د. فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة جاء عن المركز الالكتروني للمعلوماتية لماذا حمل الحسين عليه السلام عياله وأطفاله في هجرته الثوريّة؟ للشيخ عبد الوهاب الكاشي: وبعد أنْ تبينا هذين الوجهين مِنْ وجوه الحكمة في حمل الحسين عليه السلام للعيال معه نختم هذا الفصل بذكر هذا الوجه الثالث وهو لا يقلّ أهمية عن الوجهين السابقين ألا وهو: الحفاظ على حياة الإمام زين العابدين عليه السلام إذ لا شك في أنّه لولا وجود العقيلة زينب عليها السلام لقُتل زين العابدين بعد قتل الحسين عليه السلام حتماً، حيث تعرّض الإمام عليه السلام للقتل مرّتين: المرّة الأولى: يوم عاشوراء لمّا هجم الأعداء على مخيّم الحسين عليه السلام ودخل الشمر على زين العابدين وهو مريض لا يفيق مِنْ شدّة المرض فجذب النطع مِنْ تحته وقلبه على وجهه ثمّ جرّد السيف ليقتله فانكبت عليه عمّته زينب عليها السلام واعتنقته وصاحت: إنْ أردتم قتله فاقتلوني قبله. وبينما هي كذلك إذ دخل عمر بن سعد الخيمة فلمّا نظر إلى العقيلة زينب منكبّة عليه قال للشمر: دعه لها، فإنّه لما به. فتركه. والمرة الثانية: في مجلس عبيد الله بن زياد لمّا نظر إلى الإمام عليه السلام وقال له: مَنْ أنت؟ قال: أنا علي بن الحسين. قال اللعين: أوَ ليس قد قتل الله عليّاً؟ فقال الإمام عليه السلام: كان لي أخ أكبر منّي يسمّى علياً قتله الناس يوم كربلاء. فقال ابن زياد: بل الله قتله. فقال الإمام عليه السلام: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا. فغضب ابن زياد وقال: أوَبك جرأة على ردّ جوابي غلمان جرّوا ابن الخارجي واضربوا عنقه. فقامت الجلاوزة وسحبوا الإمام إلى القتل فقامت العقيلة زينب عليها السلام ورمت بنفسها عليه وصاحت: يابن زياد حسبك مِنْ دمائنا ما سفك فاترك لنا هذا العليل وإنْ كنت قد أردت قتله فاقتلني قبله. قالوا: فنظر إليها ابن زياد وقال: عجباً للرحم إنّها والله لتودّ أنْ تُقتل دونه فاتركوه لها، فإنّه لما به. فتركوه. فإنْ قلت: لماذا أخرج الحسين عليه السلام ابنه زين العابدين معه وهو مريض عليل؟ قلت: إنّ زين العابدين عليه السلام لمْ يكن مريضاً عند خروجه من المدينة ولا مِنْ مكّة ولا في أثناء الطريق وإنّما بدأ فيه المرض لمّا نزلوا أرض كربلاء وأخذ المرض يتزايد فيه حتّى بلغ معه إلى أقصى شدّته يوم عاشوراء وفي ذلك عناية خاصّة من الله تعالى وهي: أنْ لا تبقى الأرض خالية من الإمام، إذ لولا مرضه عليه السلام لكان الواجب يفرض عليه الدفاع عن أبيه الحسين عليه السلام والاستشهاد بين يديه. والخلاصة: إنّ في حمل العيال وإخراج النساء معه مصالح وحكم وتلك بعضها أو أهمها وقد أشار الحسين عليه السلام إلى تلك المصالح والحكم بكلمته الإجمالية المعروفة: قد شاء الله أنْ يراهنّ سبايا. وهو جواب مقتضب ولمْ يشأ في تلك الساعة أنْ يُفصح عن الهدف، لئلاّ يستفيد الخصم مِنْ كلامه فيكون ذلك حائلاً دون الوصول بالثورة إلى أهدافها. قالها للذين سألوه: ما معنى حملك لهذه النسوة؟ فاشاءة الله تعلّقت بإحياء دينه وحفظ قرآنه وإبقاء شريعته. ولمّا لمْ تكن هناك وسائل طبيعية لهذه الغاية سوى استشهاد الحسين وصحبه وسبي زينب عليها السلام وأخواتها، لذا فقد تعلّقت إرادته سبحانه عرضاً بقتل الحسين وسبي النساء تماماً كما قال الحسين عليه السلام: لقد شاء الله أنْ يراني قتيلاً وقد شاء الله أنْ يراهن سبايا. ولنعم ما قاله بعض الأدباء: وتشاطرتْ هي والحسينُ بنهضة * حـتمَ الـقضاءُ عليهما أنْ يندبا هـذا بـمعترك الـرماحِ وهـذهِ * في حيث معتركِ المكارهِ في السبا. ولذلك نجد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام اشترط على زوج العقيلة زينب وهو ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لما زوجه بابنته زينب اشترط عليه شرطاً ضمن العقد أنْ لا يمنعها من الخروج مع أخيها الحسين عليه السلام إلى العراق. وهذا يكشف عن مدى بُعد النظر وسعة علم الإمام عليه السلام بما سيجري وبالمصالح التي تترتّب على مشاركة زينب للحسين في ثورته. ولمْ تزل تلك العقائل بعد الحسين وعلى رأسهنّ زينب عليها السّلام يؤلّبنَ النفوس ضدّ الحكم الاُموي الغاشم ويهيّجنَ الرأي العام ضدّ يزيد بن معاوية، وذلك بعقد المجالس وبالندبة وتعداد الجرائم والموبقات التي صدرت من الفئة الحاكمة تجاه آل الرسول حتّى ضاق يزيد ذرعاً بهنّ.
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع إسلام كوست نت عن لماذا اصطحب الإمام الحسين عليه السلام أهله معه إلى كربلاء؟ الدافع الديني: ولما كان مضمون ثورة الإمام دينيًا ومقدسًا، فإن اصطحاب أسرته معه كان مفيدًا جدًا من حيث التأثيرات الدينية، لأن المحبة التي کانت في قلب أهل بیت الإمام عليه السلام تجاه الله، أعطت درسا مفيدا و عملیا لسائر أصحاب الإمام عليه السلام. ويمكن العثور على نماذج منها في كلام زينب عليها السلام. عندما قال ابن زياد بعد استشهاد بعض أهل الإمام عليه السلام و أسر بعضهم: كيف رأيت الاوضاع؟ فأجابته السيدة زينب عليها السلام: (ما رأيت إلا جميلاً). إن معرفة السيدة زينب عليها السلام بالله تعالى وقربها منه کان لدرجة حیث جعلها واثقة من أن المصائب التي حلت بها ليست النهاية، بل أن هناك آفاق واضحة وراء هذه الأحداث. وأوضحت السیدة زينب لابن زياد بأن ما کان سیئا فهو من جهة أعداء الله وأما من جهة الله فانه لا يصل للانسان الا السعادة والنعيم، واستقبال الشهادة والسبي في الحقیقة مثل الذهاب إلى حفل صديق والاقتراب منه. قد علّم الإمام عليه السلام جميع الرجال والنساء في العالم من خلال اصطحاب السيدة زينب عليها السلام معه، بأن المؤمن والعارف بالله يجب أن يكون مثل هذا من حيث العلاقات القلبية والاتصال الباطني مع إلهه. لذلك لو لم يصطحب الإمام عليه السلام عائلته معه، لکانت صفحات التاريخ فارغة من هذه النماذج اللامعة. الدافع الأمني: إن الإمام عليه السلام لم یجد منزلا آمنا في المدينة حتى يرسل عائلته إلى هناك، أيضا عندما کان یغادر المدينة، لم يعرض عليه أحد بأنه سوف یقوم بحمایة أهله، لذلك كان الإمام عليه السلام يخشى أن يتم القبض على عائلته وأسرهم وهو على قيد الحياة. لأنه كان هناك احتمال قوي بأن يقوم ولاة يزيد وعملائه باعتقال زوجات الإمام وأولاده كرهائن في نفس المدينة، وبالنتيجة، سيضطر الإمام عليه السلام لتسلیم نفسه من أجل تحرير زوجاته وأخواته. فعند ذاك قد یجعل أمام خیارین، إما أن يبايع بذلة أو أن يقتل بطريقة غامضة، بحیث لم تحدث هناك اي مشكلة للجهاز الحاكم. لذلك، عندما تكون نهاية الأمر على هذا النحو، فلماذا يفعل الإمام عليه السلام شيئًا قد يؤدي في النهاية إلى الذل؟ بل من الأفضل أنه منذ البداية، وبكرامة واعتزاز، یقوم بغلق جمیع طرق تسلل العدو و بنزع سلاحه من هذا الحیث، وهذا هو ما فعله الإمام عليه السلام. ونفس الکلام ينطبق على مكة أيضا. لأنه عندما لا يكون للإمام مأوى ومكان آمن في المدينة المنورة، التي عاش بها سنوات عديدة وما زالت مكان إقامته، فبالتأکید لن يكون له مكان آمن في مكة المکرمة. يقول السيد بن طاووس: (ومما يمكن أن يكون سببا لحمل الحسين عليه السلام لحرمه معه وعياله أنه عليه السلام لو تركهن بالحجاز أو غيرها من البلاد كان يزيد بن معاوية قد أنفذ ليأخذهن إليه وصنع بهن من الاستيصال وسيئ الأعمال ما يمنع الحسين عليه السلام من الجهاد والشهادة).
تكملة للحلقة السابقة جاء في صفحة الشيخ نعيم الشمري: لماذا حمل الإمام الحسين عليه السلام النساء والأطفال معه إلى كربلاء؟ كانت زينب عليها السلام هي الراعي، وملجأ الأيتام. كانت طوداً شامخاً، واجهت المصائب ولم يرمش لها جفن. رغم ثقل المصائب ومرارتها تولت حراسة الأسرى، تولت جمع النساء والأطفال، تولت تجميع الهائمين على وجوههم في الصحراء، كانت تمضي مسرعةً من هذه الجهة إلى تلك.. تبحث عمن افتقدت حتى جمعت اليتامى والارامل ولما بقيت عائلة الحسين عليه السلام بلا خيمة بعد حرقها يوم عاشوراء وقد جنهم الليل وإن الأطفال والنساء ليس لهم مأوى وقد شتتوا، أرسلت زينب عليه السلام إلى عمر بن سعد قائلة له: يا ابن سعد أيرضيك أن بنات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بلا خيمة ولا خباء مشتتون في العراء يا ابن سعد أريد خيمة أجمع فيها أيتام الحسين ونسائه. فأمر لهم بخيمة كبيرة فنصب وقامت زينب وأم كلثوم بجمع تلك العائلة المفجوعة من أيتام وأرامل فيها ثم وقفت كل واحدة على باب من أبواب الخيمة لحراسة العائلة. و كان لمولاتنا زينب عليها السلام وباقي بنات الرسالة دورا في المرحلة التي تلت المعركة الأثر الكبير في حفظ الثورة الحسينية وحمايتها وإيصال صوتها إلى مختلف أرجاء العالم الإسلامي الذي استفاق على صوت زينب عليها السلام وهي تحاول إيقاظه من سباته العميق وأبرز هذه المواقف كانت في أرض كربلاء ومن ثمّ الكوفة وفي مجلس ابن زياد وفي قصر يزيد بن معاوية في الشام إلى حين رجوعها إلى المدينة. اما موقفها بالكوفة فقد تجسدت بطولتها بوقوفها أمام الطاغية عبيد الله ابن زياد، حيث جعلت من خطبها تتمة لخط الثورة الحسينية فلولاها لما تمت المسيرة ولولاها لخمدت حرارة ثورة الطف. فوقفت أمام ابن مرجانة ذلك الفاجر، وهي امرأة عزلاء ليس معها من حماتها حمي ولا من رجالها ولي، غير الإمام الذي أنهكته العلّة لكن (ابنة حيدرة) كانت على جانب عظيم من الثبات والطمأنينة، فأفرغت عن لسان أبيها بكلام أنفذ من الرمح، الى قلب ابن مرجانة. وقد حاول الطاغية التهجّم على أهل بيت النبوة الأطهار، والشماتة بما حصل لهم في كربلاء، فكان ردّها قاسياً وعنيفاً ولم تأبه بحالة الأسر والمعاناة التي كانت تلاقيها في ذلك المجلس الذي دخلت إليه وهي متنكرة رغم جلال النبوة وبهاء الإمامة المنسدل عليها. وكان في ضمن ردّها على شماتة ابن زياد حينما قال لها: (كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟ قالت: ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج، ثكلتك أمك يابن مرجانة). وهو تعبير عن حالة الرضا والتسليم المطلق للّه عزّ وجلّ. فنزل جواب زينب على ابن زياد كالصاعقة فأخرس نطقه وشلّت شجاعة زينب قوى ابن زياد فحقرته حيث مركز قوته، وكيف لاتكون كذلك وهي بنت علي؟ وأوضحت للملأ المتغافل خبثه ولؤمه كما انها أدهشت العقول وحيّرت الفكر في خطبتها بكناسة الكوفة والناس يومئذ حيارى يبكون لا يدرون ما يصنعون وبعد أن فرغت من خطابها فهل يا ترى يمكنك الجزم بأن أحداً يستطيع في ذلك الموقف الرهيب الذي تحفّه سيوف الجور أن يتكلم بكلمة واحدة مهما بلغ من المنعة في عشيرته؟ وهل يقدر أحد أن يعلن بموبقات ابن هند وابن مرجانة غير بنات أمير المؤمنين عليه السلام؟ وما اكتفت زينب عليها السلام بتقريع ابن زياد بل استمرت ثورتها عليها السلام حتى أمام الطاغية يزيد بن معاوية الذي كان في أوج نشوته بهذا النصر وكان يتمثّل بأبيات من الشعر وفيها: ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا * لأهلّوا واستهلوا فرحاً جزع الخزرج من وقع الأسل * ثم قالوا يا يزيد لا تشل. فدخلت عليه زينب عليها السلام وخاطبته بلسان حق حيدري فقالت له: الحمد للّه رب العالمين، وصلى اللّه على رسوله وآله أجمعين صدق سبحانه حيث يقول: “ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ” أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول اللّه سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد (أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض، وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسرى أنّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة، فَشَمَخْتَ بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسروراً أنسيتَ قول الله تعالى: ولا يحسبنّ الذين كفروا إنما نُملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين. يا يزيد فكد كيدك واسع سعيك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، فهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين). وهذه الكلمات بيّنت من خلالها للناس الغافلين عن حادثة كربلاء وعن السبايا حيث كان اعتقاد أهل الشام أنهنّ من المارقين عن الدين، بيّنت لهم الحقائق، وأجلت لهم المواقف وفضحت أفعال يزيد وجرائمه التي ارتكبها بحق أهل البيت.