 106)، بل إن الله لا يحاسب ولايعذب قبل أن يلقي الحجة على الإنسان ويذكره وينذره “وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا” (الاسراء 15). حرية التفكير والاعتقاد شيئان فطريان لدى الإنسان كما أسلفنا، إلا أن التعبير عن الفكر والمعتقد ليس أمراً فطرياً، وهما بذلك يشبهان الحب والبغض، فهما فطريان بذاتهما، ولكن التعبير والإعلان عنهما يرتبطان بالعلاقة مع الآخرين والتأثير عليهم سلباً أو إيجاباً. وعند هذه النقطة نصل إلى الشق الثاني من موضوع الحرية الفكرية، والمتمثل في حرية التعبير عن الفكر.
جاء في موقع دار العلوم عن تسامح الإسلام مع أبناء الديانات الاخرى للدكتور عبد الرحمن عميرة: علاقة المسلمين بغيرهم علاقة تعارف وتعاون، وبر وعدل، ومن مقتضيات هذه العلاقة تبادل المصالح، وإطراد المنافع، وتقوية الصلات الإنسانية، والمعاشرة الجميلة، والمعاملة بالحسنى والتعاون على البر والتقوى، وهذا مما دعا ويدعو إليه الإسلام البشرية قاطبة. ومن سماحة الإسلام كفالة الحرية الدينية لغير المسلمين. ولهذا قرر الإسلام المساواة بين المسلمين وأهل الديانات الأخرى فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وكفل لهم حريتهم الدينية ومنها عدم إكراه أحد منهم على ترك دينه أو إكراهه على عقيدة معينة، يقول الله تعالى: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة 256) وفي هذا المبدأ من مبادئ الإسلام يتجلى تكريم الله للإنسان واحترام إرادته وفكره ومشاعره، وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد وتحميله تبعة عمله وحساب نفسه والتعبير هنا في هذه الآية يرد في صورة النهى المطلق “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”. من حق أهل الكتاب أن يمارسوا شعائر دينهم، فلا تهدم لهم كنيسة ولا يكسر لهم صليب، يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (اتركوهم وما يدينون) بل ومن حق زوجة المسلم (اليهودية والنصرانية) أن تذهب إلى المعبد أو الكنيسة ولا حق لزوجها في منعها من ذلك.
جاء في موقع موضوع عن كيفية التعامل مع غير المسلمين للكاتب طلال مشعل: نظّم الإسلام علاقة المسلمين ببعضهم، كما نظّم علاقة المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب وأتباع الديانات الأخرى، وقد اعتنى القرآن الكريم والسنّة النبوية ببيان أصول التعامل مع غير المسلمين وآدابه، وبيان حقوقهم، ومن هذه الحقوق الحقوق العقدية والفكرية: إذ تحقّ لهم ممارسة حقوقهم العقديّة والفكرية ولا يمنعون إلّا في حال الإضرار بالمجتمع، ومن هذه الحقوق: حرية الاعتقاد واعتناق ما يشاؤون من العقائد، إذ إنّ لغير المسلمين الحق في البقاء على دينهم، وعدم إكراههم للدخول في الإسلام، قال تعالى “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (البقرة 256). وللمعاهدين أن يمارسوا دينهم وعباداتهم في بيوتهم وفي المعابد الخاصة بهم. الحق في التعلّم والتعليم، إذ تُترك لهم حرية تعلّم دينهم وتعليمه لأولادهم، ولكن يُمنعون من تعليم دينهم للمسلمين، ولهم أن يُنشئوا مدارسهم من حسابهم الخاص وتكون تحت إشراف الدولة. الحق في التعبير وإبداء الرأي، إذ إنّ لهم الحق في إبداء وجهات نظرهم في أمور معيّنة، وإسداء النصيحة للناس.
عن راغب السرجاني في صفحة طريق الإسلام: إن التاريخ الطويل من الصد عن سبيل الله، وفتنة المسلمين عن دينهم، لم يورث قلب رسول الله شعورًا بالانتقام، أو الكيد أو التنكيل، وإنما شعر بأنهم مرضى يحتاجون إلى طبيب، فجاءت هذه الدعوة لهم بالهداية وبالعزة والنجاة، لذا كان يحزن حزنًا شديدًا إذا رفض إنسانٌ أو قومٌ الإسلامَ، حتى وصل الأمر إلى أن الله نهاه عن هذا الحزن والأسى. قال تعالى يخاطبه: “لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” (الشعراء 3)، ويقول أيضًا: “فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ” (فاطر 8). ومع شدة هذا الحزن إلا أن الرسول لم يجعله مبررًا للضغط على أحد ليقبل الإسلام، وإنما جعل الآية الكريمة: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” (البقرة 256)، منهجًا له في حياته، فتحقق في حياته التوازن الرائع المعجز، فيدعو إلى الحق الذي معه بكل قوة، ولكنه لا يدفع أحدًا إليه مُكْرَهًا أبدًا.
في صفحة كل القضايا الاجتماعية في الجزائر والعالم الاسلامي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة المنورة، كان فيها أتباعه من المسلمين، إضافة إلى بعض المشركين العرب، وقبائل يهودية، فأقام حلفاً مبنيّاً على التكافؤ والعدالة بين المسلمين واليهود، فلم يأت النبي صلى الله عليه وسلم ليمحو وجود اليهود من المدينة، وإنما اعترف بدينهم، وترك لهم حرية ممارسة شعائرهم، ولم يتعرض أبداً لشعائرهم، بل كان يدعوهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى إنه ورد في أسباب نزول قوله تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” (البقرة 256) أن بعض المسلمين كان لهم أولاد يدينون بالديانة اليهودية، فأرادوا أن يجبروا أولادهم على ترك اليهودية واعتناق الإسلام، فنهاهم الله في هذه الآية عن ذلك.
جاء في جريدة الأنباء الكويتية عن معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لغير المسلمين: إن الذي ينظر إلى الرسالة المحمدية يجدها قد حفظت كرامة الأنسان، ورفعت قدره، فالناس بنو آدم سواء المسلم وغير المسلم، وقد كرم الله بني آدم جميعا، فقال في قرآنه: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” (الإسراء 70)، فالجميع لهم الحقوق الأنسانية كبشر أمام ربهم، وإنما يتميز الناس عند ربهم بمدى تقواهم وإيمانهم وحسن أخلاقهم، وكم كان حرص محمد صلى الله عليه وسلم على إبراز هذا المعنى الإنساني واضحا في تعاملاته وسلوكياته مع غير المسلمين. ففي الحديث الثابت قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم)، فمرت به يوما جنازة، فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: (أليست نفسا). مع الجار: وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربما عاد المرضى من غير المسلمين، عاد الغلام اليهودي لما مرض. وحرص على القيام بحقوقهم في الجوار فقال: (خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره)، فشمل حديثه كل جار حتى لو كان من غير المسلمين. ولم يأت محمد صلى الله عليه وسلم ليسلب الحرية من الذين لم يتبعوه، بل قد تعامل معهم بتسامح نادر الحدوث، وكان من أهم هذه المبادئ في تعامل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع الآخر: لا إكراه في الدين: رغم أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعتقدون يقينا بأن الحق في اتباع الإسلام، فهو المتمم لرسالات الرسل من قبل، إلا أنهم لم يحاولوا مطلقا إجبار أحد على الدخول في الإسلام رغما عنه، وقد أبان القرآن جليا عن ذلك المعنى بقوله: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” (البقرة 256). فلا إرغام لأحد على الدخول في الإسلام حتى لو كان المرغم أبا يريد الخير لأبنائه، ولو كان المرغم ابنا لا يشك في شفقة أبيه عليه. وحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه نهى عن إكراه الناس للدخول في هذا الدين، فقال عز وجل: “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (يونس 99). ولم يكتف الإسلام بمنح الحرية لغير المسلمين في البقاء على دينهم، بل أباح لهم ممارسة شعائرهم، وحافظ على أماكن عباداتهم، فقد كان ينهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه عن التعرض لأصحاب الصوامع ولم يتعرض يوما لدار عبادة لغير المسلمين، وقد فقه هذا المعنى جيدا أصحابه وخلفاؤه من بعده، لذلك كانوا يوصون قادتهم العسكريين بعدم التعرض لدور العبادة، لا بالهدم ولا بالاستيلاء، كما سمح لهم بإقامة حياتهم الاجتماعية وفق مفاهيمهم الخاصة، كالزواج والطلاق ونحوهما.