بقلم: عبد الكاظم حسن الجابري
من كان يرى الانتكاسات المتتالية في فلسطين, والتخاذل العربي عن نصرتها, ويرى قوة وغطرسة اسرائيل, مدعومة بالغرب كله, لم يك ليتوقع انه سيأتي يوم وينهض فيه الفلسطينيون لمجابهة هذه القوة “الخارقة” التي زُرِعَتْ في الشرق الاوسط.
لم تك الاماني بأكثر من مواجهة بسيطة تثبت وجود الفلسطينيين, لذلك اندلعت ما عرف بانتفاضة الحجارة في العام 1987, وكانت رد فعل على قيام مستوطن صهيوني بدهس عمال فلسطينيين عائدين من العمل ومقتل اربعة منهم على الخط الفاصل في قطاع غزة.
كانت ثورة الحجارة ثورة بسيطة, استخدم فيها الفلسطينيون الحجارة فقط, امام الدبابات والجرافات الاسرائيلية, ورغم عدم اكتراث الحكومة الاسرائيلية بالانتفاضة في بدايتها الا انها اصبحت وجود حقيقي على الارض, واستمرت لسنين حتى انتهت باتفاق اوسلو عام 1993, بعد توقيع معاهدة سلام بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تمثل الحكومة الفلسطينية.
انبثق عن الانتفاضة تشكيل جديد, هو حركة المقاومة الاسلامية (حماس) والتي تم انشاءها بعد ما يقارب من اسبوع على انطلاق الانتفاضة بقيادة الشيخ احمد ياسين, فالفلسطينيون انتفضوا في الثامن شهر كانون الاول (ديسمبر) ثم تشكلت حماس في اليوم الرابع عشر من نفس الشهر.
كل المتابعين كانوا لا يفكرون في ان تذهب الامور في فلسطين الى ابعد من الحجارة, ورؤيتهم هذه مبنية على تصور الدعم اللامحدود لإسرائيل من امريكا وحلفاؤها, وايضا الحصار المطبق الذي تفرضه إسرائيل على القطاع وباقي المناطق الفلسطينية.
هذه الصورة قد تغيرت منذ سنة, حيث شهدت عمليات الانقضاض على اسرائيل من قبل مجاهدي حماس -بما عُرِف فيما بعد بطوفان الاقصى- دخول موجة جديدة وشكل اخر من المواجهة.
استخدمت حماس في مواجهة اسرائيل في هذه العملية الصواريخ البالستية والمتوسطة اضافة الى الاسلحة الخفيفة, واوجعوا الإسرائيليين وجرعوهم الموت الزؤام, بين قتيل واسير وجريح, وارتسمت حالة من الردع والتوازن في مشهد المواجهة, وتحولت الحجارة الى صواريخ تدك معاقل الصهاينة, وها هي تمر سنة كاملة ومازال الفلسطينيون صامدون ومقتدرون على الردع, يدعمهم في ذلك محور المقاومة المتمثل بالجمهورية الاسلامية في ايران, وحزب الله اللبناني, والحوثيون في اليمن وفصائل المقاومة العراقية وكل شريف ومنصف في هذا العالم.
الثابت من هذه المواجهة والامر المتيقن, هو ان ما قبل طوفان الاقصى ليس كما بعده, وان صورة الفلسطيني الضعيف الخانع قد انتهت, وان اسرائيل ستحسب الف حساب كي لا تغامر بمواجهة جديدة.