د. فاضل حسن شريف
عن علم الأنبياء والأئمة عليهم السلام يقول السيد عبد الرزاق المقرم: فسؤال الحسين عليه السلام عن اسم الأرض التي منعوا من اجتيازها أو أن الله أوقف الجواد فلم ينبعث كما أوقف ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الحديبية فلم تنبعث حتى هبط جبرئيل يأمره بالنزول في هذا الموضع والصلح مع قريش، لأجل أن يعترف أصحابه بتلك الأرض التي هي محل التضحية الموعودين بها باخبار النبي والوصي صلى الله عليهما وآلهما لتطمئن القلوب وتمتاز الرجال وتثبت العزائم وتصدق المفادات. وهذا باب من الأسئلة معروف عند علماء البلاغة يعرف بتجاهل العارف أو سوق المعلوم مساق المجهول، واذا كان فاطر الأشياء الذي لا يعادر علمه صغيرا ولا كبيرا يقول لموسى عليه السلام: “وما تلك بيمينك يا موسى” (طه 17)، ويقول سبحانه لعيسى عليه السلام: “أأنت قلت للناس اتخذوني وامي الهين” (المائدة 116) لضرب من المصلحة، فالإمام المنصوب من قبله أمينا على شرعه ودليلا لعباده لا تخفى عليه المصالح. وهذا كسؤال النبي عن اسم الجبلين واسم الرجلين اللذين قاما للب اللقحة، ألم يكن النبي الأعظم المتكون من النور الأقدس عالما بذلك؟ وإنما النكتة ما أشرنا إليها. لقد ورد عن الشارع أحاديث ربما يستظهر منها غير المتأمل في أسرارهم إثبات الطيرة مثل ما ورد: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار). وهذا في الحقيقة إخبار عما تعلقت به إرادة المولى جل شأنه بعدم السعادة في هذه الأشياء لمن اقترن بها، وصاحبها نظير خلق المسك وغيره من الأرواح الطيبة فبعض الأشخاص يتلذذ بها، وبعض يلحقه الضرر منها كما أودع تعالى شأنه في بعض الأحجار خواصّ من خير أو شر تلحق من يحملها. ومن هذا القبيل المرأة والفرس والدار، فإن الله تعالى قضى بسعادة من قارنها كما قضى بنحوسة جريا لناموس المصالح والمفاسد في الأشياء، فأين هذا الطيرة التي يحكم فيها بنحوس الشيء وإن لم يجعله الله كذلك. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث لم يسعه المصارحة بهذه الأسرار لبعد العقول عنها أجمل البيان ثم نصب قرينة على المراد باقتران هذه الثلاثة بنفي الطيرة في كلام واحد وإلا فلا يعقل منه صلى الله عليه وآله وسلم أن ينفي الطيرة ثم يفرضها في كلام واحد فيقول: لا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة الخ.
جاء في کتاب الشّهيد مسلم بن عقيل عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرّم: قال أبوبكر ابن العربي الأندلسي المتوفى سنة 546: (إن عليا كان إماما لأنهم اجتمعوا عليه ولم يمكنه ترك الناس لأنه كان أحق الناس بالبيعة فقبلها حوطة على الأمة، وأن لا تسفك دماؤها بالتهارج ويتخرّق الأمر، وربما تغير الدين، وانقض عمود الإسلام، وطلب أهل الشام منه التمكين من قتلة عثمان فقال لهم علي: (ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا اليه) وكان علي أسدّهم رأيا وأصوب قولا لأنه لو تعاطى القود لتعصّبت لهم قبائلهم فتكون حربا ثالثة فانتظر بهم أن يستوثق الأمر وتنعقد البيعة العامة ثم ينظر في مجلس الحكم ويجري القضاء، ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدّى ذلك الى إثارة الفتنة وتشتيت الكلمة. وحينئذ فكل من خرج على علي عليه السلام باغ وقتال الباغي واجب حتى يفيء الى الحق وينقاد الى الصلح، وأن قتاله لأهل الشام الذين أبوا الدخول في البيعة، وأهل الجمل والنهروان الذين خلعوا بيعته حق، وكان حق الجميع أن يصلوا إليه ويجلسوا بين يديه ويطالبوه بما رأوا، فلما تركوا ذلك بأجمعهم صاروا بُغاة فتناولهم قوله تعالى: “فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله” (الحجرات 9). ولقد عتب معاوية على سعد بن أبي وقاص بعدم مشاركة له في قتال علي عليه السلام فردّ عليه سعد: بأني ندمت على تأخري عن قتال الفئة الباغية يعني بها معاوية ومن تابعه). وحكى الآلوسي عن الحاكم والبيهقي أن عبدالله بن عمر يقول: ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت من نفسي من هذه الآية “فقاتلوا التي تبغى” (الحجرات 9). حيث أني لم أقاتل الفئة الباغية يعني معاوية ومن معه من الباغين على علي عليه السلام)، ولم يتعقبه آلوسي بشيء وزاد بتصريح بعض الحنابلة بوجوب قتال الباغين احتجاجا بأن عليا اشتغل في زمان خلافته بقتال الباغين دون الجهاد فهو إذا أفضل من الجهاد.
وعن علم مسلم بن عقيل عليه السلام يقول السيد المقرم في كتابه: وعلم المعصومين وان كان (صعب مستصعب لا يتحمّله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان) لكنهم: اذا علموا قابليّة من اشرقت عليه أنوار ولايتهم لتحمل تلك الأسرار، يوقفونهم عليها، كما أخبر أمير المؤمنين ميثم التمار، وكميل بن زياد، وعمر بن الحمق، ورشيد الهجري الى أمثالهم بقتلهم، وعلى يد من تكون الشهادة، والوقت الذي يقتلون فيه، وكما أخبر سيد الشهداء من ثبت معه على التضحية والمفادات. ومسلم بن عقيل عليه السلام كان في الغارب والسنام من الإيمان واليقين والبصيرة النافذة من اولئك الأفذاذ فأي مانع من أن يوقفه أبو عبدالله الحسين عليه السلام على ما يجري عليه من كوارث ومحن حرفا حرفاً. ثمّ ان الفتك الذي هو قيد الايمان كما في نص الحديث شامل بإطلاقه لكل من أراد الوقعية بالمؤمن سواء من ناحية الإجهاز عليه، أو من جهة اغتيابه وإظهار عيوبه للناس، أو من جهة النميمة المثيرة للاحن والبغضاء الموجبة لملاشاة الأخوة بين المؤمنين، أو من جهة اشاعة الفاحشة التي يقول فيها سبحانه وتعالى: “الّذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدّنيا والآخرة” (النور 19). فان في كل ذلك وردت الشريعة المحذّرة عنه، الحاكمة على مرتكب هذه الجهات بالخروج عن ربقة الإيمان.