اخر الاخبار

أطفالُ الحسين.. بُناة الوعي وروّاد الهُويّة في مجالس عاشوراء داخل الوطن وفي المهجر/محمد الناصري

محمد الناصري

مع حلول شهر محرّم الحرام من كلّ عام، تتوشّح المجالس والمواكب والمراكز الإسلامية بالسواد، وتتصدر مشاعر الحزن والولاء، وتتحوّل إلى مدارس تربوية وتعبوية، تُعيد تشكيل الوعي الجمعي من منطلق القيم الحسينية. وفي قلب هذه المجالس، تبرز ملامح الطفولة المشرقة، حضورًا ومشاركةً وتأثرًا، لتُعلن أنّ الأجيال الجديدة ليست بمعزل عن النهضة الحسينية، بل هي امتدادها الحي.
*الطفل الحسيني… تربية مبكرة على القيم*
إن اصطحاب الأطفال إلى المجالس الحسينية لا يقتصر على الحضور الشكلي، بل هو ممارسة تربوية عميقة الأثر، تغرس في وجدان الطفل حبّ أهل البيت عليهم السلام، وتُعلّمه معاني التضحية، والكرامة، والعدل، والرفض للظلم.
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله:
“مُروا أولادكم بزيارة الحسين عليه السلام، فإنها تزيد في الرزق، وتطيل العمر، وتدفع ميتة السوء”
(بحار الأنوار، ج101).
وهو ما يُفسّر لماذا تحرص كثيرٌ من العوائل داخل العراق وخارجه على إشراك أبنائها في هذه المجالس، سواء بالاستماع أو بتقديم الخدمات أو بالمشاركة في مواكب العزاء، كنوع من الربط العملي بين العقيدة والسلوك.
*التجربة الأوروبية: حين يتكلّم الحسين بلغات متعددة*
في دول المهجر، وتحديدًا في أوروبا، كان التحدي الأكبر هو الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية لدى الأطفال المولودين خارج أوطانهم، ممّن لم يتقنوا العربية بعد، ويتأثرون بلغات وثقافات المجتمعات الأوروبية.
وفي هذا الإطار، برزت تجربة مؤسسة الكوثر الثقافية في مدينة لاهاي بهولندا كمثال رائد يُحتذى به؛ إذ منذ تأسيسها، وضعت ضمن أولوياتها تقديم برامج مخصصة للأطفال والشباب بلغة البلد الذي يعيشون فيه، كالهولندية أو الإنجليزية، إلى جانب العربية، بما يُخاطب عواطفهم ويقربهم من مضامين المجالس الحسينية.
وقد أصبحت هذه الخطوة منهجًا معتمدًا في العديد من المراكز الإسلامية في أوروبا، حيث بات من المعتاد أن تتضمن كلّ مجلس فقرة بلغة محلية موجهة للأطفال واليافعين، تُسهم في زرع الانتماء وتعميق المفاهيم الإسلامية الأصيلة بطريقة عصرية مؤثرة.
*بناء الشخصية وتعزيز القيادة في سنّ مبكر*
إن إشراك الأطفال في المجالس، سواء بالحضور أو عبر تقديم الخدمات – مثل توزيع المياه أو التهيئة للمجالس – يترك أثرًا بالغًا في بناء شخصية الطفل وتنمية حسّه بالمسؤولية والانتماء والقيادة.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
“أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن
(الخصال – الشيخ الصدوق).
فتلك المجالس لا تقتصر على العَبرة، بل تحمل معها العِبرة، والمبدأ، والتربية الروحية والأخلاقية التي تبني جيلاً راسخًا في انتمائه، ثابتًا في مواقفه، قادرًا على التمييز بين الحق والباطل.
*بين الوطن والمهجر… طفولة واحدة، ورسالة خالدة*
ما يُثير الإعجاب اليوم هو أن الأطفال في داخل العراق وخارجه، على اختلاف البيئات، يشتركون في ذات الروح العاشورائية، وإن اختلفت اللغات والسياقات. فالطفل في الناصرية أو بغداد، كما الطفل في لاهاي أو لندن أو أوسلو، يتربى في حضن المنبر الحسيني ويكتسب من كربلاء مفاهيمه الأولى عن الحياة.

وهنا تكمن عظمة المجالس الحسينية، التي تتجاوز الزمان والمكان واللغة، لتصنع أمة لا تنكسر مهما تعاقبت التحديات.