تضيف التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط شكوكاً جديدة حول مسار الاقتصاد العالمي بالتزامن مع بدء صناع السياسات النقدية في تهيئة أنفسهم للخروج التدريجي من نوبات التضخم المرتفع دون إحداث ركود.
وفي هذا السياق، أبرزت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في تقرير لها، آثار مخاطر اتساع الحرب في منطقة الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي، موضحةً أنّ الخطر الأكبر يتمثّل في الارتفاع المستمر في أسعار النفط.
تنسحب التحذيرات التي أطلقها خبراء استراتيجيون في مجال الاستثمار، منذ نحو عام عند بدء الحرب في قطاع غزة، ومفادها أنّ “حرباً أوسع نطاقاً قد تندلع في الشرق الأوسط، ما يؤدي إلى تقليص إمدادات النفط العالمية، والتسبب بموجات صدمة في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي” على الوضع الراهن.
ونقلت الصحيفة عن المحللة السياسية العالمية السابقة في شركة Citi المالية التي تدير شركةً استشاريةً مستقلة، تينا فوردهام، قولها إنّ “المستثمرين بدؤوا أخيراً ينتبهون إلى الشرق الأوسط، بعد أن قرروا (في وقت سابق) أنّ الأحداث فيه لن تؤثّر في شيء”.
وأشارت فردهام إلى أنّ الظروف في الشرق الأوسط لم تنضج لتشكّل “عاصفةً” ذات مخاطر كبيرة في الاقتصاد في الوقت الحالي، لكنها حذّرت من أنّ “المخاطر تتجمّع معاً في وقت لم تشعر خلاله أنظمة السوق بالراحة بعد، لأنّنا تجنّبنا هبوطاً اقتصادياً حاداً”.
وأرسلت إسرائيل، التي تتقاتل مع حماس في غزة منذ ما يقرب من عام، قواتها إلى جنوب لبنان بعد أسبوعين من الضربات الجوية المكثفة، مما أدى إلى تصعيد الصراع في الشرق الأوسط.
يمكن شرح كيفية تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي في الأسابيع المقبلة على الشكل التالي:
تأثير الحرب الواضح حتى الآن
بحسب تقرير الصحيفة، فلا يوجد سوى القليل من التأثير خارج المنطقة المباشرة، مع اقتصار التأثيرات الرئيسية على الأسواق المالية حيث يقوم المستثمرون بتحوط محافظهم الاستثمارية بأصول الملاذ الآمن.
استفاد الدولار الأميركي منذ الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، حيث يتم تداول مؤشر الدولار، الذي يقيس العملة الأميركية مقابل اليورو والين وأربع عملات رئيسية أخرى، حول أعلى مستوياته في ثلاثة أسابيع.
ارتفعت أسعار النفط حوالي 2% يوم الخميس بسبب مخاوف من أن صراعاً أوسع قد يعطل تدفقات النفط الخام من المنطقة، على سبيل المثال إذا اختار الكيان الصهيوني استهداف البنية التحتية النفطية الإيرانية وهو ما قد يؤدي بدوره إلى الانتقام من إيران.
ولكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا سيترجم إلى نوع من الارتفاعات المستمرة والأكثر حدة التي يبدأ سائقو السيارات في ملاحظتها في مضخة الوقود.
ووفق تقرير لوكالة رويترز، يشير المحللون إلى أن الولايات المتحدة لديها مستويات عالية من مخزونات النفط الخام في حين أن الدول المنتجة في أوبك لديها ما يكفي من الطاقة الفائضة لتخفيف حدة تأثير الاضطرابات، على المدى القصير على الأقل.
كيف يتفاعل صناع السياسات الاقتصادية؟
وكما هو الحال دائماً، يؤكد محافظو البنوك المركزية على أن مهمتهم تتمثل في النظر إلى ما هو أبعد من الصدمات غير المتوقعة التي يتعرض لها الاقتصاد، والتركيز بدلاً من ذلك على الاتجاهات الأساسية الأعمق. لكنهم لا يستطيعون أن يتجاهلوا الأحداث الجيوسياسية تماماً.
قال محافظ بنك إنكلترا، أندرو بيلي، لصحيفة الغارديان إن البنك يمكن أن يتحرك بقوة أكبر لخفض أسعار الفائدة إذا استمرت الضغوط التضخمية في الضعف، مما يشير إلى أن محافظي البنوك المركزية في الوقت الحالي لا يرون أن الصراع في الشرق الأوسط يشكل تهديداً كبيراً لمحاولاتهم لتهدئة التضخم.
وقال بيلي إنه يبدو أن هناك التزاماً بالحفاظ على استقرار أسواق النفط، لافتاً إلى أن الصراع قد يدفع أسعار النفط للارتفاع إذا استمرت الأمور في التصاعد.
وألقى نائب محافظ البنك المركزي السويدي بير يانسون رسالة مماثلة، قائلاً إن آثار الصراع في الشرق الأوسط ليست كافية حتى الآن لتبرير التوقعات الاقتصادية المتناقضة.
من جانبه، حذر صندوق النقد الدولي، يوم الخميس، من أن تصعيد الصراع في الشرق الأوسط قد يكون له تداعيات اقتصادية كبيرة على المنطقة والاقتصاد العالمي، لكن أسعار السلع الأساسية تظل أقل من أعلى مستوياتها في العام الماضي.
وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي جولي كوزاك، إنه من السابق لأوانه التنبؤ بتأثيرات محددة على الاقتصاد العالمي.
متى يتضح تأثير التصعيد العسكري؟
في السياق، تبلغ العقود الآجلة لخام برنت حالياً حوالي 75 دولاراً للبرميل، أي أقل بكثير من مستوى 84 دولاراً وقت بدء الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول قبل عام تقريباً، وبعيداً عن أعلى مستويات 130 دولاراً التي وصلت إليها بعد الحربفي أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.
قد تتعرض أوروبا لارتفاع أسعار النفط لأنها، على النقيض من الولايات المتحدة، لا تملك إنتاجاً محلياً كبيراً من النفط.