اخر الاخبار

أهل البيت عليهم السلام المرجعية و الميزان «نحن النمرقة الوسطى» /محمد جواد الدمستاني

أهل البيت عليهم السلام المرجعية و الميزان

«نحن النمرقة الوسطى»

في وجوب اتبّاع أهل البيت عليهم السلام و جعلهم المرجع و الميزان و المقياس و عدم الانحراف عنهم، بل الإِنقياد لهم و اتباعهم لفهم الدين فهما صحيحا بعيدا عن الإفراط و التفريط روي عن أمير المؤمنين عليهم السلام قوله: «نَحْنُ النُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى، بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي، وَ إِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي»[1].

و في الكافي عن الإمام الرضا عليه السلام: «نَحْنُ آلَ مُحَمَّدٍ اَلنَّمَطُ اَلْأَوْسَطُ اَلَّذِي لاَ يُدْرِكُنَا اَلْغَالِي وَ لاَ يَسْبِقُنَا اَلتَّالِي»[2].

و الضمير نحن أي أمير المؤمنين و الأئمّة الإثنى عشر صلوات الله عليهم، و نمرقة من نمرق و الجمع نمارق و هي الوسائد، و في القرآن الكريم «وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ»، في وصف الجنّة في سورة الغاشية «فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ‏لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ‏وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ»‏[3].

و وصفها عليهم السلام بالوسطى لاتصال بقية النمارق بها و الاستناد عليها مباشرة أو بواسطة ما بجانبها، فأهل البيت حجج الله على عباده، و أئمة الحق و العدل يستند الخلق إليهم في تدبير أمورهم، و حق لهم عليهم السلام  أن يلحق بهم التالي المقصّر، و يرجع اليهم الغالي المتجاوز، كما يستند إلى الوسادة المتوسطة من على جانبيها لراحة الجسم و استقراره.

العدل و الاستقامة و الفضائل صفتهم عليهم السلام و هي محفوفة بطرفين من الافراط و التفريط و هم عليهم السلام في الوسط المطلوب و الممدوح و هم عليهم السلام المقياس و المعيار و الميزان و هم طريق العدل و الرشد و الهداية، فإذا ابتعد الإنسان عنهم و انجدب إلى أحد الطرفين فقد ضاع و تاه فيلزمه الرجوع إليهم و اللحاق بهم، و في نهج البلاغة أمر للنّاس بسلوك النمط الأوسط فيهم، قال (ع): «وَ سَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وَ مُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وَ خَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالًا النَّمَطُ الْأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ»[4]، و في البحار عن أمير المؤمنين عليه السلام «خَيْرُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ اَلنَّمَطُ اَلْأَوْسَطُ»[5].

فـــ «بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي» أي المتخلف عنهم في طرف التقصير و التفريط، و الّذي لم يلتحق بهم، و لم يقرّ بهم، و لم يقربهم، أو انحرف عنهم، أو تركهم، أو ترك نصرتهم، فيجب أن يلحق بهم للنجاة.

و «إِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي»، أي المتجاوز عنهم في طرف الزيادة و الافراط، و الغالي من الغلّو و هو الّذي وصل إليهم و أقرّ بهم و لكنه تجاوز حدّه و اعتقد فيهم ما لا يرتضونه، فيجب أن يرجع إليهم للنجاة.

و أقصى أطراف التفريط هم النواصب المعادين لأهل البيت عليهم السلام و المتظاهرين بذلك، و أقصى أطراف الافراط هم الغلاة الذين ينسبون الألوهية لهم (ع)، و روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «اِحْذَرُوا عَلَى شَبَابِكُمْ اَلْغُلاَةَ لاَ يُفْسِدُونَهُمْ، فَإِنَّ اَلْغُلاَةَ شَرُّ خَلْقِ اَللَّهِ، يُصَغِّرُونَ عَظَمَةَ اَللَّهِ، وَ يَدَّعُونَ اَلرُّبُوبِيَّةَ لِعِبَادِ اَللَّهِ،..»[6].

فهم عليهم السلام أئمة العدل و قادة الأمم و مرجعيتها و سندها الحقيقي، فعلى النّاس أن يلتحقوا بهم، ويقتدوا بهم، و يأخذوا عنهم أمورهم، فعلى التالي المتخلف عنهم أن يلحق بهم و يقرّ بهم و إلا هلك، و على الغالي الذي تجاوز حدّه فيهم الرجوع إليهم و الاعتقاد بما يقولون و إلا هلك.

فعليهم الإقرار بآل محمد صلوات الله و سلامه عليهم و اتباعهم، و الاقتداء بهم، و جعلهم المرجعية الرئيس و الفاصل، و عدم الانحراف عنهم طلبا للنجاة و إلا هلكوا، و في حديث الأربع مائة مما يصلح للمسلم في دينه و دنياه روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «إِذَا سَمِعْتُمْ مِنْ حَدِيثِنَا مَا لاَ تَعْرِفُونَ فَرُدُّوهُ إِلَيْنَا وَ قِفُوا عِنْدَهُ وَ سَلِّمُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اَلْحَقُّ، وَ لاَ تَكُونُوا مَذَايِيعَ عَجْلَى، إِلَيْنَا يَرْجِعُ اَلْغَالِي وَ بِنَا يَلْحَقُ اَلْمُقَصِّرُ اَلَّذِي يُقَصِّرُ بِحَقِّنَا، مَنْ تَمَسَّكَ بِنَا لَحِقَ وَ مَنْ سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقَتِنَا غَرِقَ، لِمُحِبِّينَا أَفْوَاجٌ مِنْ رَحْمَةِ اَللَّهِ وَ لِمُبْغِضِينَا أَفْوَاجٌ مِنْ غَضَبِ اَللَّهِ، وَ طَرِيقُنَا اَلْقَصْدُ وَ فِي أَمْرِنَا اَلرُّشْدُ»[7].

و في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام أمر للشيعة في أن يكونوا النمرقة الوسطى و المرجعية للنّاس كأئمتهم عليهم السلام، قال (ع): «يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ، شِيعَةِ آلِ مُحَمَّدٍ كُونُوا اَلنُّمْرُقَةَ اَلْوُسْطَى، يَرْجِعُ إِلَيْكُمُ اَلْغَالِي، وَ يَلْحَقُ بِكُمُ اَلتَّالِي»[8].

و في رواية الحارث الهمداني قال أمير المؤمنين عليه السلام: «يَا أَخَا هَمْدَانَ، أَلاَ إِنَّ خَيْرَ شِيعَتِي اَلنَّمَطُ اَلْأَوْسَطُ، إِلَيْهِمْ يَرْجِعُ اَلْغَالِي، وَ بِهِمْ يَلْحَقُ اَلتَّالِي، قَالَ: لَوْ كَشَفْتَ – فِدَاكَ أَبِي وَ أُمِّي – اَلرَّيْنَ عَنْ قُلُوبِنَا، وَ جَعَلْتَنَا فِي ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا،..»[9].

و في بيان صفة و عظمة أهل البيت عليهم السلام و نجاة مناصريهم و هلاك معاديهم روي عن أمير المؤمنين عليهم السلام: «نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَ مَحَطُّ الرِّسَالَةِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ، وَ يَنَابِيعُ الْحُكْمِ، نَاصِرُنَا وَ مُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ، وَ عَدُوُّنَا وَ مُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ»[10]، و «نَحْنُ أُمَنَاءُ اَللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَ مُقِيمُو اَلْحَقِّ فِي بِلاَدِهِ، بِنَا يَنْجُو اَلْمُوَالِي وَ بِنَا يَهْلِكُ اَلْمُعَادِي»[11].

و سياق الكلمة كما في تمام نهج البلاغة هو في بيان فضل و عظمة أهل البيت عليهم السلام، كلّم به عليه السلام الخوارج حين تكلموا في التحكيم و التوبة، قال (ع): «بَلْ بِنَا هَدَاكُمُ اللّهُ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَ اسْتَنْقَذَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَ عَصَمَكُمْ مِنَ الْجَهَالَةِ، نَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَ مَوْضِعُ الرِّسَالَةِ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ، وَ عُنْصُرُ الرَّحْمِ، وَ مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ.

نَحْنُ دُعَاةُ الْحَقِّ، وَ أَئِمَّةُ الْخَلْقِ ، وَ أَلْسِنَةُ الصِّدْقِ، نَحْنُ النُّمْرُقَةُ الْوُسْطى، [وَ] أُفُقُ الْحِجَازِ، بِنَا يَلْحَقُ التّالِي الْبَطيءُ، وَ إِلَيْنَا يَرْجِعُ الْغَالِي التّائِبُ، طَريقُنَا الْقَصْدُ، وَ أَمْرُنَا الرُّشْدُ ، مَنْ تَمَسَّكَ بِنَا لَحِقَ، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنّا مُحِقَ، وَ مَنِ اتَّبَعَ أَمْرَنَا سَبَقَ، وَ مَنْ سَلَكَ غَيْرَ سَبيلِنَا سُحِقَ، وَ مَنْ رَكِبَ غَيْرَ سَفينَتِنَا غَرِقَ.

إِنَّ لِمُحِبّينَا أَفْوَاجٌ مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ، وَ إِنَّ لِمُبْغِضينَا أَفْوَاجٌ مِنْ سَخَطِ اللّهِ – سبُحَاَنهُ»[12].

فآل محمد عليهم السلام أئمة العدل، و مستند الخلق في تدبير أمورهم، فهم المرجعية الأصل للأمم و الميزان و المقياس فيجب أن يلحق بهم التالي المقصّر، و يرجع إليهم الغالي المتجاوز، و في الدعاء «اَللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنَا مِنَ اَلَّذِينَ تَقَدَّمُوا فَمَرَقُوا، وَ لاَ مِنَ اَلَّذِينَ تَأَخَّرُوا فَمُحِقُوا، وَ اِجْعَلْنَا مِنَ اَلنُّمْرُقَةِ اَلْأَوْسَطِ»[13].

[1] – نهج البلاغة – حكمة 109

[2] – الکافي، الكليني، ج1، ص100

[3] – سورة الغاشية، آية 10-15

[4] – نهج البلاغة، خطبة 127

[5] – بحار الأنوار، المجلسي، ج4، ص 41

[6] – الأمالي، الطوسي، ص 650

[7] – الخصال، الصدوق، ج2، ص610، و في تحف العقول عن آل الرسول علیهم السلام، ابن شعبة الحراني، ص 100 «.. وَ بِنَا يَلْحَقُ اَلْمُقَصِّرُ، مَنْ تَمَسَّكَ بِنَا لَحِقَ وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنَّا مُحِقَ، مَنِ اِتَّبَعَ أَمْرَنَا لَحِقَ، مَنْ سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقَتِنَا سُحِقَ – لِمُحِبِّينَا أَفْوَاجٌ مِنْ رَحْمَةِ اَللَّهِ وَ لِمُبْغِضِينَا أَفْوَاجٌ مِنْ سَخَطِ اَللَّهِ – طَرِيقُنَا اَلْقَصْدُ وَ أَمْرُنَا اَلرُّشْدُ».

[8] – الکافي، الكليني، ج2، ص75

[9] – الأمالي (المفید)، ص 3، الأمالي (الطوسی)، ص625

[10] – نهج البلاغة، خطبة 109

[11] – عیون الحکم، الليثي الواسطي، ص 499

[12] – تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٦٧١

[13] – الإختصاص، المفيد، ص332

Play Video