اخر الاخبار

هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟

بقلم: مصطفى فريق الفتلاوي

في أثناء مشاهدتي نشرة الأخبار على إحدى القنوات الفضائية لفت انتباهي خبر مفاده أنّ مواطنًا أمريكيًّا من أصل أفريقي يدعى (غلين سيمونز) يبلغ من العمر (71) عامًا حصل على حكم بالتعويض قدره (7،15) مليون دولار بعد أن قضى ما يقارب نصف قرن في السجن نتيجة لأدانته بجريمة قتل لم يرتكبها بعد أن تمت تبرئته منها. وقد أثار هذه الخبر في نفسي تساؤلًا يتألف من شقين؛ الأول: هو إذا كان هذا الظلم يحدث في القضاء الأمريكي وأمريكا هي الدولة المتفوقة والأولى في العالم، فكيف الحال في دولة مثل العراق؟ وأما الشق الثاني من التساؤل هو هل يوجد في العراق تعويض لمن صدر حكم بحقه وقضى سنوات في غياهب السجون وهو بريء؟ والحقيقة أن الشق الأول من السؤال لا يحتاج الى أن يتكلم فيه أحد فالجميع يدرك ويعرف جيدًا ما يجري في غرف التحقيق المظلمة، وكيف يصبح الأبرياء مجرمين والمجرمون أبرياء في بلد لا يتوافر فيه للمتهم الحد الأدنى من الضمانات التي كفلتها له القوانيين المحلية والمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وقضية المواطن (من أهالي سدّة الهندية) الذي استقبله رئيس الوزراء السابق الكاظميّ، والذي أدين بقتل زوجته وكاد أن يعدم ولكن تبينت براءته بعد ذلك؛ إذ ظهر أنّ زوجته ما زالت على قيد الحياة، فهذه القضية تمثل غيضاً من فيض. أما ما يخص الشق الثاني وهو الذي يعنينا أكثر من باب العدالة ورد الاعتبار للإنسان الذي يتعرّض للإهانة والخسارة من كل الجوانب فالعدالة تقتضي أن يتمّ تعويض هذا الإنسان البريء الذي تعرّض للظلم عما كبّده من ألم وما لحقه من ضرر، وإن كان التعويض كبيراً فلن يعيد الى الإنسان مما فقده في الجانب المعنوي ولا سيما سنوات عمره التي ذهبت ظلمًا، ولكن يبقى التعويض المادي أهم وسائل جبر الضرر. ولدى استعراض التشريعات العراقية لا نجد فيها أي نصّ قانوني يعطي الحقّ لمن حُكم عليه ظلمًا ثمّ تبينت براءته، أو وقع ضحية للدعاوى الكيدية أو تمّ اعتقاله بطريقة تعسفية أن يطالب بتعويض عادل عما أصابه من أذى نتيجة ذلك، إذ خلت المنظومة التشريعية من ذلك باستثناء النص الوارد في المادة (37 فقرة ج) من الدستور والتي أعطت الحق لمن تعرّض للتعذيب أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي أصابه، وهذا يجافي منطق العدالة الذي يقتضي أنّ كلّ من حرم مِن حقوقه أو تعرّض للظلم وانتهكت كرامته وحريته أنّ يعوّض تعويضًا مجزيًا. والتعويض ينبغي أن لا يقتصر على صورة واحدة، وإنما يجيب تعدد صوره بتعدد صور الضرر الذي وقع على الضحية وإن كان التعويض المادي هو الصورة الغالبة، ولهذا يجب أن لا يقتصر التعويض على الجانب المادي وإنما يجب أن يشمل كل شيء ممكن أن يعيد للضحية حقوقها وكرامتها، على الرغم من أنّ بعض صور الضرر لا يمكن جبره ولا سيما الضرر المعنوي، ففي قصة يرويها أحد المحامين المشتغلين في مجال الدعاوى الجزائية وهو يتساءل عن من يعوض متهمًا حُكم عليه بالإعدام أو المؤبّد وقضى عشرة سنوات في السجن ثمّ أُفرج عنه بعد إعادة المحاكمة لعدم كفاية الأدلة وقد سبب له ذلك الضرر التالي (زوجته تطلّقت منه وأولاده ضياع في الشوارع بلا تعليم وأمه توفيت وبيته بِيعَ إلى شخص آخر) . فبربكم كيف يتمّ تعويض هذا الشخص عن كل هذا الذي فقده؟ وهذه المأساة كانت وما زالت مستمرة في بلد مثل العراق عانى ويعاني من أوضاع أمنية وسياسية واجتماعية مضطربة ولا سيمًا مع انشار الإرهاب بعد عام 2003م والفوضى الأمنية وبالتالي أصبح البلد كله مسخّرًا لمواجهة هذا الخطر الكبير مما أدّى إلى أن تكون الإجراءات الأمنية والتحقيقية غير متسمة بالدقة مع وجود المخبر السري والمشاكل التي تثار حوله. وختامًا نقول: إنّ الدولة مكلّفة بحماية مؤسساتها ومواطنيها وممتلكاتهم وما يتطلبه ذلك من اتخاذ إجراءات أمنية وقضائية متنوعة ضدّ كل خطر يهدد الأمن والسلم المجتمعي، لكن بالمقابل يجب أن لا يكون ذلك مبررًا لها لانتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم تحت أي ذريعة كانت ، ولهذا فإنّ الحاجة اليوم ملحة جدًّا إلى تشريع قانون يكفل حقّ التعويض لكل من تمّ الحكم عليه ظلمًا واتخذت بحقه الإجراءات القانونية ثمّ تبيّن إنّه بريء، إذن كما تكفل الدولة حقوق الضحية يجب أن تكفل حقوق المتهم المحكوم ظلمًا، وأيضا يجب أن تتكفل الدولة بدفع التعويض للضحية وترجع به على من كان السبب في ذلك وفي ذلك فائدة كبيرة وهي التقليل من نسبة الدعاوى الكيدية في المحاكم إذ إنّ من يرفعها سيكون مطالبًا بالتعويض إذا لم تثبت دعواه، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن العاملين في مجال التحقيق سيكونون أكثر حرصًا ودقة وعدالة في عملهم لأن أي خطأ يجعلهم عرضة للمطالبة بالتعويض .