حسين فرحان
ما يميز المجتمعات الشيعية الكريمة أنها تحافظ على أصالة الانتماء، وهي غير قابلة للتأثر بالعواصف الفكرية والحروب النفسية التي أسقطت غيرها من المجتمعات و تركتها قابعة خلف أسوار الانحلال واليأس والرضا بواقع الحال والثرثرة من غير طائل، والحكم على كل حركة تحررية ثائرة بأنها (مسرحية)..
فإطلاق هذه الكلمة يستبطن وجود عقدة نقص كبيرة لدى من يخالف الشيعة، ومن حيث عدم القدرة على استيعاب ما يجري وعدم القدرة على مجاراة الواقع أو المساهمة فيه بشكل فعال لم يعد لهؤلاء من شيء سوى إطلاق هذا اللفظ..
الفرق بين الشيعي وغيره من طوائف المسلمين هو امتلاكه لروح متصلة بالفكر والمعتقد والموروث الديني بشكل متجدد عبر وسائل لا يمتلكها الآخر الذي لم يعد يملك من الإسلام سوى الاسم ومن القرآن سوى الرسم..
الفرق بين الشيعي وغيره هو عدم الاستغراق في موبقات الغناء والرقص ومجالس اللهو على طول أيام السنة كما هو حال سائر الناس من غير طائفته حيث تجذرت الثقافة الأموية في عقولهم وقلوبهم فصار شعارهم (ساعة للقلب وأخرى للرب)، في حين تجد أن المجتمعات الشيعية على تواصل تام مع تلك الحياة المعصومة التي كانت تفيض علما وعطاء وزهدا فلم تتأثر بما يجري في أروقة قصور الملوك في زمانها..
أن ارتباط الشيعة بأهل البيت (عليهم السلام) عبر إحياء أمرهم وقصد القربة لله تعالى بمودتهم منحهم الحصانة الكافية لمواجهة كل محاولات الاذلال والخنوع والخضوع والتطبيع ليس مع الكيان الغاصب فحسب بل مع كل ما يخرج الانسان السوي من فطرته و ما جبل عليه..
لذلك – وبعد أن عجز هؤلاء- عن فهم وإدراك كنه هذا الأمر لم يكن بأيديهم سوى إطلاق لفظ (مسرحية) على كل مواجهة شريفة نقية تحمل في طياتها إرثا نقيا وعقيدة بنيت بشكل دقيق منذ أنس الرضع بمحالب الأمهات وهن يرضعنهم حب علي وعشق الشهادة ورفض الظلم وروح الإيثار وطاعة من افترض الله تعالى عليهم طاعته..
فرق كبير بين من يولد في بيت ينصب للحسين (عليه السلام) العزاء في كل عام ويستلهم منه الإباء في كل حين، وبين من يولد في بيت ليس له سوى منهج معاوية وطبول يزيد وحب الدنيا سبيلا للحياة، وأي حياة بائسة تلك التي تكون ركائزها هذه الرموز الغارقة في وحل الرذيلة!!
إن انطلاق الانسان من مبدأ عقائدي راسخ مع التزام تام بالثوابت لن يجعل الدنيا أكبر همه و سيعمق إيمانه بحياة أخرى غير هذه الحياة، لذلك سيرفض التطبيع والخضوع لأنه – وبكل بساطة- يعرف قيمة نفسه و يعلم جيدا أن عقيدته التي نمت زائدة في كل عام لم تكن وليدة وجوده المادي الجسماني فحسب بل هي المرتبطة بعالم الذر والمنتقلة عبر الزمن تحمل عطر الإيمان والولاء، فلا يليق بها إلا أن تكمل سيرها وتنتهي بأبهى صورة لها..
الذين يصفون مواجهة الشيعة للكيان الغاصب بأنه مسرحية لا يعرفون حجمهم في هذا الوجود إن كان لهم حجم أصلا، وبما أنهم توارثوا الخنوع واستكانوا للظلم جيلا بعد جيل فلا نستغرب أن يصدر عنهم هذا الانطباع لأنهم ينظرون للناس بما ينظرون هم لأنفسهم حيث تشهد حياتهم آلاف التمثيليات والمسرحيات التي تقلب الحقائق وتزيف الواقع من أجل حفنة من المال أو (عفية) من السلطان.