اخر الاخبار
د. فاضل حسن شريف
مجلس عزاء حسيني مساء الثاني عشر من محرم الخميس في مسجد الإمام الحسين عليه السلام:
بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم من قبل بعض الحضور لمدة ساعة بأشراف السيد عبد السلام الموسوي، فمجلس العزاء للخطيب الشيخ حسن العامري، فترديد قصائد حسينية للسيد حيدر العوادي والزيارة، فصلاة المغرب، ومأدبة العشاء تبرعا من مؤسس المسجد الحاج عطا علي وآخرين وجلسة شاي.
بعد أن نعى الشيخ العامري في بداية ونهاية الخطبة التي كان موضوعها (علم العقيلة زينب عليها السلام) وقال: قال الإمام علي زين العابدين لعمته الحوراء زينب عليهما السلام (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة) هنالك علمان علم لدني نازل وعلم مكتسب “وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا” (الكهف 65). والعلم النازل في القرآن الكريم جاء بمصاديق مختلفة منها علم الكتاب “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” (الجمعة 2)، و “قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” (الرعد 43)، و “بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ” (العنكبوت 49). أما العلم المكتسب الذي يؤخذ من المدرسة أو من جهة تعليمية والذي يمثل جل العلم الذي يحصله الناس عدا العلم النازل لناس يحددهم الله تعالى والآتي منه سبحانه أي علم الله.
قال الله عز وجل “إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80)” (الواقعة 77-80) المطهرون في تفاسير أهل البيت الذين هم نزلت بهم آية التطهير “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا” (الأحزاب 33). توجد في القرآن سنخية بين القرآن والذين طهرهم الله تعالى “رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ” (البينة 2-3)، و “فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)” (عبس 13-16). القرآن لا يفهمه الا من هو من جنس القرآن أي الذي يؤتى بالصحف يكون مكرم ومطهر والذي يأتي به جبرائيل مكرم “إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ” (التكوير 19).
جاء في زيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (فبلغ الله بك أشرف محل المكرمين) القرآن مكرم انزله مكرم وانزل على مكرم. وجاء في الزيارة الجامعة (والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله ونهيه، وعباده المكرمين، لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون). القرآن نور ونزل على نور (خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين).
علم زينب عليها السلام علم نازل لانها من سنخ المطهرين والمكرمين والموحدين. كان أبوها أمير المؤمنين عليه السلام أمير الموحدين حيث له أكثر من خمسين خطبة في توحيد الله عز وجل وهو القائل (التَوْحِيدُ: أن لا تَتَوَهّمَه، والعَدْلُ أنْ لا تَتَهِمَه). وكانت زينب سنخ ابيها أمير المؤمنين عليهما السلام. ومعنى الواحد أي “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ” (الشورى 11). والمعنى الثاني للواحد صفاته عين ذاته. والمعنى الثالث للواحد أي غير متجزأ “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ” (الاخلاص 1-2) الصمد هو تعريف للأحد أي ليس له جسم وليس له أجزاء.
خطبت زينب عليها السلام في الكوفة وفيها نبرة الأخلاق والشجاعة تشبه بذلك أبيها أمير المؤمنين عليه السلام (يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر). قال ابن زياد: كيف رأيتِ فعل الله بأهل بيتك؟ فقالت: ما رأيتُ إلّا جميلاً، هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتختصمون عنده، فانظر لمن الفلجُ يومئذٍ، ثكلتك أمّك يابن مرجانة.
قامت زينب بنت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في مجلس يزيد وقد سَمِعَته يقرأ ابيات: ليتَ أشياخي ببـدرٍ شَهِـدوا جَزَعَ الخزرجِ مِن وَقْعِ الأسَلْ فأهَلَّـوا واستَهـلُّـوا فَرَحـاً ثمّ قالـوا: يا يزيـدُ لا تُشَلّْ لستُ مِن خِنْدَفَ إنْ لم أنتقـمْ مِن بني أحمدَ ما كان فَعَـلْ. فقالت زينب عليها السّلام في خطبتها تلك: الحمد للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى الله على رسوله وآله أجمعين. صدق الله كذلك يقول: ثُمّ كانَ عاقبةَ الذينَ أساؤوا السُّوأى أنْ كَذَّبوا بآياتِ اللهِ وكانُوا بها يَستهزِئُون. أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة؟ وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده فشَمَختَ بأنفِك، ونظرتَ في عِطفِك، جَذلانَ مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مُستَوسِقة، والأمورَ مُتَّسِقة، وحين صفا لك مُلكنا وسلطاننا. مهلاً مهلا أنَسِيتَ قول الله تعالى: ولا يَحسَبنَّ الذين كفروا أنّما نُملي لَهُم خيرٌ لأنفسِهِم، إنّما نُملي لَهُم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين؟ أمِن العدلِ، يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرُك حَرائرَكَ وإماءَك وسَوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هُتِكت سُتورُهنّ، وأُبدِيت وجوهُهنّ؟ تَحْدُو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهنّ أهلُ المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوهَهنّ القريب والبعيد والدنيّ والشريف ليس معهنّ مِن رجالهنّ وَليّ، ولا مِن حُماتِهنّ حَمِيّ، وكيف يُرتجى مراقبةُ مَن لفَظَ فُوهُ أكبادَ الأزكياء، ونَبَت لحمه بدماء الشهداء؟ وكيف يستبطئ في بُغضنا أهلَ البيت مَن نظرَ إلينا بالشَّنَف والشَّنآن، والإحَن والأضغان ثمّ تقول غيرَ متأثّم ولا مُستعظِم.