اخر الاخبار

هل تصبح الصين الوسيط المعتمد الأول في الشرق الأوسط؟

في السنوات الماضية، اتجهت مجموعات مختلفة من اللاعبين الإقليميين المهمين نحو الصين وتطوير العلاقات معها بسبب خيبة أملهم من الولايات المتحدة. اذ منحت هذه القضية بكين الظروف المواتية لاتخاذ خطوات فعالة لخفض التصعيد في خضم التوترات الإقليمية الحالية. وفي هذه البيئة، ترى الصين أيضا أسبابا مواتية للتعاون المحدود مع الولايات المتحدة. هذه المعادلات يمكن أن تجعل من الصين لاعبا رائعا لاستعادة السلام في منطقة الشرق الأوسط.

 إن تزايد تدخلات الصين في قضايا الشرق الأوسط، خاصة في إطار المنافسة مع أمريكا، أصبح قضية مهمة في السنوات الماضية. لقد غيرت الصين بالفعل تركيزها واهتمامها الرئيس فيما يتعلق بالشرق الأوسط من تأمين أمن الطاقة عبر هذه المنطقة وتحاول أن تصبح جهة فاعلة يمكنها توفير البنية التحتية الحيوية والتكنولوجيا لدول شرق الأوسط.

وقد أدى هذا التغيير في النهج، إلى جانب دور الصين المحوري في تسهيل اتفاق خفض التصعيد في العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وإيران، إلى تعزيز التكهنات حول طموحات الصين للعب دور مهم وأكبر في منطقة الشرق الأوسط. وببساطة، يعتقد كثيرون أن الصين تعتزم الاضطلاع بدور سياسي مهم في المنطقة.

بعد الربيع العربي في عام 2011 والتركيز الأمريكي المتزايد على القارة الآسيوية، اتخذت الصين العديد من الإجراءات التي تركزت على منطقة الشرق الأوسط. واعتبرت القوى الإقليمية والصين، التركيز الأميركي الواسع على منطقة المحيطين الهندي والهادئ بمثابة فرصة من جهة وسبب للقلق من جهة أخرى. وفي الوقت نفسه الذي اشتدت فيه الضغوط الأميركية على الصين وآسيا، سعت بكين إلى لعب دور نشط في الشرق الأوسط. وبحثت الجهات الفاعلة الإقليمية، التي أصيبت بخيبة أمل واسعة النطاق إزاء السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، عن شركاء أكثر موثوقية مقارنة بواشنطن، ونظرت إلى الصين كخيار ذي مصداقية.

وبالنسبة للصين، فإن الحرب بين إسرائيل وحماس تركز إلى حد كبير على المصالح الاقتصادية للصين، اضافة إلى علاقات الصين مع الدول العربية وإيران ومنافستها الاستراتيجية مع أميركا. خلال حرب غزة، حاولت الصين استخدام هذه الحرب لتحدي النفوذ الأميركي في المنطقة، وفي الوقت نفسه لتعزيز مكانتها في المنطقة.

كان رد الفعل الأولي للصين على حادثة 7 أكتوبر حذرا. وطلبت من طرفي الصراع الرئيسيين ممارسة ضبط النفس. ومع ذلك، مع مرور الوقت وتصاعد الصراعات، تبنت الصين أساليب ذات معنى أكبر وجعلت مواقفها المناهضة لأمريكا وإسرائيل أكثر وضوحا. لقد وصفت الصين بوضوح مقاومة الفلسطينيين ضد إسرائيل بأنها حق مشروع وطبيعي.

إن هذا التغير في توجه الصين بطريقتها الخاصة يشير إلى تغير في أولويات الصين المتمركزة حول قضايا الشرق الأوسط. وتعتبر الصين أي ضرر يلحق بعلاقاتها مع إسرائيل بمثابة نوع من “الضرر الخاضع للسيطرة” الذي ينبغي تقييمه في سياق خطط بكين الإقليمية الأكبر ولعبتها الجيوسياسية.

من وجهة النظر التقليدية، حافظت الصين بشكل رئيس على الوضع الحالي في شكل معادلات منطقة الشرق الأوسط وحاولت بعناية خلق توازن في الشرق الأوسط من شأنه أن يخدم المصالح الاقتصادية لهذا البلد على أفضل وجه. لكن في نفس الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات بين الصين والولايات المتحدة ولما كانت منطقة الشرق الأوسط قد أصبحت ساحة معركة وتنافس حقيقي بين القوى العظمى، يبدو أن الصين تقبل وجود عدم الاستقرار في المنطقة كأمر واقع بل وترحب به. تصبح هذه القضية أكثر أهمية بالنسبة للصين عندما نأخذ في الاعتبار أنه في شكل الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، فإن تأثير الولايات المتحدة يتضرر إلى حد كبير وهو موضوع يصب في مصلحة الصين.

وعلى النقيض من أميركا، التي تعتبر من أشد المؤيدين لإسرائيل، فقد وضعت الصين نفسها أولا كقوة وساطة تسعى إلى السلام، ثم كقوة تسعى إلى حل الصراعات الإقليمية من خلال الحوار. ومن خلال إجراء محادثات ومناقشات مع مختلف الفصائل الفلسطينية في الأشهر الماضية، حاولت الصين الاضطلاع بدور أكبر في معادلات منطقة غرب آسيا، وفي الوقت نفسه، تعمدت أيضا مواجهة مواقف ومبادئ الولايات المتحدة وإسرائيل.

طموحات الصين السياسية في المنطقة

ولا ينبغي لنا أن نقلل من طموحات الصين السياسية في المنطقة. لا تزال أمريكا تتمتع بنفوذ كبير في الشرق الأوسط، إلا أن النموذج الصيني للتعاون الاقتصادي ونهج الصين في حل النزاعات والوساطات أصبحا أكثر جاذبية للاعبين الإقليميين يوما بعد يوم.

بالتزامن مع تغير التحالفات التقليدية في منطقة الشرق الأوسط وبالطبع دعم الولايات المتحدة القوي لإسرائيل وعدم قدرة البلاد على حل الصراعات الإقليمية، تمكنت الصين من تحقيق مكانة مهمة في شكل المعادلات الإقليمية. في الوضع الحالي، لا تقتصر عملية الصراعات في منطقة غرب آسيا على حرب غزة، والتهديد بتوسيع نطاق التوترات بين إسرائيل والولايات المتحدة إلى إيران، وحزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن أمر بالغ الأهمية. خطيرة وأكثر خطورة من أي وقت مضى. وفي هذا الصدد، يرى البعض أن الصين قادرة على استغلال علاقاتها مع طهران والتأثير على عملية التطورات الإقليمية.

وقد أبدت الصين بالفعل استعدادها للوساطة في شكل تطورات إقليمية. ويمكن رؤية المظهر الملموس لهذه القضية في دور الصين كوسيط للتوصل إلى اتفاق لتهدئة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية. ومن خلال الاستفادة من علاقاتها الاقتصادية المهمة مع دول المنطقة، وخاصة إيران والدول العربية في الخليج، اذ يمكن لهذه الدولة أن تمنع تطور التوترات في المنطقة.

ويشهد الشرق الأوسط الآن اضطرابات واسعة النطاق، حيث يمكن رؤية تنافس القوى العظمى، وزيادة الطموحات الإقليمية، وتحول التحالفات، وزيادة كبيرة في خطر نشوب حرب شاملة. وفي الوقت نفسه الذي تتغير فيه المكونات الجيوسياسية على المستوى الإقليمي، فإن توجهات الصين والولايات المتحدة تجاه المنطقة يمكن أن تلعب دورا مهما في تشكيل الاتجاهات الإقليمية المستقبلية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بنفوذ في المنطقة، إلا أن موقفها أضعف بسبب الحرب الحالية في المنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن الصين على استعداد لكي تثبت لمختلف الجهات الفاعلة أن الدور الذي تلعبه قادر على تجاوز المواقف الظاهرية وإحداث تغييرات ذات معنى في الميدان.

إن تصاعد التوترات بين القوى العظمى في آسيا وزيادة حالة عدم اليقين في الصين فيما يتعلق بالانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة يمكن أن يوفر أرضية مواتية لتعاون محدود بين الصين والولايات المتحدة يركز على قضايا الشرق الأوسط. ومثل هذا التعاون لن يمنع نشوب صراع إقليمي واسع النطاق فحسب، بل من الممكن أن يؤدي إلى فوائد استراتيجية لكل من الولايات المتحدة والصين.

وفي الوقت نفسه الذي تتصاعد فيه التوترات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، فإن الصين لديها فرصة لتجاوز مجرد المواقف التصريحية فيما يتعلق بمعادلات منطقة الشرق الأوسط، ويمكنها تقديم نفسها كلاعب رئيس في شكل علاقات في منطقة الشرق الأوسط. وما إذا كانت الصين مستعدة لاتخاذ خطوة في هذا الصدد أم لا، فهي مسألة لن يخبرنا بها إلا مرور الوقت.

المصدر: موقع فرارو