في مقال سويدي للكاتب بيتر ماغنوسون (Peter Magnusson) يحمل إسقاطًا دينيًا من الأديان الثلاثة، حول النهاية الحتمية للولايات المتحدة وأوروبا الغربية بسبب الانهيار الاخلاقي ، كتب الكاتب السويدي مقالًا عن نهاية تاريخية لانهيار الدول الكبرى، وتحدث قائلاً إن قوة وعظمة وتقدم دول مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية لا تعني أنهم الأفضل حضاريًا أو أخلاقيًا، بل على العكس، ربما يكونون الأسوأ في تاريخ البشرية.
ويتحدث الكاتب في مقاله بالقول: في عالم اليوم، تمثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا قوى عظمى تتربع على قمة النظام العالمي، متحكمتين في السياسة والاقتصاد والثقافة ، وفي وضع معايير الأخلاق وكأنهم آلهة السموات، كما تمثلان رموزًا للقوة والازدهار. وتشكل أمريكا وأوروبا الغربية ما يشبه القوة التي “لم يُخلق مثلها في تاريخ الأمم والبلاد”، متسلحةً بتكنولوجيا متقدمة للغاية، ونظام قانوني معقد، وقوة عسكرية مدمرة لا تضاهى، وغرور لا حدود له بتفوق عرقهم البشري. هذا التشبيه ليس بعيدًا عن الأذهان عند استحضار أمثال أوروبا وأمريكا في كتب التاريح وفي الكتب السماوية الثلاثة التي تحدثت عن أممٍ سابقة بلغت من القوة والتمكين مبلغًا عظيمًا.
في القرآن الكريم، يتحدث الله عن أممٍ عظيمة مثل عاد وثمود وفرعون، التي تجسدت فيهم القوة والسلطان، حتى ظنوا أن قوتهم لا تضاهى. يقول الله تعالى في سورة الفجر:
*”ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التي لم يُخلق مثلها في البلاد (8) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد (9) وفرعون ذي الأوتاد (10)”*.
هذه الآيات تذكرنا بأن الحضارات مهما بلغت من العظمة والتفوق، فإنها ليست بمنأى عن السقوط إذا ما تجاهلت قيم الحق والعدل.
وفي التوراة: العهد القديم
سفر إشعياء 13:19-20: يتحدث هذا النص عن بابل، المدينة العظيمة في العصور القديمة التي أصبحت رمزًا للقوة والجبرية، لكنه ينبئ بهلاكها:
*”وتصير بابل، بهاء الممالك، زينة فخر الكلدانيين، كقلب الله، كما في يوم غضبه. لا تعمر إلى الأبد، ولا تسكن إلى دور فدور، ولا يخيم هناك عربي، ولا يربض هناك رعاة.”*
هذا النص يوضح كيف أن بابل، رغم عظمتها وجبروتها، قد انتهى بها الأمر إلى الخراب والهلاك.
سفر حزقيال 30:10-12: يتحدث هذا النص عن مصر، وهي واحدة من أقدم وأعظم الحضارات، وينبئ بهلاكها نتيجة غرورها:
*”هكذا قال السيد الرب: إني سأبيد ثروة مصر بيد نبوخذناصر ملك بابل. هو وشعبه معه، جبابرة الأمم، سيؤتى بهم لتخريب الأرض فيخرجون سيوفهم على مصر ويملأون الأرض قتلى. وأجعل الأنهار يابسة، وأبيع الأرض بيد الأشرار، وأخرب الأرض وأملأها بيد الغرباء، أنا الرب تكلمت.”*
في هذا النص، نجد أن الله يقضي على قوة مصر العظيمة على يد أمة أخرى كعقاب على ظلمها وغطرستها.
من الإنجيل (العهد الجديد):
.سفر الرؤيا 18:7-8: يتحدث النص عن سقوط بابل العظيمة كمثال للقوة الجبارة التي تسقط بسبب كبريائها وغطرستها:
*”بقدر ما مجدت نفسها وتنعمت، بقدر ذلك أعطوها عذابا وحزنا. لأنها تقول في قلبها: أنا جالسة ملكة، ولست أرملة، ولن أرى حزنا. من أجل ذلك في يوم واحد ستأتي ضرباتها: موت وحزن وجوع، وتحترق بالنار، لأن الرب الإله الذي يدينها قوي.”*
في هذا النص، بابل تمثل أي قوة جبارة تعتقد أنها غير قابلة للسقوط، لكنها في النهاية تلاقي الهلاك.
تلك النصوص من التوراة والإنجيل تقدم أمثلة مشابهة لما ورد في القرآن عن عاد وثمود، حيث تتحدث عن قوة الأمم الجبارة وكيف أن قوتها وغطرستها قادت إلى هلاكها.
في السياق المعاصر، قد يُنظر إلى أمريكا وأوروبا على أنهما تجسيد لهذا النموذج من القوة التي “لم يُخلق مثلها في البلاد ولا في التاريخ”. قوتهم العسكرية والاقتصادية لا حدود لها، وكذلك تأثيرهم الثقافي، يجعلهم قادة العالم بلا منازع. ولكن، كما هو الحال مع الأمم السابقة، تظهر علامات الخلل والانحراف عندما تتجاوز هذه القوة حدودها وتغفل عن القيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية، فتنشر الرذيلة والفسق وترفض وجود الرب، وتضع معايير مزدوجة للقيم والأخلاق؛ فالدماء الغربية الشقراء هي الأغلى، ثم لا ضرر من مشاهدة أطفال ونساء يُقتلون في غزة والسودان.
فالاضطرابات الاجتماعية، والعنصرية المتجذرة للرجل الأبيض لا زالت موجودة وراسخة في ثقافة الغرب: عنصرية وتمييز على أساس الاسم واللون والدين والثقافة، وإذا لم تخضع لقيم الغرب فأنت منبوذ. فلا وجود لتعدد الثقافات ولا تعدد الحضارات؛ فالحضارة غربية والثقافة غربية وفقط. والتفاوت الاقتصادي الصارخ، والسياسات الخارجية التي تؤدي إلى نزاعات وحروب، وتصدير السلاح لكيانات مثل إسرائيل لتدمير المدنيين لا حدود لها، كل ذلك يشير إلى أن هذه الحضارة في أوروبا وأمريكا قد تكون، رغم عظمتها، منحلة أخلاقياً وإنسانياً. كان فرعون مصر ونمرود العراق وجبابرة قياصرة روما هم الأقوى والأكثر ثراءً، ولكنهم لم يكونوا الأفضل أخلاقًا ولا قيمًا، وانتهوا، وكذلك أوروبا الغربية وأمريكا ومن يسير في طريقها نحو مسار خطير إذا لم يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى قيم العدل والإنصاف.
الإسقاط هنا من النصوص الدينية الثلاثة يدعونا للتأمل في مصير الحضارات القوية السابقة التي سقطت رغم قوتها وجبروتها بسبب فساد أخلاقها وفساد قيمها التي لا تحترم الآخر. قد تبدو أمريكا وأوروبا اليوم كقوى لا تُقهر، ولكن التاريخ والنصوص المقدسة تعلمنا أن القوة وحدها ليست ضمانة للبقاء إذا لم تلتزم الأمم بقيم الحق والعدل والأخلاق.
إنه تحذير بأن الغرور بالقوة والسلطان، والتغاضي عن الظلم والفساد، قد يؤدي إلى نفس المصير الذي لاقته الأمم السابقة. وفي نهاية المطاف، فإن ما يحافظ على الأمم والحضارات هو العدالة والإنصاف، وليس فقط القوة والغنى.
SCI