د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب حياة الإمام الرضا للشيخ باقر شريف القرشي: ابتدأ الكتاب بالآيات القرآنية المباركة بسم الله الرحمن الرحيم “إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم” (ال عمران 33-34) “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا” (الأحزاب 33) “قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور” (الشورى 23) صدق الله العلي العظيم القرآن الكريم. هذه دراسة عن حياة الإمام الرضا عليه السلام الإمام الثامن من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهو قبس من نور الله تعالى، ونفحة من رحماته، وكنز من كنوز حكمته، وله ولآبائه قادة الفكر الإسلامي في مدح الله تعالى غنى عن مدح المادحين ووصف الواصفين، فقد أذهب عنهم الرجس، وطهرهم من الزيغ.
في حوارية للامام علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول الشيخ القرشي قدس سره: روى أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: قلت لابي الحسن يعني الامام الرضا: جعلت فداك إني قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة، وقد دخل قلبي من إبطائها شئ ؟ فقال عليه السلام: يا احمد إياك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنطك، إن أبا جعفر يعني الامام الباقر صلوات الله عليه كان يقول: إن المؤمن يسأل الله عزوجل حاجته فيؤخر عنه تعجيل إجابته حبا لصوته، واسماع نحيبه، ثم قال: والله ما أخر الله عزوجل عن المؤمنين، ما يطلبون من هذه الدنيا خير، لهم مما عجل لهم فيها، وأي شئ الدنيا ؟ ان أبا جعفر عليه السلام كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحوا من دعائه في الشدة، ليس إذا اعطي فتر، فلا تمل الدعاء فانه من الله عزوجل بمكان أي بمنزلة وعليك بالصبر، وطلب الحلال، وصلة الرحم، وإياك ومكاشفة الناس، فانا أهل بيت نصل من قطعنا، ونحسن إلى من اساء إلينا، فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة، إن صاحب النعمة في عينه، فلا يشبع من شئ، وإذا اكثرت النعم كان المسلم من ذلك في خطر للحقوق التي تجب عليه، وما يخاف من الفتنة فيها. اخبرني عنك لو اني قلت لك قولا، أكنت تثق به مني؟ وسارع أحمد قائلا: (جعلت فداك إذا لم اثق بقولك فبمن اثق، وأنت حجة الله على خلقه) فاجابه الامام (فكن بالله اوثق فانك على موعد من الله، أليس الله عزوجل يقول: “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان” (البقرة 186)، وقال: “لا تقنطوا من رحمة الله” (الزمر 53) وقال: “والله يعدكم مغفرة منه وفضلا” (البقرة 268) فكن بالله عزوجل أوثق منك بغيره، ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيرا فانه مغفور لكم).
وفي حوارية أخرى يقول الشيخ باقر القرشي في كتابه: قال الإمام الرضا عليه السلام (إياك وقول الجهال من أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في الآخرة للحساب في الثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا، ولكن القوم تاهوا وعموا، وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عزوجل: “ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا” (الإسراء 72) يعني اعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذوو الألباب ان الاستدلال على ما هناك لا يكون ألا بما ها هنا، ومن أخذ علم ذلك برأيه، وطلب وجوده وادراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا لان الله عزوجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون).
وجه المأمون رسوله إلى الامام يطلب منه الحضور لمناظرة سليمان فأجابه الإمام إلى ذلك. مضى الامام يفند شبهات سليمان قائلا: (فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما، لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون، تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا). وراح سليمان يعتذر ويوجه ما قاله: (انما قلت: لا يعلمه، لانه لا غاية لهذا، لأن الله عز وجل وصفهما بالخلود، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا). وراح الامام عليه السلام يفند شبهه وأوصافه قائلا: (ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم، لأنه قد يعلم ذلك، ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم، وكذلك قال الله عزوجل في كتابه: “كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب” (النساء 56) وقال لأهل الجنة: “عطاء غير مجذوذ” (هود 108) وقال عزوجل: “وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة” (الواقعة 33) فهو عزوجل يعلم ذلك لا يقطع عنهم الزيادة. أرأيت ما أكل أهل الجنة، وما شربوا يخلف مكانه؟). (بلي). (أفيكون يقطع ذلك عنهم، وقد أخلف مكانه؟). (لا). ومضى الامام عليه السلام يقرر ما ذهب إليه قائلا: (فكذلك كلما يكون فيها إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم). وراح سليمان يتمسك بالشبه والاوهام ثم يزيله عنها هذه الحجج البالغة التي أقامها الامام قائلا: (بلى يقطعه عنهم، ولا يزيدهم.). وانبرى الامام فأبطل ذلك بقوله: (إذا يبيد فيها، وهذا يا سليمان ابطال الخلود، وخلاف الكتاب، لأن الله عز وجل يقول: “لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد” (ق 35) ويقول عزوجل: “عطاء غير مجذوذ” (هود 108) ويقول عزوجل: “وما هم عنها بمخرجين” (الحجر 48) ويقول عزوجل: “خالدين فيها أبدا” (البينة 8) ويقول عزوجل: “وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة” (الواقعة 33)). ووجم سليمان، وحار في الجواب، وراح يسد عليه كل نافذة يسلك فيها لاثبات شبهة. وحار سليمان، فلم يستطع أن يقول شيئا، وراح الامام يفند شبه سليمان، وما تمسك به من أوهام قائلا له: (ألا تخبرني عن قول الله عزوجل: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها” (الاسراء 16). يعني بذلك أنه يحدث إرادة؟). وسارع سليمان قائلا: (نعم). فأجابه الامام: ” فإذا أحدث ارادة، كان قولك: إن الإرادة هي هو أو شئ منه باطلا، لأنه لا يكون أن يحدث نفسه، ولا يتغير عن حالة تعالى الله عن ذلك).