د. فاضل حسن شريف
هنالك مفاهيم للعرش اجتهد المفسرون في اعطاء المعنى الصحيح له فمنهم اعتبره عرش معنوي وآخرين اعتبروه مادي. فعن حنان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي؟ فقال عليه السلام: (إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كلّ سبب وصنع في القرآن صفة على حدة، فقوله: ربّ العرش العظيم يقول: ربّ الملك العظيم، وقوله الرحمن على العرش استوى، يقول على الملك احتوى، وهذا علم الكيفوفية في الأشياء، الخ). تنشر كل مجموعة من حلقات هذه السلسلة في أحد المواقع.
تكملة للحلقات السابقة جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن العرش: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ” ﴿غافر 15﴾ إن الله هو العليُّ الأعلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته، وارتفع به قَدْره، وهو صاحب العرش العظيم، ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي إليهم الوحي الذي يحيون به، فيكونون على بصيرة من أمرهم؛ لتخوِّف الرسل عباد الله، وتنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون. قوله عز من قائل “سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ” ﴿الزخرف 82﴾ تنزيهًا وتقديسًا لرب السموات والأرض رب العرش العظيم عما يصفون من الكذب والافتراء من نسبة المشركين الولد إلى الله، وغير ذلك مما يزعمون من الباطل. قوله جل جلاله “هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” ﴿الحديد 4﴾ هو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى أي علا وارتفع على عرشه فوق جميع خلقه استواء يليق بجلاله، يعلم ما يدخل في الأرض من حب ومطر وغير ذلك، وما يخرج منها من نبات وزرع وثمار، وما ينزل من السماء من مطر وغيره، وما يعرج فيها من الملائكة والأعمال، وهو سبحانه معكم بعلمه أينما كنتم، والله بصير بأعمالكم التي تعملونها، وسيجازيكم عليها.
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى “إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ” (الاعراف 54) أى: إن سيدكم ومالككم الذي يجب عليكم أن تفردوه بالعبادة هو الله الذي أنشأ السموات والأرض على غير مثال سابق في مقدار ستة أيام. قال الشهاب: اليوم في اللغة مطلق الوقت، فإن أريد هذا فالمعنى في ستة أوقات. وإن أريد المتعارف وهو زمان طلوع الشمس إلى غروبها فالمعنى في مقدار ستة أيام، لأن اليوم إنما كان بعد خلق الشمس والسموات فيقدر فيه مضاف. وقال صاحب فتح البيان: (قيل هذه الأيام من أيام الدنيا، وقيل من أيام الآخرة، قال ابن عباس: يوم مقداره ألف سنة وبه قال الجمهور وقال سعيد ابن جبير، «كان الله قادرا على أن يخلق السموات والأرض وما بينهما في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأنى في الأمور). وقوله: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ قال الشيخ القاسمى: ورد الاستواء على معان اشترك لفظه فيها، فجاء بمعنى الاستقرار، ومنه اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وبمعنى القصد ومنه ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ وكل من فرغ من أمر وقصد لغيره فقد استوى له وإليه. قال الفراء: تقول العرب استوى إلى يخاصمني أى: قصد لي وأقبل على. ويأتى بمعنى الاستيلاء. قال الشاعر: قد استوى بشر على العراق، ويأتى بمعنى العلو ومنه هذه الآية. قال البخاري في آخر صحيحه في كتاب الرد على الجهمية في باب قوله تعالى: “وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ” (هود 7). قال مجاهد: استوى وعلا على العرش. وقال ابن راهويه: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: “الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى” (طه 5) أى: علا وارتفع. وعرش الله كما قال الراغب مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم، وليس كما تذهب إليه أوهام العامة، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له تعالى الله عن ذلك لا محمولا. وقد ذكر العرش في إحدى وعشرين آية. وذكر الاستواء على العرش في سبع آيات. أما الاستواء على العرش فذهب سلف الأمة إلى أنه صفة الله تعالى بلا كيف ولا انحصار ولا تشبيه ولا تمثيل لاستحالة اتصافه سبحانه بصفات المحدثين، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به “ليس كمثله شيء وهو السميع البصير” (الشورى 11) وأنه يجب الإيمان بها كما وردت وتفويض العلم بحقيقتها إليه تعالى. فعن أم سلمة رضى الله عنها في تفسير قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى أنها قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به من الإيمان، والجحود به كفر. وقال الإمام مالك: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
جاء في كتاب مختصر مفيد أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة للسيد جعفر مرتضى العاملي: السؤال: نرجو من سماحتكم أن تذكروا لنا رأيكم الشريف، وبعض آراء المفسرين المعتبرين لديكم، بخصوص الآية التالية: “وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ” (الحاقة 17) الواردة ضمن الآيات التالية: “وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ” (الحاقة 16-18). الجواب: هناك آيتان كريمتان ذكرتا حمل العرش.. ولم تصرحا بحقيقة الحامل له. الأولى قوله تعالى: “فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ” (الحاقة 13-18) وهذه الآية ظاهرة إلى حد الصراحة في أن الكلام عن حمل العرش فيها إنما هو في يوم القيامة. الثانية: قوله تعالى: “وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ” (غافر 6-7). وليس في هذه الآيات ما يدل على حقيقة هؤلاء الذين يحملون العرش، هل هم من الملائكة؟ أم من غيرهم؟ كما أنه ليس هذا الأمر مما تناله العقول. ولا هو مما تدركه الألباب، فلا بد من الرجوع إلى أهل بيت العصمة عليهم السلام فيه. وبالرجوع إلى الروايات، نجد: أن هناك روايات تقول: إن حملة العرش في آية سورة غافر هم رسول الله صلى الله عليه وآله، والأوصياء من بعده، يحملون علم الله. وهناك روايات تقول: إن حملة العرش الثمانية هم أربعة من الأولين، وهم: موسى، وعيسى، وإبراهيم، ونوح، وأربعة من الآخرين، وهم: النبي محمد صلى الله عليه وآله، والإمام علي عليه السلام، والحسنان صلوات الله وسلامه عليهما. لكن في رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: قوله تعالى: “الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ” (غافر 7)، يعني محمداً، وعلياً، والحسن، والحسين، وإبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وعيسى، صلوات الله عليهم أجمعين. أضاف في تفسير البرهان: في ذيل الرواية قوله: يعني حملة العرش، والظاهر أنها تفسير من الراوي. وبعد، فإن هناك روايات تصرح: بأن عدد الثمانية مختص بيوم القيامة، وأما في الدنيا فحملة العرش أربعة. وصرحت روايات أخرى، بأن المقصود بالعرش: العلم وفي رواية الإمام الرضا عليه السلام: العرش اسم عِلْمٍ وقدرة. ولعل المقصود العلمُ الذي يكون به التدبير للملك، وتكون الهيمنة عليه والتصرف فيه، على أساس العلم والقدرة. والملائكة المحيطون بالعرش، وكذلك أولئك الحملة ينزهون ربهم عن الشريك، وعن كل عجز، أو نقص، أو جهل، أو أو. قال الطباطبائي رحمه الله: “وفي قوله: “وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ” (الحاقة 17) الآية. هو العلم، وهما جميعاً واحد، وهو المقام الذي يظهر به جميع الأشياء، ويتمركز فيه إجمال جميع التدابير التفصيلية الجارية في نظام الوجود، فهو مقام الملك الذي يصدر منه التدابير، ومقام العلم الذي يظهر به الأشياء. وفي بعض الروايات: أن حملة العرش ثمانية، لكل واحد ثمانية أعين، كل عين طباق الدنيا. وروى الكليني عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حمَّلهم الله علمه، وليس يخرج من هذه الأربعة شيء خُلق في ملكوته، وهو الملكوت الذي أراه أصفياءه، وأراه خليله: “وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ” (الانعام 75). وروى الكليني أيضاً: عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، أنه قال لأبي قرة: العرش ليس هو الله، والعرش اسم عِلْم وقدرة، والعرش فيه كل شيء، ثم أضاف الحمل إلى غيره: خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحملة عرشه، وحملة علمه، وخلقاً يسبحون حول عرشه، وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعمال عباده. واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته، والله على العرش استوى كما قال. والعرش ومن يحمله، ومن حول العرش، والله الحامل لهم، الحافظ لهم، الممسك القائم على كل نفس، وفوق كل شيء، وعلى كل شيء، ولا يقال: محمول، ولا أسفل، قولاً مفرداً، لا يوصل بشيء، فيفسد اللفظ والمعنى. قال أبو قرة: فتكذب بالرواية التي جاءت: أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه: أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم، فيخرون سجداً، فإذا ذهب الغضب خف، ورجعوا إلى مواقفهم؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: أخبرني عن الله تبارك وتعالى، فقد لعن إبليس إلى يومك هذا، وهو غضبان عليه، فمتى رضي؟ وهو في صفتك لم يزل غضباناً.
تكملة للحلقات السابقة جاء في كتاب مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني: 4 ـ إنّ للعرش حقيقة تكوينية كما أنّ للاستيلاء حقيقة كذلك، غير أنه ليس شيئاً خاصاً سوى مجموع الكون وصحيفة الوجود فهو عرشه سبحانه، فالعالم بمجرّده وماديّه وظاهره وباطنه عرشه، وعليها تدبيره، ويكون عطف “ربّ العرش العظيم” (المؤمنون 86) على قوله “ربّ السموات السبع” (المؤمنون 86) من باب عطف العام على الخاص، فالله سبحانه مستول على ما خلق استيلاءً حقيقيّاً ولا يحتاج في إدارة الكون وتدبيره إلى غيره، فلو كان هناك نظام الأسباب والمسبّبات والعلل والمعلولات فهو من جنوده في عالم الكون، وقال سبحانه “وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ” (المدثر 31). وقال سبحانه “وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” (الفتح 4)، وكذلك الاية 7 من نفس السورة مع اختلاف يسير في آخرها حيث قام “عزيزاً” مقام “عليماً”. وقد اختار هذا المعنى شيخنا الصدوق في عقائده حيث قال: (اعتقادنا في العرش أنّه جملة جميع الخلق ـ إلى أن قال ـ العرش الذي هو جملة جميع الخلق حملته ثمانية من الملائكة). ويظهر هذا المعنى من الشيخ المفيد غير أنّه فرّق بين العرش المطلق والعرش المحمول، ففسّر الأوّل بالملك وقال: العرش الأوّل هو ملكه، واستوائه على العرش هو استيلائه على الملك، وأمّا العرش الذي تحمله الملائكة هو بعض الملك وهو عرشٌ خلقه الله تعالى في السماء السابعة، وتعبّد الملائكة بحمله وتعظيمه، كما خلق سبحانه بيتاً في الأرض وأمر البشر بقصده وزيارته والحجّ إليه وتعظيمه كما جاء في الحديث: إنّ الله تعالى خلق بيتاً تحت العرش سمّاه (البيت المعمور) تحجّه الملائكة في كل عام، وخلق في السماء الرابعة بيتاً سمّاه (الزراح) وتعبّد الملائكة بحجّه والطواف حوله، وخلق البيت الحرام في الأرض وجعله تحت الزراح ـ إلى أن قال: (ولم يخلق الله عرشاً لنفسه ليستوطنه تعالى الله عن ذلك، ولكنّه خلق عرشاً أضافه إلى نفسه تكرمة له وإعظاماً، وتعبّد ملائكة بحمله، كما خلق بيتاً في الأرض ولم يخلقه لنفسه ولا ليسكنه تعالى الله عن ذلك، لكنه خلقه لخلقه واضافة لنفسه إكراماً له وإعظاماً، وتعبّد الخلق بزيارته والحجّ إليه). وقال العلاّمة المجلسي: (اعلم انّ ملوك الدنيا لمّا كان ظهورهم واجراء أحكامهم على رعيتهم إنّما يكون عند صعودهم على كرسيّ الملك وعروجهم على عرش السلطنة، ومنهما تظهر آثارهم وتتبيّن أسرارهم، والله سبحانه لتقدّسه عن المكان لا يوصف بمحلّ ولا مقرّ وليس له عرش ولا كرسي يستقرّ عليهما بل يطلقان على أشياء من مخلوقاته). وهذا هو الظاهر من بعض الروايات، روى الصدوق بسنده عن المفضّل بن عمر، قال: سألت أبا عبد الله عن العرش والكرسي ما هما ؟ فقال: العرش في وجه هو جملة الخلق. وها هنا كلام للعلاّمة الطباطبائي يحقّق ما ذكرنا بشكل بديع ويقول: (إنّ السلطة والاستيلاء والملك والرئاسة والولاية والسيادة وجميع ما يجري هذا المجري فينا اُمور وضعيّة اعتبارية ليس في الخارج منها إلاَّ آثارهما، مثلاً الرئيس لا يسمّى رئيساً إلاّ لأن يتبعه الذين نسمّيهم مرؤوسين في إرادته وعزائمه، وليس هنا للرئاسة واقعيّة إلاَّ التخيّل والتشبيه بمعنى تنزيل الرئيس مكان الرأس، والمرؤوسين مكان البدن، فكما أنّ البدن يتبع الرأس، فالمرؤوسون يتبعون الرئيس وقس عليها. وهذا خلاف ما يوصف به سبحانه من الملك والاحاطة والولاية وغيرها، فإنّها معاني حقيقية واقعيّة على ما يليق بساحة قدسه، وعلى ذلك يجب أن يكون للاستيلاء حقيقة تكوينيّة ولعرشه المتعلّق به واقعيّة مثله. فالايات كما ترى تدلّ بظاهرها على أنّ العرش حقيقة من الحقائق العينيّة وأمر من الاُمور الخارجية).