بقلم: عباس الصباغ
سيذكر التاريخ بإنصاف موقف العراق المشرّف من القضية الفلسطينية وخاصة قضية غزة الجريحة وموقفه من لبنان المنكوب مع استمرار الاستهتار الصهيوني الغاشم متمثلا برئيس حكومة “إسرائيل” اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو ومع استمرار اللامبالاة وغضّ النظر من قبل المجتمع الدولي بعض دول الجوار في الشرق الأوسط، لا سيما المتمكنة ماديا ولوجستيا بالوقوف الأخلاقي والإنساني مع الجهات المنكوبة والمتضررة جراء العدوان الصهيوني الوحشي المستمر على قطاع غزة وجمهورية لبنان، العدو الذي ما زال يرفض ـ حتى الآن ـ جميع الدعوات والمطالبات والمناشدات الحكومية والرسمية والأممية والشخصية كقداسة البابا بوقف العدوان الذي اتخذ بعد السابع من اكتوبر آفاقا همجية غير مسبوقة، حين خاضت حماس عملية فدائية كبرى ضد الوجود الصهيوني المحتل فكان الردّ عنيفا وهمجيا عاليا بخلاف قواعد الاشتباك المتعارف عليها بين المتخاصمين فحولت قطاع غزة إلى ركام وناسه إلى شهداء وحطمت جميع البنى التحتية ومرافق الحياة، التي تليق بالعيش الكريمة للبشر، لحقت بها جمهورية لبنان بعد اغتيال امين عام حزب الله الشهيد حسن نصر الله ونخب قيادية من الحزب نفسه فتساوت وتائر العدوان الصهيوني على كل من غزة ولبنان مع ارتفاع حدة المعاناة الإنسانية، لكل منهما جراء العدوان الهمجي والوحشي على المدنيين العزل وجميع مرافق الحياة، فسقط نتيجة ذلك الآلاف من الشهداء في البلدين يقابلهم عشرات الآلاف من المعاقين والجرحى.
ولم تقتصر الفزعة العراقية في الموقف الأخلاقي والإنساني على الجانب الحكومي فحسب ـ بعيدا عن الشعارات الحماسية ـ بل تعدت إلى الجهات الشعبية وبجميع الفعاليات الجماهيرية والمرجعية (خاصة المرجعية الدينية الرشيدة العليا في النجف الأشرف) في وقت لم نسمع من بعض الأطراف سوى عبارات الشجب والاستنكار والتنديد والتعاطف والدعوة إلى اقامة المؤتمرات ذات الخطابات الاعلامية الجوفاء والمسيرات الصاخبة ذات الفقاعات الاحتجاجية، التي يزول تأثيرها بانتهاء المناسبة كأنها “هواء في شبك” والتي لا قيمة لها أمام دوي الآلة العسكرية الصهيونية المدمرة الهائلة والمدجّجة بأقصى ما توصلت إليه شياطين القتل والدمار في القوى الكبرى،
التي ما زالت تحتضن الكيان وتسانده على باطله.
شملت الفزعة العراقية جميع المواد التي تساعد على الحياة الكريمة ابتداءً بالمحروقات والمواد الطبية والعلاجية والغذائية وغرف العمليات وعدم احتسابهم نازحين ـ خاصة اللبنانيين منهم ـ بل ضيوف في وطنهم الثاني العراق، الذي أعلن عن إرسال آلاف الأطنان من المساعدات الطبية والغذائية إلى غزة ولبنان، فضلا عن تخصيص 3 مليارات دينار إلى وزارة الهجرة والمهجرين، لتقديم الخدمة إلى الضيوف اللبنانيين الوافدين إلى العراق (وقد وصل منهم الآلاف حتى الآن ضيوفا اعزاء)، من احتياطي الطوارئ مع اللجنة العليا لجمع التبرعات لإغاثة غزّة ولبنان كون الحكومة العراقية، قد انشأت مؤخراً حسابين مصرفيين لجمع التبرعات من قبل المواطنين والمؤسسات والشركات ورجال الأعمال إلى غزة ولبنان، وبما يسهم في إغاثتهم والتخفيف عنهم في محنتهم، فيما وافقت على إرسال عشرة ملايين لتر من الوقود إلى قطاع غزة دعما للشعب الفلسطيني، وتم إرسال مئات الأطنان من المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية، ورفد المستشفيات بالأجهزة الطبية وسيارات الإسعاف،
وإرسال طائرات محملة بالمواد الطبية ناهيك عن اطلاق أكبر قافلة مساعدات غذائية وطبية إلى أهالي غزة، وبخصوص لبنان الجريح تم الإعلان عن جسر جوي وبري لنقل مساعدات إلى لبنان من بداية العدوان الصهيوني عليه.
وعلى مستوى العتبات المقدسة (جميعها) والتي جاءت تلبية لنداء المرجعية الرشيدة العليا وكمثل: فقد أعلنت العتبة العباسية المقدسة عن استقبال آلاف الضيوف اللبنانيين منذ بدء العدوان الصهيوني على لبنان، مؤكدة أن جميع الخدمات الطبية والإنسانية تقدم لضيوف العراق مجاناً فيما شرعت الحكومة وبتوجيه من رئيس الوزراء بتشكيل غرفة عمليات لاستيعاب الأسر اللبنانية داخل الأراضي العراقية، فضلا عن إرسال الطواقم الطبية وفرق الطوارئ إلى لبنان، من أجل تقديم المساعدة خاصة في الإيواء المجاني في الفنادق ومدن الزائرين، والخدمات العلاجية والطبية المستعجلة، وعلى ذات الوتيرة ساهمت بقية العتبات بذات المجهود الإنساني المخفف عن معاناة أهلنا المنكوبين في غزة ولبنان ومداواة جراحهم. وقد أعطت تلك الفزعة صورة ناصعة لوجه العراق الأبيض وسيظل أبيض.