د. فاضل حسن شريف
جاء في كتاب في شرح العروة الوثقى للسيد محمد باقر الصدر: أن الجنب لا تنفك جنابته في حال الاحتلام عن نجاسة في بدنه أو ثوبه، فتكون الاية دالة بالدلالة الالتزامية العرفية على المطهرية من الخبث أيضا. ولكن هذا التوهم لا مجال له بعد فرض عدم إمكان إحراز تشريع نجاسة المني في ذلك الوقت، ومع فرض عدم تشريعها في ذلك الوقت فلا ملازمة عرفا بين التطهير من حدث الجنابة والتطهير من الخبث. ومطهرية الماء من الحدث يمكن استفادتها أيضا من قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (المائدة 6) فان مقتضى الاطلاق في الغسل كفاية مطلق الماء، سواء قبل باختصاص صدق عنوان الغسل بالماء أو شموله لمطلقا لمائع. كما أن مقتضى الإطلاق المقامي لقوله “فاطهروا” (المائدة 6) هو كون المأمور به التطهير بالماء، لمركوزية مطهرية الماء عرفا، ويشهد له قوله بعد ذلك “فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا” (المائدة 6). الدليل من الروايات: والاستدلال بالروايات يقع في جهتين: (الجهة الاولى) في الاستدلال بالروايات على طهارة الماء بتمام أقسامه، وقد استدل على ذلك بعدد من الطوائف: منها، ما ذكره السيد الاستاذ دام ظله من الروايات الدالة على أن الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر، فانها تدل على الطهارة الواقعية لطبيعي الماء: أما بناء على تكفلها لإثبات الطهارة الواقعية ابتداء فواضح، وأما بناء على تكفلها لقاعدة الطهارة وتمحضها في ذلك، فإنها تدل حينئذ على الطهارة الواقعية بالالتزام، إذ لو كان الماء نجسا واقعا فلا بعقل جعل قاعدة الطهارة ظاهرا. والتحقيق أنه بناء على نمحض هذه الروايات في قاعدة الطهارة: إما أن يبنى على شمولها للشبهة الحكمية للطهارة والشبهة الموضوعية معا، كما هو المعروف في قاعدة الطهارة، وإما أن يبنى على الاختصاص بالشبهة الموضوعية فان بنى على الاختصاص بالشبهة الموضوعية أمكن الاستدلال بروايات هذه القاعدة على الطهارة الواقعية الذاتية لطبيعي الماء مطلقا.
وعن التيمم يقول العلامة الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره: عدم جواز رفع الحدث بالمضاف مطلقا. وقد استدل على ذلك السيد الاستاذ وغيره من الفقهاء بإطلاق قوله تعالى “فلم تجدوا ماءا فيتمموا صعيدا طيبا” (المائدة 6)، فإن مقتضى الاطلاق هو الانتقال إلى التيمم ولو كان الماء المضاف ميسورا. وبخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون معه اللبن أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، إنما هو الماء والصعيد.
وعن التطهير يقول السيد الصدر قدس سره في كتابه: من الوجوه التي استدل بها على مطهرية المضاف قوله تعالى: “وثيابك فطهر” (المدثر 4) بدعوى: أن التطهير هنا بمعنى التنقية والازالة. فيكون الامر أمرا بازالة القذر عن الثياب، والازالة كما تتحقق بالماء المطلق كذلك بالمضاف. ويرد عليه أولا: انه لو سلمت دلالة الآية على ذلك فتكون بإطلاقها دالة على كفاية الازالة بأي مزيل، سواء كان بالغسل أو بغير ذلك. وهذا يعني أن جميع ما دل على الامر بالغسل يكون أخص مطلقا من الآية الكريمة، فبعد تقييد الآية بما دل على الأمر بالغسل يكون العمل عليه لا عليها. فلا يمكن التمسك بإطلاقها. فإن فرض في الغسل إطلاق يشمل الغسل بالمضاف فيكون ذلك استدلالا بأدلة الأمر بالغسل لا بإطلاق الآية. نعم، تظهر فائدة الاستدلال بالآية فيما لو فرض أن إطلاق الأمر بالغسل تعارض بنحو العموم من وجه مع إطلاق آخر يقتضي عدم الاكتفاء بالغسل، كما هو الحال على بعض التقادير كما تقدم، فانه حينئذ لا بأس بالرجوع إلى إطلاق الآيات لاثبات كفاية الغسل بالمضاف باعتبارها عاما فوقانيا بعد تساقط إطلاق الدليل المخصص مع معارضه، أو باعتبارها، مرجحا لاحد المتعارضين على الآخر لو قيل بالترجيح حتى في المتعارضين بالعموم من وجه -. ويرد عليه ثانيا: ان الاستدلال بالآية الكريمة لا يكفي فيه مجرد حمل التطهير على الازالة، بل لابد مع ذلك من ضم أحد أمرين: الأول ان المأمور بازالته ليس هو النجاسة الحكمية التعبدية، بل أعيان النجاسة من قبيل الدم والبول ونحوهما.