من هدي الأئمة.. كيف مهد الإمام العسكري لغيبة صاحب الزمان؟
أصدر الإمام الحسن العسكري عليه السلام بياناته وتعليماته عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، كحلقة متسلسلة من النصوص والتعليمات التي بشر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده، مع التأكيد والتخصيص على ولده المهدي عليه السلام.
اتجه نشاط الإمام العسكري وتخطيطه في تحقيق هدف التمهيد لغيبة ابنه إلى عملين ممهدين:
1- حجب المهدي عجل الله تعالى فرجه عن أعين الناس مع إظهاره لبعض خاصته فقط.
2- شن حملة توعية لفكرة الغيبة، وإفهام الناس بضرورة تحملهم لمسؤولياتهم الإسلامية تجاهها وتعويدهم على متطلباتها.
فعلى المستوى الثاني رأينا الإمام العسكري يصدر بياناته وتعليماته عن المهدي عجل الله تعالى فرجه كحلقة متسلسلة من تلك النصوص والتعليمات التي بشر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من بعده مع التأكيد والتخصيص على ولده المهدي عليه السلام.
أشكال بيانات الإمام الحسن العسكري
واتخذت بيانات الإمام العسكري عليه السلام أشكالاً ثلاثة:
أ- بيان عام، كالتعرض إلى صفات المهدي عجل الله تعالى فرجه بعد ظهوره وقيامه في دولته العالمية، كجوابه عليه السلام عن سؤال بعض أصحابه عن قيام المهدي قائلاً: “فإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داوود لا يسأل البينة”([1]).
ب- توجيه نقد سياسي للأوضاع القائمة، يقرنها بفكرة المهدي وضرورة تغييرها لها، فمن ذلك قوله عليه السلام: “إذا خرج القائم أمر بهدم المنابر والمقاصر في المساجد” وكانت تبنى هذه المقاصر لغرض الأمن من الإعتداء على الخليفة وزيادة الهيبة في نفوس الاخرين([2]).
ج- توجيه عام لقواعده وأصحابه، يوضح لهم أبعاد فكرة الغيبة، وضرورة التكيف لها من الناحية النفسية والإجتماعية تمهيداً لما يعانونه من غيبة الإمام وانقطاعه عنهم.
فمن ذلك كتب الإمام عليه السلام لابن بابويه رسالة يقول فيها: “عليك بالصبر وانتظار الفرج، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي وأمر جميع شيعتي بالصبر، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين”([3]).
أسلوب المكاتبات والتوقيعات
وقد اتخذ الإمام العسكري عليه السلام موقفاً آخر يمهد فيه للغيبة عندما احتجب بنفسه عن الناس، إلا عن خاصة أصحابه وأوكل مهمة تبليغ تعليماته وأحكامه بواسطة عدد من خاصته وذلك بأسلوب المكاتبات والتوقيعات، ممهداً بذلك إلى نفس الأسلوب الذي سوف يسير عليه ابنه المهدي عجل الله تعالى فرجه في غيبته الصغرى وهو في احتجابه وإيصاله للتعليمات.
وقد يبدو الأمر غريباً مفاجئاً للناس لو حدث هذا بدون مسبقات وممهدات كهذه. ومن هنا كان أسلوب الإمام العسكري، منهجاً خاصاً في تهيئة ذهنيات الأمة وتوعيتها لكي تتقبل هذا الأسلوب وتستسيغه من دون استغراب ومضاعفات غير محمودة.
وكان قد بدأ التحضير والتخطيط لهذه الفكرة بشكل بسيط أيام الإمام الهادي عليه السلام عندما احتجب عن كثير من مواليه وأخذ يراسلهم عن طريق الكتب والتوقيعات([4]) ليعود شيعته على هذا المسلك بشكل متدرج بطيء موافقاً بذلك الفهم العام لدى الناس.
وفعلاً اعتاد أصحابه ومواليه الإتصال به والسؤال منه بطريق المراسلة والكتابة([5]).
نظام الوكلاء
وكذلك نظام الوكلاء الذي اتبعه الإمام العسكري مع قواعده الشعبية كان أسلوباً اخر من أساليب التمهيد لفكرة الغيبة.
وكان الشيعة إذا حملوا الأموال من الحقوق الواجبة عليهم إلى الإمام عليه السلام نفذوا إلى عثمان بن سعيد العمري السمان الذي كان يتجر بالسمن تغطية لنشاطه في مصلحة الإمام عليه السلام فكان يجعل الأموال التي يتسلمها في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى الإمام عليه السلام بعيداً عن أنظار الحاكمين، لأنهم إذا عرفوا أمره صادروه([6]).
وهكذا فإن نظام الاحتجاب والوكلاء، هو الأسلوب نفسه الذي يكون ساري المفعول في غيبة الإمام الصغرى، بعد أن اعتاد الناس في مسلك الإمامين العسكريين عليهما السلام وخاصة الإمام الحسن العسكري عليه السلام.