د. فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الحسين ريحانة النبي للشيخ كمال معاش: عن إمامة الحسين عليه السلام: وإنكار إمامة أهل البيت عليهم السلام إنكار للنبوّة وإنكار النبوّة إنكار لربوبيّة الربّ كما قال النبي صلى الله عليه وآله: (يا علي مَنْ أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي ومَنْ أنكر نبوّتي فقد أنكر ربوبيّة الربّ). والقرآن الكريم عبَّر عن إنكار الإمامة بالانقلاب لقوله تعالى: “وما مُحمدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خلَتْ مِن قبلهِ الرُّسلُ أفإِن مات أو قُتل انقلبتُم على أعقابِكم” (آل عمران 144)؛ لأنّ الإمامة أصل من أُصول الدين. وقد نصَّ النبي صلى الله عليه وآله على إمامة الحسن والحسين عليهماالسلام حيث قال صلى الله عليه وآله: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا). وقال تعالى: “وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ” (الفرقان 74). ولا يسبق النبي صلى الله عليه وآله في فضيلة وليس أحقّ بهذا الدعاء بهذه الصيغة منه وذرِّيّته فقد وجبت لهم الإمامة. وكانت الخلافة في أولاد الأنبياء عليهم السلام وما بقي لنبيّنا ولد سواهما ويمكن البرهنة على إمامتهما ببيعة رسول الله صلى الله عليه وآله لهما، لأنّه لم يبايع صغيراً غيرهما وبنزول آيات من القرآن بحقّهما وبإيجاب ثواب الجنّة على عملهما مع ظاهر الطفوليّة منهما وذلك بقوله تعالى: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ” (الانسان 7) فعمّهما بهذا القول مع أبويهما وبإدخالهما في المباهلة. قال ابن علاّن المعتزلي: هذا يدلُّ على أنّهما كانا مكلّفين في تلك الحال، لأنَّ المباهلة لا تجوز إلاّ مع البالغين. وقال أصحابنا: إنَّ صغر السنِّ عن حدِّ البلوغ لا ينافي كمال العقل وبلوغ الحلم حدُّ لتعلّق الأحكام الشرعية فكان ذلك لخرق العادة فثبت بذلك أنّهما كانا حجّة الله لنبيّه في المباهلة مع طفوليّتهما ولو لم يكونا إمامين لم يحتجَّ الله بهما مع صغر سنّهما على أعدائه ولم يتبيّن في الآية ذكر قبول دعائهما. ولو أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وجد مَنْ يقوم مقامهما غيرهما لباهل بهم أو جمعهم معهما فاقتصاره عليهما يبيّن فضلهما ونقص غيرهم. وقد قدَّمهم في الذكر على الأنفس ليبيّن لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنّهم مقدَّمون على الأنفس معدُّون بها وفيه دليل لا شيء أقوى منه هو أنّهم أفضل خلق الله. واعلم أنَّ الله تعالى قال في التوحيد والعدل: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ” (آل عمران 64) وفي النبوَّة والإمامة: “فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ” (آل عمران 61) وفي الشرعيّات: “قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ” (الانعام 151). وقد أجمع المفسّرون بأنَّ المراد بأبنائنا الحسن والحسين عليهما السلام. قال أبو بكر الرازيُّ: هذا يدلُّ على أنّهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وأنَّ ولد الابنة ابنٌ على الحقيقة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (مَنْ مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة). الإمام: هو خليفة النبي صلى الله عليه وآله وممثله في أُمته في تبليغ أحكام الشريعة فإذا غفل المسلم معرفة إمامه ولم يستهد به ضلّ عن نهج الإمام ومات كافراً منافقاً. وقد أشعر الحديث بضرورة وجود الإمام ووجوب معرفته مدى الحياة، لأنّ إضافة الإمام إلى الزمان تستلزم استمراريّة الإمامة وتجدّدها عبر الأزمنة والعصور. قال الله عزوجل: “أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ” (النساء 59) فكان علي صلوات الله عليه ثمّ صار من بعده حسن ثمّ حسين ثمّ من بعده علي بن الحسين ثمّ من بعده محمّد بن علي وهكذا يكون الأمر. إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام ومَنْ مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه ها هنا وأهوى بيده إلى صدره يقول: حينئذ لقد كان على أمر أحسن).
وعن الحسين عليه السلام وعالم الرؤيا يقول الشيخ معاش في كتابه: الدليل الشرعي على الرؤيا في المنام فقد تطرّق القرآن الكريم وأشار إليها منها قوله تعالى: “إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ للإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ” (يوسف 4-5) و: “فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ” (الصافات 102) و: “وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ” (الاسراء 60). وذكر مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (مَنْ رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي). ولمّا كان الحسين عليه السلام ملاحقاً من قبل عمّال يزيد بن معاوية، لرفضه بيعة يزيد راح يشكو من ظلمه إلى قبر جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله. وقد ذكر أحمد بن أعثم في كتابه قائلاً: وخرج الحسين بن علي من منزله ذات ليلة وأتى إلى قبر جدّه صلى الله عليه وآله فقال: (السلام عليك يا رسول الله أنا الحسين بن فاطمة أنا فرخك وابن فرختك وسبطك في الخلق الذي خلفت على أُمّتك فاشهد عليهم يا نبي الله أنّهم قد خذولني وضيّعوني وأنّهم لم يحفظوني وهذا شكواي إليك حتّى ألقاك صلّى الله عليك وسلم). ثمّ وثب قائماً وصفّ قدميه ولم يزل راكعاً وساجداً. ورجع الحسين إلى منزله مع الصبح فلمّا كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضاً فصلّى ركعتين فلمّا فرغ من صلاته جعل يقول: (اللّهمّ إنّ هذا قبر نبيّك محمّد وأنا ابن بنت نبيّك وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللّهمّ إنّي أُحبّ المعروف وأكره المنكر وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ هذا القبر ومَنْ فيه ما اخترت لي من أمري هذا ما هو لك رضاً). قال: ثمّ جعل الحسين يبكي حتّى إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ساعة فرأى النبي صلى الله عليه وآله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتّى ضمّ الحسين عليه السلام إلى صدره وقبّل بين عينيه وقال: (يا بني يا حسين كأنّك عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كرب وبلاء بين عصابة من اُمّتي وأنت في ذلك عطشان لا تُسقى وظمآن لا تُروى وهم مع ذلك يرجون شفاعتي! ما لهم؟ لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة فما لهم عند الله من خلاق. حبيبي يا حسين إنّ أباك وأُمّك وأخاك قد قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون وإنّ لك في الجنة درجات لن تنالها إلاّ بالشهادة). قال: فجعل الحسين ينظر في منامه إلى جدّه ويسمع كلامه وهو يقول: (يا جدّاه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا أبداً فخذني إليك واجعلني معك إلى منزلك). قال: فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله: (يا حسين إنّه لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتّى تُرزق الشهادة وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ). قال: فانتبه الحسين من نومه فزعاً مذعوراً فقصّ رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطّلب فلم يكن ذلك اليوم في شرق ولا غرب أشدّ غمّاً من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ولا أكثر منه باكياً وباكية.
وعن رأس الحسين عليه السلام الشريف يقول الشيخ كمال معاش: عن المنهال بن عمر قال: أنا والله رأيت رأس الحسين حين حُمل وأنا بدمشق وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتّى بلغ قوله تعالى: “أَم حَسِبْتَ أنَّ أصحابَ الكَهْفِ والرقيم كانوا من آياتِنا عَجَباً” (الكهف 9). فانطق الله الرأس بلسان ذرب فقال: (أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي). عن عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنّه قال: (لمّا أُتي برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد كان يتّخذ مجالس الشرب ويأتي برأس الحسين فيضعه بين يديه ويشرب عليه فحضر ذات يوم أحد مجالسه رسول ملك الروم وكان من أشراف الروم وعظمائها فقال: يا ملك العرب رأس مَنْ هذا؟ فقال له يزيد: ما لك ولهذا الرأس؟ قال: إنّي إذا رجعت إلى ملكنا يسألني عن كلّ شيء رأيته فأحببت أن أخبره بقصّة هذا الرأس وصاحبه. فقال يزيد: رأس الحسين بن علي بن أبي طالب. فقال: ومَنْ اُمّه؟ قال: فاطمة الزهراء. قال: بنت مَنْ؟ قال: بنت رسول الله. فقال الرسول: أفٍّ لك ولدينك ما دين أخسّ من دينك اعلم أنّي من أحفاد داود وبيني وبينه آباء كثيرة والنصارى يعظّموني ويأخذون التراب من تحت قدمي تبركاً، لأنّي من أحفاد داود وأنتم تقتلون ابن بنت رسول الله وما بينه وبين رسول الله إلاّ اُمّ واحدة فأي دين هذا؟ قال بعض العلماء: إنّ اليهود حرّموا الشجرة التي كان منها عصا موسى أن يخبطوا بها وأن يوقدوا منها النار، تعظيماً لعصا موسى وإنّ النصارى يسجدون للصليب، لاعتقادهم فيه أنّه من جنس العود الذي صُلب عليه عيسى وإنّ المجوس يعظّمون النار، لاعتقادهم فيها إنّها صارت برداً وسلاماً على إبراهيم بنفسها وهذه الأمّة قد قتلت أبناء نبيّها وقد أوصى الله تعالى بمودّتهم وموالاتهم فقال عزَّ من قائل: “قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى” (الشورى 23).
وعن جزاء من قتل الحسين عليه السلام يقول الشيخ معاش في كتابه: إنّ من صفات الله تعالى العدل، فلذلك جَعل يومَ المعاد يوماً للجزاء ولإحقاق الحقّ وإنّ الله تعالى يمهل ولا يهمل فإن لم ينتقم لعباده الصلحاء في دار الدُنيا فهو مقتصّ لهم من خصومهم في الآخرةِ وإنّه ناصرٌ مؤيَد لعبادهِ الصالحين. فقد روي أنّ قومَ نبي الله صالح قد عقروا ناقته فأنزل الله عذابه الربّاني عليهم بعد ثلاثة أيام “فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ” (هود 65). عقروا ناقة نبيّه فأنزل غضبه عليهم منتصراً لنبيّه فكيف لا ينصرُ مَنْ ينبري للثأر من قتلة أولاد الأنبياء والأوصياء وهو ينتقمُ لِمَنْ ضحّى بدمه وآل بيته وأولاده من أجل بسط شريعة الله على الأرض والحكمُ بدستوره. إنّ الله غضب للإمام الحسين عليه السلام فكُسفت الشمس لمصرعه ومطرت السماء دماً عبيطاً… وكادت الأرض أن تميدَ بأهلها. واشتدّ غضبه على البغاة العصاة يوم رفعوا رؤوس آل البيت على أسنة الرماح يطوفون بهم البلدان وسبوا بنات وحفيدات المصطفى نكاية بآل محمّد الذي هدم أصنامهم وقتل رجالهم العتاة البغاة الخارجين عن إرادة السماء.