كتاب السيدة سكينة بنت الحسين للسيد المقرم والقرآن الكريم (ح 3)
د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب السيدة سكينة ابنة الإمام الشهيد أبي عبدالله الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: سكينة مع الله تعالى قائلا: من الآيات والروايات بوجود ما أعد الله للعاصين لحصل العلم اليقيني بوجود النار الكبرى، ثم ترتقي الحالة الى الكشف عنها حتى كأنهم يشاهدونها بنفسها. وهو المراد من قوله تعالى بعد ذلك: ثم لترونها عين اليقين. واما المرتبة الثالثة التي أشار اليها بقوله تعالى: “وأما ان كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم * إن هذا لهو حق اليقين” (الواقعة 92-95) فلا تحصل إلا لمن نظر إليها بواسطة تجرده عن العوارض وتخلية نفسه عن الشهوات، وانقطاعه عن عالم الملك الزائل. وان ابنة النبوة حازت أرقى هذه المراتب التي اخبر عنها الامام الحجة الواقف على سرائر العباد بقوله: (غالب عليها الاستغراق مع الله) فإن الاستغراق هنا عبارة عن الفناء في بحر العظمة الالهية بحيث لا تكون لها لفتة لوازم الحياة وعوارض الدنيا الفانية. ومن اجل ذلك أخذت بمجامع قلب ابيها وزاد حنوه عليها حتى استحقت ان يصفها المعصوم بخيرة النساء لما وقف عليها يوم الطف ورآها منحازة عن النسوة باكية نادبة فقال عليه السلام: لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة * ما دام مني الروح في جثمان فإذا قتلـت فانت أولى بالذي * تأتيـنه يـا خيـرة النسوان. وهل من المعقول أن حجة الله يخبر عن مبلغ ابنته من الدين وسلوكها مع الله تعالى، ثم يصفها بخيرة النساء وهو يعلم أنها مارقة عن صراط الشريعة، ومتنكبة عن سبيل الحق أو أنها تمرق عنه؟ كلا. “فبشر عبادي * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب” (الزمر 17-18).
وعن أبي الفرج يقول السيد المقرم في كتابه: وأما مقام ابي الفرج في الحديث والرواية فكما حدث الخطيب البغدادي عن أبي عبدالله الحسين بن محمد بن القاسم بن طباطبا العلوي قال سمعت أبا الحسن النوبختي يقول: كان أبو الفرج الأصبهاني أكذب الناس أنه يدخل سوق الوراقين وهي عامرة مملوة بالكتب فيشتري كثيراً من الصحف ويحملها إلى بيته ثم تكون رواياته كلها منه. وقال ابن حجر: قد اتهم ابوالفرج بكثرة ما كتب والظاهر أنه صدوق. ويكفي في انحيازه عن الورع بذاءة لسانه وسبابه المقذع وهجائه الناس واستهانته أكل لحومهم والنيل من الأعراض فهو من المخالفين للامامية قطعاً وانه من المتورطين في السيئات المتحاملين على المؤمنين بالمنكرات ولم تخف هذه الظاهرة على العلامة الحلي فذكره في القسم الثاني من الخلاصة المعقود لمن يتوقف في رواياته. “من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون” (الأعراف 186).
وعن رجال الأغاني يقول السيد عبد الرزاق المقرم: إني لا أجد القارىء بعد هذا البيان الضافي مرتاباً في كذب ما حدث به أبو الفرج في حق السيدة (سكينة) ابنة سيد شباب أهل الجنة الحسين بن أمير المؤمنين عليه السلام فإن الأحاديث التي جاء بها وجدناها مروية عمن ذكرناهم من آل الزبير وأمثالهم من المعروفين بالافتعال أو العداوة لآل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ولم يردعهم أي رادع عن الكذب الذي هو اقبح المعاصي ومفتاح كل شر وطريق يسلك به إلى الفتن ويلحق البغضاء والإحن وعثرة في سبيل النجاح والسعادة ولذلك حرمته الشريعة (كتاباً وسنة) وعضدهما العقل وإجماع المسلمين. فلا تقف على صاحب مروأة يكذب في قوله أو خدن شرف يمين في حديثه أو أخي بصيرة يفتعل في قضيته أو رب حجي يتقول فيها يقول استقباحاً منهم لتلك الشنعة المذهبة للاعتبار المزيحة لماء الوجه المسقطة لمنصة الاعتماد وأقبح مصاديق الفرية والافتعال إذا كان على لسان صاحب الشريعة او من يحذو حذوه من خلفاء المعصومين عليهم السلام فان فيه علاوة على القبح الذاتي ادخال ما ليس من الشريعة فيها وهذا هو التشريع المحرم والبدعة التي لا تقال عثرتها أن تعلق الكذب بحكم من أحكام الشريعة. وان كان الكذب في ثناء رجل لا يستحقه ففيه إغراء بالجهل وإن كان في نسبة الفاحشة الى مؤمن فذلك ايذاء وهتك الستر. واشد أفراد الكذب إذا كان وقيعة في الذرية الطاهرة آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذين شاء لهم المولى سبحانه حسن السمعة وشرف المخبر وهو اجر الرسالة الذي صدر الأمر به “قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى” (الشورى 23) فإنه عام لسائر أفراد الذرية تكريماً لصاحب الدعوة الإلهية وتمريناً للملأ الديني على البخوع لعامة بنيه وردعاً للأغرار منهم عما لا يليق بساحة سلفهم وشرفهم الوضاح. ولم يغب عنه ما في تدوين هذه المفتريات من الخروج على قدس الكتاب المجيد المانع من هتك ستر المؤمن ونسبة القبيح إليه وكيف يغيب عنه وكل مسلم يقرأ نهاره وليله قوله تعالى: “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون” (النور 19). فاشاعة الفاحشة كما يستوجب تلك الأمور ايضاً يضاد الارادة الالهية المستتبعة لرأفة المولى تعالى ولطفه وكراهته للفتن والشرور ونشوب الأحن فالمرتكب لها محارب لله تعالى غادر لحقوق الناس بتلك المغباب الوخيمة وللتحفظ عن هذه الشائنة لم يكتف المولى سبحانه بالوعيد الأخروي حتى اضاف اليه العقاب الدنيوي وهو الحد ان كان قذفاً بالزنا واللواط والسحق والتعزير إن كانت الفاحشة المذاعة في الناس قذفاً بغير ذلك فقال تعالى: “لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة” (النور 19) ثم نبه جل شأنه على شيء دقيق فقال “الله يعلم” (النور 19) ما تكنه الضمائر من المحبة لاشاعة الفاحشة وإظهار ما يريد الله ستره “وأنتم لا تعلمون” (النور 19) ما يترتب على ذلك من الخطر والفساد.
وعن سكينة من ذوي القربى يقول السيد المقرم في كتابه: لقد وضح من جميع ما ذكرناه للمتأمل البصير أن في التحدث عن سكينة بنت الحسين عليه السلام وأمثالها من أهل هذا البيت الطاهر بما يشين الأخلاق والدين كما أنه إشاعة للفاحشة الممنوع منها بنص الكتاب الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه خروج على حكم القرآن الناص على مودة القربى. “قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى” (الشورى 23) ولم يخف السر في هذا الحكم لأن سادات هذا العنصر الطاهر لما كانوا منبع أنوار الهداية وعندهم مفاتيح الرشاد ومن ناحيتهم ثبتت المعارف الآلهية وبأيديهم الناصعة تهتدي الناس الى سنن النجاح فرض الله تعالى حبهم المؤدي الى اتباع تعاليمهم وجعله أجراً للرسالة.