اخر الاخبار
د. فاضل حسن شريف
مجلس عزاء بمناسبة استشهاد الامام الحسن المجتبى عليه السلام العاشر من صفر الخميس في مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية:
بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم فدعاء كميل والزيارة وكلمة قصيرة للدكتور فاضل حسن شريف عن الإمام الحسن عليه السلام، فمجلس العزاء للخطيب الشيخ حسن العامري، فصلاة المغرب، ومأدبة العشاء تبرعا من مؤسس المسجد الحاج عطا علي وآخرين وجلسة شاي.
بعد أن نعى الخطيب الشيخ حسن العامري في بداية ونهاية الخطبة التي كان موضوعها (مقامات الامامة عند الحسن والحسين عليهما السلام) قال الشيخ العامري: جاء في الحديث الشريف (الْحَسَنُ وَالْحُسَينُ إِمَامَانِ قَاما أَوْ قَعَدا) هنالك مقامات للإمامين الحسن والحسين عليهما السلام تدل على امامتهما منذ الصغر. المقام الأول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم جعل الحسن والحسين عليهما السلام شاهدان على معاهدة ثقيف وهي قبيلة مثل قريش كانت تقاتل المسلمين. وقريش عملت أيضا معاهدة مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها دخول المسلمين مكة وفيها اعطى الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم أموال الى أبو سفيان ومروان ليكف شرهم و الذين يسمون بالمؤلفة قلوبهم. وفي معاهدة ثقيف جعل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة شهود وهم أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام، مع العلم أن عمريهما لم يتجاوز الست سنوات، ولم يعترض الصحابة عليهما كونهما طفلين لمعرفتهم مقامهما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا يدل على أن الامامة ليس لها علاقة بالعمر وتحملهما لمسؤولية شهادة المعاهدة وعدالتهما ومعرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنهما لا تأخذهما الدنيا بهواها.
والمقام الثاني ادخال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن والحسين عليهما السلام وهما طفلان في شهادة صلح الحديبية “لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا” (الفتح 18) كما ذكرت ذلك روايات منها الطبراني والخطيب البغدادي. وهذا حصل مع عيسى عليه السلام “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا” (مريم 29-31). وكذلك النبي يحيى عليه السلام “يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا” (مريم 12). وفي حقيقة الأمر أن الله تعالى هو الذي أمر باختيار الحسن والحسين عليهما ليكونا شاهدين في صلح الحديبية.
أن الله تعالى أختار الحسن والحسين عليهما السلام في المباهلة “فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ” (آل عمران 61). و أن الله تعالى هو الذي أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بان يكون علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ضمن فريق المباهلة بكلمة “فقل” لانهم أفضل أهل الأرض وخير الدنيا، حتى أن اسقف نجران تراجع عن المباهلة عند سماعه بهؤلاء. قال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. ثم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم لا تباهلنا بمن آمن بك واتبعك من أصحابك؟ فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: أُباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض وأفضل الخلق. حتى أن الزمخشري ربط بين أصحاب المباهلة مع أصحاب الكساء لتأكيد الواقعتين.
والمقام الثالث هو آية التطهير “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا” (الأحزاب 33) التي شبه لعدد من المفسرين بأنها تخص كذلك نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كون الآية ضمن سياق الآيات التي تخص نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في حين انها جاءت بصيغة جمع “عَنكُمُ” و “وَيُطَهِّرَكُمْ” وليس بصيغة جمع نون النسوة “وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” (الأحزاب 33). ويدعون أن سارة زوجة ابراهيم عليه السلام هي من أهل بيت ابراهيم “قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ” (هود 73) والجواب هنالك زوجات مثل سارة هن من أهل النبوة وزوجات أنبياء لسن كذلك كما زوجة لوط عليه السلام “فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ” (النمل 57). وأورد حديث آية التطهير رواة يتضح فيه من هم المشمولون بآية التطهير: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا” (الأحزاب 33) في بيت أم سلمة فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله، قال أنت على مكانك وأنت على خير.
فالعلماء أكدوا أن آية التطهير بينت مكانة أهل البيت فيها وغيرها من الآيات “إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)” (الواقعة 77-79) المقصود المطهرون هم الذين يطهرهم الله تعالى. وكلمة المطهرون تختلف عن المتطهرين، والمس بمعنى حقيقة الشيء بحيث ان حكمة القرآن الكريم لا يفهمه الا المطهرون. ونزلت آية التطهير وكانا الحسن والحسين عليهما السلام صغيران أي أنهما يفهمان علم القرآن منذ الصغر ودليل على امامتهما. والله تعالى يختار من كان مؤهلا للامامة.
الله تعالى يتحدث في آية عن كرم أهل البيت “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)” (الانسان 8-9). وللواقعة قصة: مرض الحسن والحسين وهما صبيّان صغيران، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله مع بعض أصحابه، فقيل: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما. فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عزَّ وجلّ، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام، وقال الصبيّان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضّة. فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليٌّ إلى جار له من اليهود يقال له: شمعون، يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك ابنة محمّد بثلاثة أصوع من شعير؟. قال: نعم، فأعطاه، فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة عليها السلام فقبلت وأطاعت. ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمس أقراص، لكلّ واحد قرصاً. وصلّى عليّ مع النبيّ صلى الله عليه وآله المغرب، ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليٌّ إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة. وحصلت نفس الحالة ثلاث مرات بإطعام الثلاثة السائلين طعام أهل البيت.
من ألقاب الإمام الحسن عليه السلام كريم أهل البيت وله في ذلك قصص كثيرة عن كرمه. ولهذا لم يستطع معاوية وأصحابه تحمل حسنات الامام عليه السلام لكثرة سيئاتهم فحاول مرارا قتله الى أن دس سم شديد السمية فاستشهد سلام الله عليه.
كلمة للدكتور فاضل حسن شريف بعنوان (الامام الحسن المجتبى عليه السلام كريم أهل البيت):
ان المناسبات السنوية لاهل البيت عليهم السلام وقفة لاستذكار سلوكهم وخطبهم لتكون وعظا وهديا للبشرية. من ألقابه عليه السلام كريم أهل البيت. وردت كلمة كريم في عدد من الآيات القرآنية منها “غني كريم” فالله تعالى أغنى الأغنياء، “رسول كريم” تأتي بمعنى الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك بمعنى جبرائيل عليه السلام في آية أخرى، “ومقام كريم” وأفضل المقامات هي الجنة، “ورزق كريم” وكل الرزق من الله تعالى وأفضلها الرزق الكريم، “وأجر كريم” وأفضل أجر دخول الجنة، “لقرآن كريم” القرآن الكريم أفضل الكتب السماوية، “زوج كريم” فيه طيب الرائحة والعطر، “قولا كريما” أفضل القول هو للوالدين ، “مدخلا كريما” أفضل المداخل هو مدخل الجنة. وأكرم أهل البيت هو الامام الحسن المجتبى عليه السلام ولو أنهم جميعا كرماء، ولكن لكل امام له ميزة عن الآخر مثل أمير المؤمنين وسيد الشهداء وزين العابدين وباقر علوم الأولين والآخرين.
فالامام الحسن عليه السلام هو مصداق الآية الكريمة “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (الحشر 9)، و “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا” (القلم 8-9) . فكان عليه السلام لا ينتظر السائل حتّى يسأله، ويرى ذل المسألة في وجهه، بل يبادر إليه قبل المسألة فيعطيه.
روي أنّه عليه السلام اشترى بستاناً من قوم من الأنصار بأربعمِائة ألف، فبلغه أنّهم احتاجوا ما في أيدي الناس، فردَّه إليهم. روي أنّه قيل ذات مرّة للإمام عليه السلام: لأيِّ شيء لا نراك تردُّ سائلاً ؟ فقال عليه السلام: (وإنَّ الله عَوَّدني عادة، أن يفيض نعمه عليّ، وعَوَّدتُه أن أفيض نِعَمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة).