اخر الاخبار

د. فاضل حسن شريف
مجلس عزاء حسيني مساء الثاني من محرم الاثنين في مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورنتو الكندية:
بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم من قبل بعض الحضور لمدة ساعة بأشراف السيد عبد السلام الموسوي، فمجلس العزاء للخطيب الشيخ حسن العامري، فترديد قصائد حسينية للسيد حيدر العوادي والزيارة، فصلاة المغرب، ومأدبة العشاء تبرعا من مؤسس المسجد الحاج عطا علي وجلسة شاي.
بسم الله الرحمن الرحيم “فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّه” (الزمر 22) ابتدأ الخطيب الشيخ العامري خطبته الارتجالية بهذه الآية المباركة والتي كان موضوعها (علاج قسوة القلب) وقال ان الأحكام بالاسلام تنقسم الى قسمين: الأول هي الأحكام التكوينية والتي يشترك فيها الحيوان مع الانسان مثل الحفاظ على النوع والطعام والشراب والغضب والتناسل، فعند الجوع تحتاج الى طعام وعند الغضب عليك أن تدافع على نفسك. أما القسم الثاني هي الأحكام التشريعية كالصلاة والصوم والحج والزكاة. والسؤال هل يشعر الإنسان بلذة في الأحكام التشريعية؟ النوع الأول من الناس يشعر بلذة عند اداء العبادات مثل الصلاة “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” (الأنفال 2)، و “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ” (البقرة 45). وجاء في الحديث (أرحنا بها يا بلال) أي الصلاة. النوع الثاني من الناس يشعرون هم على صدورهم عند العبادة “وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ” (النساء 142)، و “فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ” (الماعون 4-5) ما هي الأسباب التي تجعل الانسان يصلي بتثاقل وكراهية؟ سببها الأساس قساوة القلب ومرض الروح الذي يختلف عن مرض الجسد الذي خلاله يكره الشهية للأكل. وهكذا اذا مرض القلب فالانسان لا يشتهي الصلاة والصوم، فيصلي مثل نقر الغراب “ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً” (البقرة 74)، و ” وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ” (الزخرف 36). والانسان القاسي القلب دائما يشعر بعدم الارتياح “أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” (الرعد 28). كلما قسى القلب يبتعد الإنسان عن الله تعالى.
أعراض مرض القلب أو الروح غير واضحة المعالم عكس مرض الجسد. وعلاج مرض الروح صعب يحتاج الى اصرار وجهاد الى آخر العمر. ما هي علامات قسوة القلب؟ علاماتها على درجات “بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ” (المطففين 14) ران أي أصبح كالحجارة. قال الإمام الحجة عجل الله فرجه: يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً. ومن علامات قساوة القلب الصلاة “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ” (المؤمنون 1-2)، “الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ” (المعارج 23) أي دائمون على الصلاة المستحبة، و “وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ” (المؤمنون 9) أي يحافظون على أوقات الصلاة ليطمئنوا بذكر الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله عن مواقيت الصلاة وعلاقتها بحركة الشمس (كنا مرة رعاة الإبل فصرنا اليوم رعاة الشمس).
العلامة الثانية هي الدعاء ومعناه الخضوع والخشوع لوجود حاجة حقيقية لله تعالى “يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا” (السجدة 16). المقصود بالقلب السليم أي ليس فيه سوى الله تعالى. من أصحاب القلوب السليمة الموحدة إبراهيم عليه السلام. يقول الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء أبو حمزة الثمالي (يا رَبِّ هذا مَقامُ مَنْ لاذَ بِكَ، وَاسْتَجارَ بِكَرَمِكَ). العلامة الثالثة قراءة القرآن فانها تؤثر على المؤمن حتى على جوارحه مثل قشعريرة جلده “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّه” (الزمر 23)، و “وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ” (المائدة 83). نقرأ القرآن لنتعلم أحكامه ونأخذ منه السلوك والواجبات مما يزيد تعلقنا بالله تعالى. يقول المرحوم الشعراوي في تفسير الحمد بأنه شعور في القلب نحو الخالق وليس شعور ظاهري “يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ” (الروم 7). المؤمن الحقيقي اذا أذنب لا يستطيع النوم ويشعر بالندم. عن الامام الصادق عليه السلام (المؤمن إذا أذنب كان ذنبه كصخرة ثقيلة على صدره، متى يرميها ويستريح، والمنافق إذا أذنب كان الذنب كذبابة مرت على أنفه فأبعدها). وعنه عليه السلام (من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن). ومن القساوة العين التي لا تبكي على الحسين عليه السلام. يقول أمير المؤمنين عليه السلام (ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب).