على الرغم من موافقة البرلمان على مقترح نيابي لإلغاء الامتيازات الممنوحة للأردن كبيع النفط بأسعار تفضيلية، إلا أن مراقبين استبعدوا مضي العراق في هذا الاتجاه، لأنه يناقض السياسة الخارجية للحكومة، وفيما يؤكد مراقب أردني أن بلاده شهدت تعاملاً أقسى من العراق في ظل حقب سابقة، يؤكد أن الاتفاقات لم تكن خارج إرادة الحكومة والبرلمان العراقي، فيما انتقد خبير قانوني عنوان المقترح كونه “استهدافا سياسيا وغير شمولي”.
ويعتقد المحلل السياسي، مجاشع التميمي، أن “قضية منح امتيازات إلى الأردن كبيع النفط بأسعار تفضيلية هو قرار مفروض على العراق لأن هناك اتفاقات خفية بين البلدين أو ربما فيها تبادل للمنافع، وهناك من يتحدث عن توصية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لدعم الأردن مقابل تقديم مساعدة وإسناد للنظام السياسي في العراق”.
ويذكّر التميمي، بتصريحات أطلقها أعضاء في الإطار التنسيقي ومنهم “وزير العمل أحمد الأسدي الذي وصف الأردن بأنه رئة العراق، في وقت كان الجميع يعتقد أنه ستكون هناك قرارات ضد الأردن بعد (سيطرة الإطار) على البرلمان وتشكيل حكومة السوداني عام 2022، كما أن هناك تصريحات وزيارات من قبل زعامات إطارية بخصوص دعم الأردن، وربما الجميع يتذكر أن ملك الأردن شارك في أول اتصال هاتفي جمع السوداني بالرئيس الأمريكي جو بايدن في شباط من العام 2023”.
وبخصوص تشريع قانون يمنع منح امتيازات للأردن، يرى أن “القوانين ملزمة للحكومة بعكس قرارات مجلس النواب فهي غير ملزمة، لكن هذا الملف يجب أن يبحث مع الحكومة الحالية وهي حكومة الإطار التنسيقي لأنها مسؤولة عن ملف العلاقات الخارجية”.
غير أن التميمي، يستبعد أن “يتم اللجوء إلى هكذا مواقف الآن، لأن العراق يحتاج الأردن في هذه الأوقات”، لافتا إلى أن “العراق بدد الكثير من موارده كهبات للكثير من دول العالم ومن بينها لبنان وسوريا والأردن كما أن الكويت استولت على آبار نفطية حدودية”.
ووافقت رئاسة مجلس النواب، أمس الاثنين، على إدراج مقترح لإلغاء الامتيازات الممنوحة من العراق إلى الأردن في جلسته المقبلة، وأكد النائب هادي السلامي، أن “العراق يقدم دعماً إلى الأردن طيلة الفترة السابقة من ضمنها تزويدهم بالوقود بأقل من السوق بـ16 دولاراً للبرميل الواحد، إضافة إلى التسهيلات الأخرى التي تقدم في المنافذ الحدودية كإعفاء البضائع الأردنية من الضرائب”.
كما وجّه رئيس كتلة حقوق النيابية، سعود الساعدي عدداً من الأسئلة النيابية إلى رئيس مجلس الوزراء ووزيريّ النفط والمالية بخصوص المعاملة التفضيلية بأسعار النفط المصدر إلى الأردن، وكذلك الإعفاءات الكمركية التي يمنحها العراق للبضائع القادمة من الأردن.
ويأتي هذا المقترح على خلفية المواقف الأردنية من الحرب الدائرة على قطاع غزة وجنوب لبنان، إذ اعتبر كثيرون أن مشاركة عمان في التصدي للصواريخ الإيرانية التي أطلقت باتجاه إسرائيل الأسبوع الماضي، تعني الدخول ضمنيا بالحلف الأمريكي الإسرائيلي.
إلى ذلك، يجد المحلل السياسي الأردني حازم عياد، أن “هناك خلفية تاريخية لاتفاقات العراق والأردن، وخلفية جغرافية، فالجوار والعلاقات الثنائية لم تتغير بمختلف الحقب السياسية من الملكية إلى الجمهورية وحقبة صدام حسين وما بعده”.
وعن طبيعة التعامل الحالي، يشير إلى أن “الأردن تتعامل مع العراق في ظروف أقسى إبان الخمسينيات عندما أطيح بالنظام الملكي، فتعامل العراق في المراحل الأولى للجمهورية كان قاسيا في ظل المد القومي والمد البعثي وحركات التحرر والشيوعية، وكانت هناك عوامل ضغط على الأردن لكن العلاقة بقيت بحكم الجوار الجغرافي”.
وفي سياق المصالح الاقتصادية، يؤكد عياد أن “النفط العراقي هو المصدر الأقرب للأردن، والعلاقات بين البلدين هي علاقات أكثر تميزا بحكم وجود مصالح اقتصادية قابلة للتطور، وهي نتاج تفاوض بين الحكومتين في البداية والنهاية، فلم يكن أي اتفاق خارج إرادة الحكومة العراقية، وهناك برلمان عراقي يصادق على الاتفاق”.
وكان الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، ذكر في وقت سابق، أن “هذا الاتفاق قديم ويعود إلى ما قبل 2003 حيث كان العراق يصدر النفط للأردن بكميات نصفها مجانا والنصف الآخر بأسعار تفضيلية، ومنذ 2012 جدد هذه الاتفاق على أن يبيع العراق 10 آلاف برميل يوميا بأقل من سعر خام برنت بـ16 دولارا لتغطية فرق النقل والنوعية.
ويتابع عياد، أن “العراق إذا أراد كدولة وحكومة أن يلغي أي اتفاق مع الأردن فهو يقدر مصالحه، لكن اعتقد أن العلاقات قوية بين العراق والأردن، ولا يمكن أن تهتز بسبب تباين وجهات النظر بين المكونات العراقية أو نتيجة مواقف سياسية، وبالتالي هي مصالح اقتصادية في النهاية”.
ويذكر أن “الاتفاقات الاقتصادية تخدم برامج ومشاريع أخرى تفوقها أهمية تتعلق بتفاهمات أمنية واجتماعية وثقافية، وزيادة اعتماد الأردن العراق مؤشر إيجابي على أن هناك تطورا في العلاقة وأن مسارها إيجابي، والأمر لم يقتصر على حكومة السوداني والحكومات التي سبقته”، لافتا إلى أن “الأردن لديها اتفاقات مماثلة مع الكويت وقطر من ناحية الغاز وتحصل على أسعار تفضيلية لاعتبارات عدة تتعلق بالجوار والأخوة وتبادل المصالح”.
وفي شباط الماضي، جمع نائب في البرلمان توقيعات لإصدار قرار لإيقاف تصدير النفط للأردن، كما تقدم تسعة محامين بدعوى ضد السوادني، لوقف التصدير، باعتباره “هدرا لأموال البلاد”، وذلك بعد ضربات أميركية استهدفت فصائل عراقية، لكن المحكمة الاتحادية ردت الدعوى.
من جهته، يرى الخبير في القانون الدستوري عدنان الشريفي، أن “مجلس النواب لو اتخذ قرارا بمنع هذه الامتيازات عن الأردن فالقرار غير ملزم، لكن القوانين قد تكون ملزمة، لكنها أيضاً معرضة للطعن في المحكمة الاتحادية من قبل الحكومة”.
وعن قراءته للمقترح، يشير الشريفي إلى أن “القوانين يجب أن تكون أكثر شمولية، إذ على البرلمان أن يصدر قانونا يمنع به الحكومة عن بيع النفط بأسعار تفضيلية لأي دولة كانت وهذا سيشمل الأردن بالطبع”، مشيرا إلى “ضعف الوعي السياسي والقانوني في صياغة المقترحات، فبدل أن يستهدف العنوان دولة معينة ويبدو ذا صبغة سياسية، كان عليه أن يختار عنوانا أشمل لا يؤثر على علاقاته الدولية”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد