اخر الاخبار

كلمات مترابطة في القرآن الكريم (جنفا أو اثما، متجانف لاثم) (ح 3)‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” ﴿المائدة 3﴾ “فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ” معناه: فمن دعته الضرورة في مجاعة، حتى لا يمكنه الامتناع من أكله، عن ابن عباس، وقتادة، والسدي “غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ” أي: غير مائل إلى إثم، وهو نصب على الحال، يعني: فمن اضطر إلى أكل الميتة، وما عدد الله تحريمه عند المجاعة الشديدة، غير متعمد لذلك، ولا مختار له، ولا مستحل له، فإن الله سبحانه أباح تناول ذلك له، قدر ما يمسك به رمقه، بلا زيادة عليه، عن ابن عباس، وقتادة، ومجاهد، وبه قال أهل العراق. وقال أهل المدينة: يجوز أن يشبع منه عند الضرورة. وقيل: إن معنى قوله: “غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ” غير عاص، بأن يكون باغيا، أو عاديا، أو خارجا في معصية، عن قتادة “فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”: في الكلام محذوف دل عليه ما ذكر، والمعنى: فمن اضطر إلى ما حرمت عليه، غير متجانف لإثم، فأكله، فإن الله غفور لذنوبه، ساترا عليه أكله، لا يؤاخذه به، وليس يريد أنه يغفر له عقاب ذلك الأكل، لأنه أباحه له، ولا يستحق العقاب على فعل المباح، وهو رحيم: أي رفيق بعباده، ومن رحمته أباح لهم ما حرم عليهم في حال الخوف على النفس. و قال الله تعالى “فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” ﴿البقرة 182﴾ الجنف هو الميل والانحراف، وقيل: هو ميل القدمين إلى الخارج كما أن الحنف بالحاء المهملة انحرافهما إلى الداخل، والمراد على أي حال الميل إلى الإثم بقرينة الإثم والآية تفريع على الآية السابقة عليها، والمعنى والله أعلم فإنما إثم التبديل على الذين يبدلون الوصية بالمعروف، ويتفرع عليه: أن من خاف من وصية الموصي أن يكون وصيته بالإثم أو مائلا إليه فأصلح بينهم برده إلى ما لا إثم فيه فلا إثم عليه لأنه لم يبدل وصيته بالمعروف بل إنما بدل ما فيه إثم أو جنف.

جاء في معاني القرآن الكريم: جنف أصل الجنف ميل في الحكم، فقوله تعالى: “فمن خاف من موص جنفا” (البقرة 182)، أي: ميلا ظاهرا، وعلى هذا: “غير متجانف لإثم” (المائدة 3)، أي: مائل إليه. وجاء في موقع فيصل نور عن من صور البديع في تفسير أبي السعود للدكتور سامي عطا حسن: من صور الطباق في تفسير أبي السعود: قوله تعالى: “فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (البقرة 182) “فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ” أي توقعَ وعلِم “جَنَفًا” أي ميلاً بالخطأ في الوصية “أَوْ إِثْمًا” أي تعمداً للجنف “فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ” أي بـين المُوصىٰ لهم بإجرائهم على منهاج الشريعةِ الشريفةِ “فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ” أي: في هذا التبديل، لأنه تبديلُ باطلٍ إلى حق، بخلاف الأول “إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” وعدٌ للمُصْلِح، وذكرُ المغفرة لمطابقة ذكرِ الإثم، وكونِ الفعل من جنس ما يُؤثِم.

جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله سبحانه “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (المائدة 3) “حرِّمت عليكم الميتة” أي أكلها “والدم” أي المسفوح كما في الأنعام “ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به” بأن ذُبح على اسم غيره “والمنخنقة” الميتة خنقا “والموقوذة” المقتولة ضربا “والمتردية” الساقطة من علو إلى أسفل فماتت “والنطيحة” المقتولة بنطح أخرى لها “وما أكل السبع” منه “إلا ما ذكيتم” أي أدركتم فيه الروح من هذه الأشياء فذبحتموه “وما ذُبح على” اسم “النصب” جمع نصاب وهي الأصنام “وأن تستقسموا” تطلبوا القسم والحكم “بالأزلام” جمع زلم بفتح الزاي وضمها مع فتح اللام قدح بكسر القاف صغير لا ريش له ولا نصل وكانت سبعة عند سادن الكعبة عليها أعلام وكانوا يحكمونها فإن أمرتهم ائتمروا وإن نهتهم انتهوا “ذلكم فسق” خروج عن الطاعة. ونزل يوم عرفة عام حجة الوداع “اليوم يئس الذين كفروا من دينكم” أن ترتدوا عنه بعد طمعهم في ذلك لما رأوا من قوته “فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملتُ لكم دينكم” أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام “وأتممت عليكم نعمتي” بإكماله وقيل بدخول مكة آمنين “ورضيت” أي اخترت “لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة” مجاعة إلى أكل شيء مما حرم عليه فأكله “غير متجانف” مائل “لإثم” معصية “فإن الله غفور” له ما أكل “رحيم” به في إباحته له بخلاف المائل لإثم أي المتلبس به كقاطع الطريق والباغي مثلا فلا يحل له الأكل.

وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قال الله تعالى “فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” ﴿البقرة 182﴾ بيّن القرآن فيما سبق الأحكام العامّة للوصية، وأكد على حرمة كل تبديل فيها، ولكن في كل قانون إستثناء، والآية الثالثة من آيات بحثنا هذا تبين هذا الإِستثناء الذي يرتبط بالوصية المدونة بشكل غير صحيح، وهنا يحق للوصي أن ينبّه الموصي على خطئه إن كان حيّاً، وأن يعدّل الوصيّة إن كان ميتاً، وحدّد الفقهاء مواضع جواز التعديل فيما يلي: 1 ـ إذا كانت الوصيّة تتعلق بأكثر من ثلث مجموع الثروة، فقد أكدت نصوص المعصومين على جواز الوصية في الثلث، وحظرت ما زاد على ذلك. من هنا لو وصّى شخص بتوزيع كل ثروته على غير الورثة الشرعيين، فلا تصح وصيته، وعلى الوصي أن يقلل إلى حدّ الثلث. 2 ـ إذا كان في الوصية ما يؤدي إلى الظلم والإثم، كالوصية بإعانة مراكز الفساد، أو الوصية بترك واجب من الواجبات. 3 ـ إذا أدت الوصية إلى حدوث نزاع وفساد وسفك دماء، وهنا يجب تعديل الوصية بإشراف الحاكم الشرعي. عبرت الآية (بالجَنَفِ) عن الإِنحرافات التي تصيب الموصي في وصيته عن سهو، و (بالإِثم) عن الإِنحرفات العمدية. عبارة “إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” تشير إلى ما قد يقع فيه الوصي من خطأ غير عمدي عند ما يعدّل الوصية المنحرفة، وتقول: إن الله يعفو عن مثل هذا الخطأ.