يحظى مشروع كنيسة النبي إبراهيم في محافظة ذي قار جنوبي العراق بأهمية كبيرة لأنه يتضمن معالم ذات رموز دينية وتاريخية تصب في مصلحة تعزيز قطاع السياحة على المستويين المحلي والدولي، وتترك آثاراً إيجابية على المجتمع.
أستهل المشروع عام 2022، ويُتوقع أن تفتتح الكنيسة العام المقبل بعدما بلغت أعمال التشييد المراحل النهائية.
جاءت فكرة إنشاء كنيسة النبي إبراهيم حين زار البابا فرنسيس مدينة أور الأثرية في مارس/ آذار 2021، كونها مسقط رأس النبي إبراهيم، بحسب ما يؤكد مؤرخون يستندون أيضاً إلى ما ذكره الإنجيل. لكن البابا فرنسيس لم يجد في مدينة أور التاريخية كنيسة لإقامة قداس، لا سيما أن محافظة ذي قار التي لم يعد يسكنها مسيحيون بفعل سلسلة الهجرات التي تلت الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ودفع ذلك القس العراقي أدور فتوحي إلى التبرع لبناء كنيسة في أرض تبرّع بها أحد سكان مدينة أور التاريخية.
ويندرج مشروع كنيسة النبي إبراهيم ضمن حزمة مشاريع سياحية في مدينة ذي قار، بحسب ما يقول الخبير السياحي شاكر العرداوي ما يصب في صالح تعزيز قطاع السياحة في ذي قار والعراق عموماً.
ويتوقع العرداوي أن يدفع المشروع أهالي ذي قار إلى إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة، علماً أن مستثمرين يستعدون لإنشاء فنادق ومطاعم ومرافق سياحية وخدماتية مختلفة. ويقول: “عند اكتمال المشروع ستستقبل الكنيسة أكثر من مليوني حاج سنوياً سيزورون معبد زقورة أور التي تمثل مركز حجّ للمسيحيين”.
ويعد معبد زقورة أور من أقدم المعابد التي بقيت في العراق، وبناها الملك السومري أور نمو، مؤسس سلالة أور الثالثة، وأعظم ملوكها عام 2100 قبل الميلاد. وهو يمثل اليوم أهم الرموز التاريخية في مدينة أور التي تستعد لافتتاح مشروع سياحي كبير.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني دشن المرحلة الأولى من مشروع مدينة أور السياحية في أغسطس/ آب الماضي، والتي تضمنت إنشاء المركز الثقافي والمسرح السومري المفتوح، والمسرح المغلق، ومركز حوار الأديان، والجناح الإداري الذي يحتوي على قاعات اجتماعات.
وأعلن السوداني في هذه المناسبة إطلاق أعمال تنفيذ مشروع متحف أور العالمي، وفندق سياحي بسعة 400 غرفة، ومدينة الإنتاج الدرامي، ومشروع مسجد “خاتم الأنبياء”، ومشروع إنشاء سوق تراثي.
إلى ذلك يتواصل العمل لإنهاء مشروع مطار الناصرية الدولي في ذي قار من أجل استقبال أفواج من السياح والزوار.
يتحدث الناشط أسعد إيشو عن أن “مشروع كنيسة النبي إبراهيم في أور سيكون بوابة لتعزيز السلام والاستقرار في العراق، ويشجع على عودة أعداد كبيرة من العراقيين المهاجرين الذين نزحوا بسبب ثلاثة عقود من الحروب والإرهاب، خاصة المسيحيين”.
يضيف: “يُعرف العراق بنسيجه الاجتماعي المختلط الذي يتألف من أديان وطوائف وأعراق عدة. وهذه المشاريع تعزز تماسك هذا النسيج”.
وسيضع المشروع ذي قار على خريطة السياحة الدينية الدولية، وسيجعله محط جذب كبير للحجاج والزوار من مختلف الأديان السماوية التي تعتبر نبي الله إبراهيم شخصية رئيسية، بحسب ما يقول المتخصص في التراث العراقي ستار البغدادي الذي يضيف: “تُعرف ذي قار بأنها موطن الحضارات القديمة، مثل السومرية، ومسقط رأس النبي إبراهيم. وربط هذه المواقع التاريخية بالمشروع يُعزز جاذبية المنطقة للزوار الذين يهتمون بالتاريخ والتراث”.
ويقول الصحافي مجيد العبادي، وهو من سكان ذي قار: “سيكون سكان محافظة ذي قار الأكثر انتفاعاً من المشروع الذي سيجعل مدينتهم تحظى بشهرة عالمية، وتصنّف بأنها مركز سياحي ذات أهمية كبيرة”.
يضيف: “سيُعيد مشروع كنيسة أور شيئاً من عظمة مدينة ذي قار التي احتضنت حضارات لها فضل عظيم على العالم. معبد زقورة أور السومري أهم معلم تاريخي معروف اليوم، لكن كثيرين لا يعلمون أن في ذي قار أكثر من 1200 موقع آثري من حقب تاريخية مختلفة تعود إلى عهود سومر وأور ولكش وغيرها وصولاً إلى العهد الإسلامي”.
يتابع: “تحتضن المدينة مواقع أثرية تعتبر من بين الأغنى في العالم، بحسب ما يؤكد علماء آثار عالميين، ليس فقط بسبب قدمها، بل لأنها تكشف تطوراً علمياً وثقافياً واجتماعياً كبيراً في حقب ما قبل الميلاد، من بينها أقدم محكمة في التاريخ”.
من هنا يرى العبادي أن ذي قار مقبلة على تغيير إيجابي كبير سيكون مردوده أكبر لسكانها، وهذا ما يؤكده أيضاً أحمد الغزي، أحد سكان المدينة، الذي يشير إلى أن أسعار العقارات التي تحيط بالمشروع، خاصة الأراضي الزراعية، بدأت ترتفع.
ويقول: “يبني الأهالي في ذي قار آمالاً كبيرة على المشروع الكبير الذي يمكن أن يوفر آلاف فرص العمل. ويشتري مستثمرون مساحات كبيرة من الأراضي في محيط المشروع، ما يعكس حقيقة أن كثيرين باتوا مقتنعين بأن حركة سياحية كبيرة ستنشأ في المكان، ما يتطلب إنشاء مرافق سياحية وخدماتية مختلفة”.