د. فاضل حسن شريف
مجلس عزاء حسيني مساء التاسع من محرم الاثنين في مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية:
بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم من قبل بعض الحضور لمدة ساعة بأشراف السيد عبد السلام الموسوي، فمجلس العزاء للخطيب الشيخ حسن العامري، فترديد قصائد حسينية للسيد حيدر العوادي والزيارة، فصلاة المغرب، ومأدبة العشاء تبرعا من مؤسس المسجد الحاج عطا علي وآخرين وجلسة شاي.
بسم الله الرحمن الرحيم “وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ ۚ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” (الأنعام 72) بعد أن نعى الشيخ العامري في بداية ونهاية الخطبة ابتدأ الخطيب الشيخ العامري خطبته الارتجالية بهذه الآية المباركة والتي كان موضوعها (الفرق بين أداء واقامة الصلاة) وقال هنالك فرق بين أداء الصلاة واقامة الصلاة. الناس تؤدي الصلاة، وهؤلاء ليس كلهم يقيمون الصلاة. مفهوم اقامة الصلاة بمضمونه العام يعني أن تكون حركة الانسان خاضعة لمفهوم ومبدأ الصلاة كفرد وربما على مستوى جماعي “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ” (الحج 41). عندما يقيم الفرد صلاته يعني تحويل حياته الى صلاة. وهذا يحصل على صور. الصورة الاولى للصلاة هي الصورة النظرية التي تشمل التكبيرات والركوع والسجود وغيرها، أما الصورة العملية هي أن تحول حياتك الى صلاة.
من المعروف أن من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة فإذا انحرفت عن القبلة فصلاتك لا تقبل. فهذا الشرط يمثل أداء الصلاة وليس الأقامة. فاذا أردنا أن نحول الشرط الأدائي مثل القبلة الى أقامة نجعل قبلتنا في الحياة هي الله تعالى “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا” (فصلت 30) استقاموا أي توجهوا الى الله سبحانه بدون انحراف “وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (الانعام 79)، و ” قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (الانعام 162).
من شروط صحة الصلاة الانقطاع إلى الله. بعد تكبيرة الإحرام فانك لا تستطيع أن تتكلم الا مع الله عز وجل. أما في الحياة الدنيا فما عليك الا ان تنقطع إلا الله تعالى ولا تسأل أحدا غيره. فالذين يسألون غير الله تنطبق عليهم الآية المباركة “وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا” (الفرقان 3)، و “وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ” (يوسف 106) وهذا التطبيق العملي مع الله في الحياة. يقول أمير المؤمنين عليه السلام في المناجاة الشعبانية ( الهي هب لي كمال الانقطاع اليك وانر ابصار قلوبنا بضياء نظرها اليك حتى تخرق ابصار القلوب حجب النور فتصل الى معدن العظمة وتصير ارواحنا معلقة بعز قدسك. الهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سرا وعمل لك جهرا).
تكبيرة الإحرام شرط من شروط الصلاة بينما الأذان والإقامة مقدمات الصلاة المستحبة. تكبيرة الاحرام يعني اللحظة الفاصلة بين عالم المادة الى عالم الالهيات والملكوت. ان الامام زين العابدين عليه السلام سقط ابنه في البئر خلال الصلاة وهو لا يعلم كونه منشغل كليا بعالم الملكوت خارجا عن عالم الدنيا المادي. الإحرام يعني اشياء تحرم عليك فعلها كما في احرام الصلاة أو احرام الحج. الله أكبر يعني اختيار وتفضيل الله تعالى على نفسي وأولادي وأهلي فهو الأكبر منهم جميعا ومن كل شيء. الله أكبر يعني لا يشارك الله أحد في هذا الكون.
الانسان المؤمن عليه أن يذوب ويفنى في ذات الله. قال أمير المؤمنين عليه السلام (فيا من توحد بالعز والبقاء، وقهر عباده بالموت والفناء) الموت يختلف عن الفناء، فالفناء يقابله البقاء، فالله تعالى كل شيء في الوجود وهو الباقي وكل شيء آخر فان (لا حول ولا قوة إلا بالله) وكما قال الامام زين العابدين عليه السلام (فإنه لا حول ولا قوة إلا بك). الانسان اذا عرف هذا المعنى أي عرف أن الله هو كل شيء فهذه هي اقامة الصلاة العملية “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” (الطلاق 2-3) والا تطبق على الانسان الآية المباركة “لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ” (الحشر 139). يقول أمير المؤمنين عليه السلام: أي يومي من الموت أفر * يوم لا يقدر أم يوم قدر. قال الله تعالى “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ” (الحج 40)، و “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ” (البقرة 249).
قال الامام علي عليه السلام: من أراد عِزًّا بلا عشيرة وغنى بلا مال وهيبةً بلا سلطان فليخرج من ذلّ معصية الله إلى عزِّ طّاعته. يقول الله سبحانه وتعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ” (المائدة 54) فاعداء الدين المرتدين يستبدلهم الله جل جلاله بقوم مؤمنين مجاهدين أعزة على الكافرين.
قال الحسين عليه السلام لأصحابه في ليلة العاشر من محرم (القوم لا يريدون غيري ولو قتلوني لم يبتغوا غيري أحداً فإذا جنّكم الليل فتفرقوا في سواده وانجوا بأنفسكم) فأجابوه (لا أرانا الله ذلك أبداً، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك). قال الله تعالى “قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ” (الشورى 23).