د. فاضل حسن شريف
مجلس عزاء بمناسبة استشهاد الامام الحسن العسكري الذي اقامه مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة تورنتو الكندية ليلة الجمعة 8 ربيع الأول:
قرأ دعاء كميل ثم نعى الخطيب الشيخ حسن العامري في بداية ونهاية الخطبة التي كانت بعنوان (علم غيب الأئمة عليهم السلام) بعدها أذن لصلاة المغرب فمأدبة العشاء والحلويات والشاي تبرعا من مؤسس المسجد الحاج عطا علي.
قال الخطيب الشيخ حسن العامري عن الزيارة الجامعة للإمام الهادي عليه السلام (اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لدينه، واختاركم لسره). إن من العوامل التي تربطنا بأهل البيت وتزيدنا التمسك بهم الغوص في معرفة أهل البيت، فكلما ازدتنا بمعرفتهم كلما ازداد قربنا بهم وبالتالي قربنا الى الله تعالى لانهم الوسائل التي توصلنا الى الله عز وجل، وعن طريق أدعيتهم وأخلاقهم وسلوكهم وعلاقتهم بالقرآن. وأحد هؤلاء الأئمة هو الامام الحسن العسكري عليه السلام. فقد ولد الإمام في الشهر العاشر من سنة 232 هجرية واستشهد في سنة 260 هجرية عند عمر 28 سنة وهو في عز شبابه وبلغت إمامته ست سنوات.
للإمام العسكري عليه السلام عدة ألقاب منها الزكي والنقي والعسكري، وكل لقب يدل على صفة معينة، ومنها أنه يخبر ما في صدور وعقول الناس. وبذلك كان طواغيت عصره لا يرغبون بحامل هذه القيم. و كان علماء الحكام يدعون لا يعلم الغيب الا الله “إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” (فاطر 38) ليبعدوا الناس عن أئمة الحق. وهذا صحيح من ناحية علم الغيب الذاتي ولكن علم غيب الأئمة عليهم السلام هو علم غيب لدني أي من لدن الله يعلمه لمن يشاء من عباده “عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا” (الجن 26-27). ولكن هنالك روايات من مذاهب إسلامية مختلفة تؤكد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يعلمون الغيب كما في رواية سارية الجبل. فاذا كان الأمر كذلك لأصحابه فلماذا أمر الغيب لا يطبق على أئمة أهل البيت عليهم السلام؟ في حين أن الأمام علي عليه السلام له خطب تشير عما يحصل في المستقبل من لدن الله تعالى “عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (التغابن 18) وعلم الله تعالى علم ذاتي لا يأخذه من أحد بل الأخرين الذين يرتضيهم الله عز وجل يأخذون العلم منه سبحانه “إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا” (الجن 27)، و “رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ” (التوبة 100). وعبر الله تعالى عن مثل هذا الرضا عن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم “وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ” (الضحى 5). ويطبق ذلك الرضا على أهل بيته عليهم السلام لأنهم يحبهم يحبونه.
معنى الوحي هو الإخبار عن الغيب. والوحي لا يقتصر على الأنبياء والرسل انما يخص بشر آخرين يختصهم الله تبارك وتعالى “وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ” (الشورى 51) كما حصل لام موسى “وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ” (القصص 7). وكذلك حصل لمريم عليها السلام. وهكذا عيسى عليها السلام كان عنده علم غيب من لدن الله تعالى “وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ” (آل عمران 49). وفي سورة يوسف “وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ” (يوسف 36-37)، و “يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ” (يوسف 41).
الله تعالى هو الذي ينصب الامام عن طريق الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد نصب عليا عليه السلام ثم الحسن والحسين عليهما السلام الى الامام الحجة عجل الله فرجه. ان الامام أعلم أهل زمانه علما لدنيا وليس علما تعليميا. ونعتقد كذلك أن الامام أشجع وأكرم أهل زمانه ويعرف لغات البشر، فالامام علي عليه السلام عندما تكلم مع شخص من بلاد فارس بلغته الفارسية ولكن الناس لا يشعرون سبب ذلك “وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ” (الاسراء 44). سليمان عليه السلام كان يفهم لغة النمل “وَقَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡ” (النمل 16).
من كرامات الامام الحسن العسكري عليه السلام: عن أبو هاشم الجعفري قال: شكوت إليه قصور يدي فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالسا فناولني منه كفا وقال: اتسع بهذا، فقلت لصائغ: اسبك هذا فسبكه وقال ما رأيت ذهبا أشد منه حمرة. داود بن القاسم الجعفري قال: دخلت عليه بسر من رأى وانا أريد الحج لا ودعه فخرج معي فلما انتهى إلى آخر الحاجز نزل ونزلت معه فخط بيده الأرض خطة شبيهة بالدائرة ثم قال لي: يا عم خذ ما في هذه يكون في نفقتك وتستعين به على حجك فضربت بيدي فإذا سبيكة ذهب فكان منها مائتا مثقال. ومن علمه بالغيب و كراماته: أن المطر تأخر سنة عن سامراء حتى شكى الناس العطش والقحط، فصاروا يخرجون بزعامة الخليفة العباسي لصلاة الاستسقاء فلا يجاب لهم. إلى أن خرج النصارى بزعامة عالمهم الجاهلية وإذا السماء تهطل بالمطر بمجرد أن رفع يده بالدعاء نحو السماء. فعظم ذلك على المسلمين وشك بعضهم ومال آخرون إلى دين النصرانية، فلجأ الخليفة إلى الإمام العسكري وهو في السجن، فقال له: أدرك أمة جدك محمد فإن الأمر كذا وكذا. فخرج هو (ع) في اليوم التالي إلى الاستسقاء وخرج النصارى أيضاً. فأمر الإمام بعض أصحابه أن يقبض على يد الجاثليق ويأخذ ما فيها. فلما رفع الجاثليق يده بالدعاء قبض الرجل على يده فأخرج منها قطعة عظم أسود فانقشعت الغيوم وطلعت الشمس فعلم الناس أن المطر كان بسبب ذلك العظم. فلما سئل الامام عن سر ذلك العظم قال: إنها قطعة من عظام بعض الأنبياء حصل عليها ذلك النصراني ومن خواص عظام الأنبياء أنها إذا كشفت تحت السماء هطل المطر. وبذلك زال الشك وكشف الحق. ثم صلى الإمام صلاة الاستسقاء فسقوا الغيث ببركته.