اخر الاخبار

ما خيارات أوروبا في التحدي مع روسيا؟

في عالم اليوم المعقد والحرج، هناك العديد من اللاعبين الصغار والكبار. إن نطاق العمل في العلاقات الدولية اليوم واسع. في هذا المجال، ينشط اللاعبون غير الحكوميين والدوليون وكذلك اللاعبون على مستوى الدولة والقارة والعالم. فالسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو أين مكانة الاتحاد الأوروبي بصفتها مؤسسة قارية ذات ادعاءات عالمية؟

وما هو الدور الذي تلعبه في أزمة غزة ولبنان؟ وما مدى فعاليتها في توحيد سياسات الأوروبيين فيما يتعلق بأوكرانيا؟ ما هي أجندة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي؟ هذه التساؤلات مهمة لأن هناك فجوة كبيرة بين ادعاء نفوذ الاتحاد الأوروبي وواقعه. وهذا بدوره يطرح سؤالا كبيرا وشاملا، وهو كيف يمكن تقييم سياسة الاتحاد الأوروبي بشكل عام؟ اجابة على ذلك، ينبغي القول إنه في مجال العلاقات الخارجية، يمكن تقييم الاتحاد الأوروبي بثلاث ظواهر وقضايا هي “المأسسة”، و”الإطار”، وبالطبع “عجز القوة العالمية”.

منذ معاهدة لشبونة في عام 2009، تمكن الاتحاد الأوروبي بلا شك من إنشاء مجموعة واسعة وبيروقراطية في مجال العلاقات الخارجية. والحقيقة أن الاتحاد الأوروبي، من خلال مؤسسة تسمى مفوض السياسة الخارجية، قام بتشكيل وزارة خارجية عبر أوروبا. يعمل مفوض السياسة الخارجية كوزير للخارجية، ومنذ عام 2013، توسعت لجنة السياسة الخارجية مع إطلاق إدارة عمل السياسة الخارجية. 

لقد أدى بناء المؤسسات هذا إلى إنشاء مكتب تمثيلي للاتحاد الأوروبي وتعيين سفراء لهذا الاتحاد لدى مختلف البلدان وكذلك لدى المؤسسات الدولية، وقد واجه التحدي الكبير المتمثل في بناء التوافق. يجب أن يتم اتخاذ قرارات السياسة الخارجية بالإجماع في الاتحاد الأوروبي، لكن التنوع والاختلاف بين الأعضاء السبعة والعشرين يجعل من الصعب التوصل إلى الإجماع.

تاريخ مختلف

تتمتع دول شمال وجنوب وشرق وغرب أوروبا بتاريخ مختلف فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، وهذا له تأثير مختلف على عملية صنع القرار الحالية، والأهم من ذلك، على تصوراتها للقضايا الدولية. جوزيب بوريل، الذي شارفت فترة ولايته بصفته مفوض للسياسة الخارجية على الانتهاء، وهو أحد أهم المسؤولين السابقين في إسبانيا، لديه مقارنة مثيرة للاهتمام حول هذه الاختلافات في المقدمة الرائعة التي كتبها لكتاب السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

ويقول إن الزملاء والأصدقاء البولنديين يرون أن نهاية الحرب الباردة وتحرير بولندا من الاتحاد السوفييتي جاء بفضل مساعي شخصين: يوحنا بولس الثاني، زعيم الكاثوليك العالمي في الثمانينيات، والولايات المتحدة الأمريكية. في نظر البولنديين، انتهت 40 سنة من الحكم الشيوعي بهذين الناشطين. أقول لهم إن هذين الفاعلين يعنيان شيئا آخر للإسبان، كما يقول بوريل: إن الأربعين عاما من دكتاتورية الجنرال فرانكو في إسبانيا كانت بسبب دعم هذين الفاعلين: الولايات المتحدة الأمريكية والكنيسة الكاثوليكية كانتا من داعمي فرانكو. 

 إن المقارنة والتباين في تصور دور الفاعلين أمر مهم ويستحق الاهتمام، ولكن في الوقت نفسه، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الاتحاد الأوروبي تمكن من التوصل إلى أطر محددة وموحدة في مجال العلاقات الخارجية وهذه الأطر كبيرة في بعض الأحيان، بما في ذلك وثيقة السياسة الخارجية والأمن المشترك، وفي المجالات الجزئية، فيما يتعلق بقضايا مثل العلاقات مع كندا، للوصول إلى أطر مشتركة، وتجميع الوثائق المتعلقة بسياسة الجوار وتأطير السلوك الخارجي للاتحاد الأوروبي مع مناطق مختلفة، مثل العلاقة مع الاتحاد الأفريقي ومنطقة آسيان في شرق آسيا، بما في ذلك هذه هي الوثائق التي يتم تجميعها والموافقة عليها بالإجماع ويتم اتباعها في الممارسة العملية. 

وكان عدد هذه الأطر كبيرا بحيث يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي مؤسسة صانعة للأطر. ويواجه الاتحاد الأوروبي، في المشهد الحقيقي للعلاقات الدولية، كعنصر فاعل، عجزا في القوة بطبيعة الحال. إن القوة العالمية للاتحاد الأوروبي ليست هي نفس قوة الولايات المتحدة. وفي أزمات وظواهر أقل دولية، تمكن الاتحاد الأوروبي، على الأقل في العقد الأخير، من لعب دور لامع ومستقل ومهم باعتباره اتحادا كونفدراليا متكاملا.

طبيعة قوة الاتحاد الأوروبي

وفي هذا الصدد، ينبغي علينا أولا أن نولي الاهتمام للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وهذه العلاقة وثيقة، خاصة على مستوى الأعراف والقيم، إلا أن طبيعة قوة الاتحاد الأوروبي، وطبيعة التطورات السياسية داخل الولايات المتحدة، واختلاف الأولويات والحساسيات الدولية لهذين الفاعلين، حالت دون قيام الأوروبيين بدورهم المنشود. خاصة في وقت تتصاعد فيه التقلبات السياسية في الولايات المتحدة بسبب الانتخابات الرئاسية، تتعرض ركائز العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتحدي، وربما بكلمة واحدة، قوة العمل المستقل للاتحاد الأوروبي سوف تنخفض.

والثاني هو العلاقة المعقدة مع الصين. ومن المنظور الكلي، تتأثر علاقة الاتحاد الأوروبي مع الصين بثلاث وجهات نظر متناقضة تجاه بكين في بروكسل: “الصين كشركة”، و”الصين كمنافس”، و”الصين كخصم”. وأيا كان الأمر فإن القوة العالمية المتكاملة التي تتمتع بها الصين ونشاطها المتماسك تشكل تحديا للاتحاد الأوروبي عند المقارنة بينهما.

 ثالثا، العلاقة مع روسيا. ولقد تم تجاوز مراحل مهمة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. لكن في هذا الصدد، فإن تاريخ وطبيعة ومصير الأزمة الأوكرانية اعتبارا من عام 2022 أعطى طبيعة مختلفة للاتحاد الأوروبي. فمن ناحية، ربما تشكل الأزمة الأوكرانية العنصر الأكثر توحيدا في الاتحاد الأوروبي في الأعوام الأخيرة.

ومن ناحية أخرى، يشعر الاتحاد الأوروبي بالتوتر والإحباط والغضب. لقد كشفت هذه الحرب، التي تعتبر أهم معركة على الأراضي الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، عن اختلال توازن قوة الاتحاد الأوروبي كلاعب دولي، وجعلته أكثر اعتمادا على الولايات المتحدة من أي وقت مضى. مهما كان الأمر فالاتحاد الأوروبي كفاعل دولي، في مجال العلاقات الخارجية، منشئ المؤسسات، ومنشئ الأطر، يعاني من عجز في القوة.

المصدر: صحيفة اطلاعات

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع