اخر الاخبار

مفهوم دار السلام في القرآن الكريم (ح 1)‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله جل علاه “لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” ﴿الأنعام 127﴾ دار اسم، السَّلَامِ: ال اداة تعريف، سَّلَامِ اسم. دارُ السَّلامِ: الجنة. للمتذكرين عند ربهم جل وعلا يوم القيامة دار السلامة والأمان من كل مكروه وهي الجنة، وهو سبحانه ناصرهم وحافظهم جزاءً لهم؛ بسبب أعمالهم الصالحة. قوله سبحانه “وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” ﴿يونس 25﴾ دارِ السَّلامِ: الجنة لسلامتها من الآفات و النقائص. والله يدعوكم إلى جناته التي أعدها لأوليائه، ويهدي مَن يشاء مِن خَلْقه، فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام.

جاء في معاني القرآن الكريم: سلم السلم والسلامة: السلامة من الآفات الظاهرة والباطنة، قال: “بقلب سليم” (الشعراء 89)، أي: سالم من الدغل، فهذا في الباطن، وقال تعالى: “مسلمة لا شية فيها” (البقرة 71)، فهذا في الظاهر، وقد سلم يسلم سلامة، وسلاما، وسلمه الله، قال تعالى: “ولكن الله سلم” (الأنفال 43)، وقال: “ادخلوها بسلام آمنين” (الحجر 46)، أي: سلامة، وكذا قوله: “اهبط بسلام منا” (هود 48).

وعن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل علاه “لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” ﴿الأنعام 127﴾ “لهم دار السلام” أي: للذين تذكروا وتدبروا، وعرفوا الحق وتبعوه، دار السلامة الدائمة الخالصة، من كل آفة وبلية، مما يلقاه أهل النار، عن الزجاج، والجبائي. وقيل: إن السلام هو الله تعالى، ودار الجنة، عن الحسن، والسدي “عند ربهم” أي: هي مضمونة لهم عند ربهم، يوصلهم إليها لا محالة، كما يقول الرجل لغيره: لك عندي هذا المال أي: في ضماني. وقيل: معناه لهم دار السلام في الآخرة، يعطيهم إياها “وهو وليهم” يعني الله يتولى إيصال المنافع إليهم، ودفع المضار عنهم. وقيل: وليهم ناصرهم على أعدائهم. وقيل: يتولاهم في الدنيا بالتوفيق، وفي الآخرة بالجزاء “بما كانوا يعملون” المراد جزاء بما كانوا يعملون من الطاعات، فحذف لظهور المعنى، فإن من المعلوم أن ما لا يكون طاعة من الأعمال، فلا ثواب عليه.. قوله سبحانه “وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” ﴿يونس 25﴾ ولما بين سبحانه أن الدنيا تنقطع وتفنى بالموت كما يفنى هذا النبات بفنون الآفات ونبه على التوقع لزوالها والتحرز عن الاغترار بأحوالها رغب عقيبه في الآخرة فقال: “والله يدعوا إلى دار السلام” قيل: إن السلام وهو الله تعالى فإن الله تعالى يدعو إلى داره وداره الجنة عن الحسن وقتادة وقيل دار السلام الدار التي يسلم فيها من الآفات عن الجبائي والسلام والسلامة واحد مثل الرضاع والرضاعة قال: تحيا بالسلامة أم بكر *  وهل لك بعد رهطك من سلام. وقيل: سميت الجنة دار السلام لأن أهلها يسلم بعضهم على بعض والملائكة تسلم عليهم ويسلم ربهم عليهم فلا يسمعون إلا سلاما ولا يرون إلا سلاما و يعضده قوله “تحيتهم فيها سلام” وما أشبهه “ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم” قيل: يهدي من يشاء إلي الإيمان والدين الحق بالتوفيق والتيسير والألطاف وقال الجبائي: يريد به نصب الأدلة لجميع المكلفين دون الأطفال والمجانين وقيل: معناه يهدي من يشاء في الآخرة إلى طريق الجنة الذي يسلكه المؤمنون ويعدل عنه الكافرون إلى النار.

وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله جل علاه “لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” ﴿الأنعام 127﴾ مراد بالسلام هو معناه اللغوي على ما يعطيه ظاهر السياق وهو التعري من الآفات الظاهرة والباطنة، ودار السلام هي المحل الذي لا آفة تهدد من حل فيه من موت وعاهة ومرض وفقر وأي عدم وفقد آخر وغم وحزن، وهذه هي الجنة الموعودة ولا سيما بالنظر إلى تقييده بقوله: “عِنْدَ رَبِّهِمْ”. نعم أولياء الله تعالى يجدون في هذه النشأة ما وعدهم الله من إسكانهم دار السلام لأنهم يرون الملك لله فلا يملكون شيئا حتى يخافوا فقده أو يحزنوا لفقده قال تعالى: “أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ”  (يونس  62) وهم لا شغل لهم إلا بربهم خلوا به في حياتهم فلهم دار السلام عند ربهم ـ وهم قاطنون في هذه الدنيا ـ وهو وليهم بما كانوا يعملون وهو سيرهم في الحياة بنور الهداية الإلهية الذي جعله في قلوبهم، ونور به أبصارهم وبصائرهم. وربما قيل: المراد بالسلام هو الله، وداره الجنة، والسياق يأباه وضمائر الجمع في الآية راجعة إلى القوم في قوله: “لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ” على ما قيل لأنه أقرب المراجع لرجوعها إليها غير أن التدبر في الآيات يؤيد رجوعها إلى المهتدين بالهداية المذكورة بما أن الكلام فيهم والآيات مسوقة لبيان حسن صنع الله بهم فالوعد الحسن المذكور يجب أن يعود إليهم، وأما القوم المتذكرون فإنما ذكروا ودخلوا في غرض الكلام بالتبع.

جاء في صفحة كلمات متشابهة في القرآن لها معاني مختلفة: السِلم والسَلْم والسَّلَم: السِلم: السِلم وردت في القرآن مرة واحدة “يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدوٌ مبين” (البقرة 208). المقصود هنا بالسِلْم ليس السلام والحل السلمي مع اليهود بل يتحدث عن الإسلام أي يجب أن نأخذ الإسلام كله بشموله وعمومه فهو دين دولة وجهاد وتشريع وهو بدوره سيحقق السلام. إذن هذا معنى السِلم ليس لها علاقة بالحل السلمي بل له علاقة بالأمان والاطمئنان الكامل الناتج عن الإسلام. السّلْم عندما يميل أحد فريقي المعركة إلى الاستسلام يسمى السّلْم، إذن السَلْم هو الميل إلى الاستسلام وقد وردت في القرآن مرتين وكلاهما في سياق القتال بين المسلمين والأعداء: “وإن جنحوا إلى السّلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم” (الأنفال 61). معنى السّلْم الميل إلى الاستسلام وتتحدث الآية هنا عن الكفار فإذا بدأوا يشعرون بالهزيمة أمام المسلمين وأعلنوا خضوعهم يكونون قد مالوا إلى الاستسلام بسبب هزيمتهم. في هذه الحالة يجوز للمسلمين أن يستجيبوا لجنوح الكفار للاستسلام وعندها يفاوض المسلمون على كيفية الاستسلام والمساومة. وفي المرة الثانية: “فلا تهنوا وتدعوا إلى السّلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم” (محمد 35). الآية تنهى المسلمين عن السَلْم. إياكم أن تبادروا أنتم إلى عرض الإستسلام لأنكم الأعلون. كلمة: (لا تهنوا) هنا سبقت كلمة السّلْم فإذا قرأنا الآية قبل الآية الأولى “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة” يتحدث الله فيها عن إعداد ما استطاع المسلمين من قوة ورباط الخيل وبعدها “يا أيها النبي حرّض المؤمنين” نرى أن ليس فيها دعوة للاستسلام والحل السلمي لكن إذا شعرنا أن العدو جنح للاستسلام فلا مانع أن نفاوضهم على شروط استسلامهم ولكن لا نذهب نحن للسّلم فكلا الآيتين تشير إلى قوة المسلمين وعزتهم وعدم استسلامهم وعدم الضعف والهوان وإنما هو استسلام الأعداء. إذن السِلم أي الإسلام والسَلْم هو الميل للإستسلام وطلب الكفار المقاتلين الإستسلام أثناء المعركة، بدأوا ينهزمون وأرادوا أن يستسلموا فلا مانع وهذه الدعوة للمسلمين هذه الدعوة للمسلمين تنبهنا كيف وأنتم مسلمون تهنون وتذعنون وتستسلمون للأعداء والحق معكم والله معكم؟ كيف يخضع أصحاب الحق لأصحاب الباطل؟ نهت الآية عن هذا السَلْم والاستسلام وحرمته على المسلمين أما إذا إستسلم الكفار فلا مانع. وفي الآية الثانية نهي عن الوهن والضعف. أما السّلَم فقد وردت في القرآن خمس مرات مرتان في سياق الحرب بين المسلمين والكفار في سورة النساء. في الآية الأولى تحدث عن استسلام الكفار للمسلمين استسلاماً عملياً تاماً فان حدث واستسلموا لكم أيها المؤمنون فلا يحق لكم أن تقاتلوهم وإنما عليكم الكفّ عنهم: “إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم إن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلَم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا” (النساء 90)، قوم لا يريدون القتال فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَلَم فلا يحق لكم قتلهم بعد استسلامهم التام وإنما إقبلوا استسلامهم. الآية الثانية تقرر أن الكفار إذا لم يستسلموا للمسلمين فعلى المسلمين قتالهم أينما كانوا: “ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة اركسوا فيها فان لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلّم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم واولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا” (النساء 91). فهم يدّعون بلسانهم أنهم يريدون السلام ولكنهم لا يفعلون ذلك عملياً. كما تستخدم هذه الكلمة بمعنى استسلام الكفار الذليل يوم القيامة وإلقائهم اللوم على شركائهم الذين أضلوهم واستسلام الكفار للملائكة عند الاحتضار: “الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السَلَمَ ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليمٌ بما كنتم تعملون” (النحل 28)، استسلموا للملائكة وللموت. والآية الثانية تتحدث عن إستسلام الكفار الذليل يوم القيامة: “وألقوا إلى الله السَلَمَ وضلٍِِّ عنهم ما كانوا يفترون” (النحل 87)، إذن نلاحظ في التعبير عن السَلَم استخدام تعبير “ألقوا السَلَم” من الإلقاء وهو المبالغة في الاستسلام. والمرة الخامسة التي أستُخدمت فيها الكلمة يتحدث عمن يخضع لغير الله ويتلقى معلومات متناقضة من شركاء وبين من يتلقى أوامره من الله تعالى “ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لايعلمون” (الزمر 29). يضرب المثل لمن يعبد آلهة متعددة ومن يعبد الله وحده ويأخذ أوامره من الله وحده دون غيره فيبين الله الفرق بين الاثنين. إذن المسلم إنسان سلّم نفسه لله ودخل في السِلم أي الإسلام كافة شاملاً والناس كلهم مأمورون بالدخول فيه، والسَلْم هو الميل إلى الاستسلام وترك القتال وهي دعوة ليست للمؤمن وإنما للكفار ولا يجوز للمسلمين الدعوة إلى السَلْم، والسَلَم أي الإستسلام: إستسلام لله، للملائكة أو للمسلمين في خضوع كامل.