اخر الاخبار

ما كل ما يُعلم يُقال، ولا كل ما يُقال حان وقته، ولا كل ما حان وقته حضر أهله / محمد جواد الدمستاني

ما كل ما يُعلم يُقال، ولا كل ما يُقال حان وقته، ولا كل ما حان وقته حضر أهله

محمد جواد الدمستاني

في مسؤولية الكلمة و الكلام، و موازنة و مناسبة الكلام مع الحاضرين و المخاطبين، و متى يتكلم الإنسان و متى يسكُت، و ماذا يقول و ماذا لا يقول، وردت عدة تعاليم ، منها ما روي عنهم عليهم السلام «مَا كُلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ، وَ لاَ كُلُّ مَا يُقَالُ حَانَ وَقْتُهُ، وَ لاَ كُلُّ مَا حَانَ وَقْتُهُ حَضَرَ أَهْلُهُ»[1].  رويت في مختصر البصائر و بحار الأنوار، و ذُكر أنّه رُوي عنهم عليهم السلام و لم يذكر السند.

و قريب منها في كتاب الذخيرة أحمد بن ادريس المالكي ذكر رواية عن الإمام الصادق عليه السلام وهي «مَا كُلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ، وَلَا كُلُّ مَا يُقَالُ حَضَرَ أَوَانُهُ، وَلَا كُلُّ مَا حَضَرَ أَوَانُهُ حَضَرَ إِخْوَانُهُ، وَلَا كُلُّ مَا حَضَرَ إِخْوَانُهُ حَضَرَتْ أَحْوَالُهُ، وَلَا كُلُّ مَا حَضَرَتْ أَحْوَالُهُ أُمِنَ عَوَارُهُ ، فَحَافِظْ لِسَانَكَ مَا اسْتَطَعْتَ وَالسَّلَامُ»[2]. و العوار هو العيب،  أي المحافظة على اللسان و صيانة الكلام ما استطاع المتكلم إلى ذلك سبيلا.

وهو نهي عن قول كل ما يَعلم المتكلم «مَا كُلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ»، بل بعض ما يُعلم يُقال، و بعض ما يُعلم لا يُقال، و يختفظ المتكلم أو المتحدث ببعض المعلومات لأهلها و وقتها، و هذا النهي عن قول كلّ ما يُعلم لإمكانية أن يترك الكلام بكل ما يعلم آثار سلبية على المتكلم، أو على المجتمع، و يستلزم أذى و ضرر، أو لعدم حضور أهله، أو لعدم مناسبته.

و ضرورة ملاحظة ظرف الكلام فيتحدث المتكلم بما يناسب الظرف و الوقت و الزمان و المكان الذي يتحدث فيه، وقد يكون عنده علم و كلام و لكن لم يحن وقتُه، «وَ لاَ  كُلُّ مَا يُقَالُ حَانَ وَقْتُهُ».

و لا بد من مراعاة المخاطبين و وضعهم، فلا يتكلم بما لديه من كلام لكل أحد و لكل النّاس، فما «كُلُّ مَا حَانَ وَقْتُهُ حَضَرَ أَهْلُهُ».

و هذا يعني ضبط اللسان و الكلام، و ملاحظة موضوعه، و وقته، و أهله، و الفصل بين ما يعلمه الإنسان و مقام الكلام.

و الإنسان قد يتكلم في أمكنة متعددة و أزمنة مختلفة فيتحدث في مسجد ،حسينية، جامعة، مستشفى، سجن، مناسبة ولادة أو وفاة أو شهادة، أو حفلة تخرج لطلاب، أو غيره من الأمكنة، فيختار ما هو مناسب من  الكلام لكل مكان، و كل مكان له أهله و وقته.

و حتى في المحادثات اليومية بين النّاس ينبغي أن يكون المتكلم دقيقا و مراقبا لنفسه فيما يقول و ما لا يقول.

و في ذم إذاعة أو إفشاء أو إشاعة  كل ما يعلم روي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام « لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[3].

«لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ..»  يعني لَا تَقُلْ ما تجهل، و الذي قد يكون مخالفا للواقع و كذبا، أو محتملا للكذب فينبغي تركه.

و مثله في من لا یحضره الفقیه عن أَمِير اَلْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي وَصِيَّتِهِ لاِبْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ علي (يَا بُنَيَّ لاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ، بَلْ لاَ تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ، فَإِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، وَ يَسْأَلُكَ عَنْهَا، وَ ذَكَّرَهَا وَ وَعَظَهَا وَ حَذَّرَهَا وَ أَدَّبَهَا وَ لَمْ يَتْرُكْهَا سُدًى فَقَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ لاٰ تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ اَلسَّمْعَ وَ اَلْبَصَرَ وَ اَلْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً»، وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْوٰاهِكُمْ مٰا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اَللّٰهِ عَظِيمٌ»)[4].

و في موضع آخر في نهح البلاغة من وصية لأمير المؤمنين لابنه الإمام الحسن عليه السلام «وَ لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ، وَ إِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ، وَ لَا تَقُلْ مَا لَا تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ..»[5].

و في عدم الكلام فيما لا يعني الإنسان، و الكلام عند أهله و منعه لمن ليس له أهلٌ روي عن الإمام الصادق عليه السلام «لاَ يَتَكَلَّمْ أَحَدُكُمْ بِمَا لاَ يَعْنِيهِ، وَ لْيَدَعْ كَثِيراً مِنَ اَلْكَلاَمِ فِيمَا يَعْنِيهِ حَتَّى يَجِدَ لَهُ مَوْضِعاً، فَرُبَّ مُتَكَلِّمٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ بِكَلاَمِهِ»[6].

بل اعتبار الكلام بكل ما يعلم المتكلم نوع من الجهل، روي عن الإمام علي عليه السلام «لاَ تَتَكَلَّمْ بِكُلِّ مَا تَعْلَمُ فَكَفَى بِذَلِكَ جَهْلاً»[7]، و نوع من الحماقة «لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا تَسْمَعُ فَكَفَى بِذَلِكَ خُرْقاً [ حُمْقاً ]» [8].

كما أنّ من وصاياهم عليهم السلام تقليل الكلام، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «اَلْكَلاَمُ كَالدَّوَاءِ قَلِيلُهُ يَنْفَعُ وَ كَثِيرُهُ يُهْلِكُ»[9]، و «اَلْكَلاَمُ كَالدَّوَاءِ قَلِيلُهُ يَنْفَعُ وَ كَثِيرُهُ قَاتِلٌ»[10].

و عن أمير المؤمنين عليه السلام : «إِذَا قَلَّ اَلْخِطَابُ كَثُرَ اَلصَّوَابُ»[11].

و قال عليه السلام « اَلْعَاقِلُ لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ لِحَاجَتِهِ أَوْ لِحُجَّتِهِ»[12].

و روى في الكافي قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَوْصِنِي، فَقَالَ اِحْفَظْ لِسَانَكَ، قَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ اِحْفَظْ لِسَانَكَ، قَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ اِحْفَظْ لِسَانَكَ وَيْحَكَ وَ هَلْ يَكُبُّ اَلنَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي اَلنَّارِ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»[13] .

و الروايات في هذا كثيرة عنهم عليهم السلام، و إجمالا يحتاج الإنسان إلى مراقبة و محاسبة ذاتية في كلامه و حديثه، كما يحتاج إلى مراجعة مستمرة في تصحيح ما قد يقع فيه من الخطأ في كلامه.

 

جعلنا الله جميعا من أهل المسؤولية و اليَقَظة و البصيرة، و الحمد لله ربّ العالمين و صلِّ اللهم على محمد و آله و الطاهرين.

[1] – مختصر البصائر ،ج 1ص494، بحار الأنوار،ج53ص115

[2] – الذخيرة، ج ١٣، أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن المالكي (القرافي)، ص ٣٦٦

[3]  – نهج البلاغة – حكمة 382

[4] – من لا یحضره الفقیه،ج2ص626، من لا یحضره الفقیه،ج2ص626 ، الوافي،ج26ص229، وسائل الشیعة،ج15ص168، بحار الأنوار،ج66ص50

[5] – نهج البلاغة – كتاب 31 من وصية للإمام الحسن عليه السلام.

[6] – الأمالي (للطوسی)،ج1ص224

[7]  – غرر الحکم، عبد الواحد الآمدى التميمي ،ج1ص744، عیون الحکم، علي بن محمد الليثي الواسطي، ج1ص518،

[8]  – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٤٩ ، ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٤٧٧

[9]  – غرر الحکم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ج1ص126

[10]  – غرر الحکم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ج1ص126

[11]  – غرر الحکم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ۲۸۳

[12] – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٩٢

[13]  – الکافي،ج2ص115 ، تحف العقول، ج1ص56، بحار الأنوار،ج74ص159، عوالم العلوم،ج20ص851،

Play Video