اخر الاخبار

البابا فرنسيس.. تقدير خاص لإرث العراق ومواقف داعمة للسلام

بوفاة البابا فرنسيس، أُسدل الستار على مسيرة حافلة لرأس الكنيسة الكاثوليكية دامت 12 عامًا، وبرزت خلالها مواقف إنسانية داعمة للسلام والتعايش المشترك ونبذ الحروب، فضلًا عن تأكيده على الحوار بين الأديان، كما ظهر بشكل جلي تقديره الخاص لإرث العراق الغني الذي وصفه بأنه مهد الحضارة، وتجسد بزيارته التاريخية عام 2021.

ونستعرض في هذا التقرير، بعض مواقف بابا الفاتيكان الراحل من زيارته إلى العراق، ومواقفه الداعية إلى الحوار والسلام في الشرق الأوسط والعالم.

زيارة البابا فرنسيس إلى العراق ولقائه مع المرجع الأعلى السيد السيستاني

أجرى البابا فرنسيس في آذار 2021 زيارة تاريخية إلى العراق، التقى خلالها المرجع الديني الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله).

ووصل البابا فرنسيس إلى العراق قادمًا من روما، في أول زيارة خارجية له حينها منذ تفشي وباء كورونا، حاملًا رسالة تضامن إلى إحدى أكثر المجموعات المسيحية تجذرًا في التاريخ في المنطقة والتي عانت لعقود ظلمًا واضطهادات.

وأصدر المكتب الصحفي لبابا الفاتيكان، يوم السبت (6 آذار 2021)، بياناً كشف فيه تفاصيل لقاء البابا فرنسيس بالمرجع الديني الأعلى، سماحة آية الله السيد علي السيستاني “دام ظله” في المدينة القديمة بمحافظة النجف.

التعاون بين الجماعات الدينية

وجاء في البيان الصادر عن مدير دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي، واطلع عليه “شفقنا العراق”، أنه “شدّد قداسةُ البابا خلال هذه الزيارة الودّية، التي دامت حوالي خمس وأربعين دقيقة، على أهمّية التعاون والصداقة بين الجماعات الدينية، حتى تتمكّن من المساهمة في خير العراق والمنطقة والبشريّة جمعاء، من خلال تعزيز الاحترام المتبادل والحوار”.

وأضاف البيان: “قد شكّل هذا اللقاءُ فرصةً لقداسة البابا حتى يشكرَ آيةَ الله العظمى السيستاني لأنّه رَفَعَ صوته، مع الطائفة الشيعيّة، إزاء العنف والصعوبات الكبيرة التي شَهِدَتها السنوات الأخيرة، دفاعًا عن الضعفاء والمُضطَّهَدين، مؤكّدًا قدسيّة الحياةِ البشريّة وأهمّية وَحدة الشعب العراقي”.

وأثناء وداعه لآية الله العظمى، كرّر قداسةُ البابا صلاتَه إلى الله، خالق الجميع، من أجل مستقبلٍ يسودُه السلامُ والأخوّةُ لأرضِ العراق الحبيبة والشرق الأوسط والعالم أجمع.

البابا فرنسيس: العراق مهد الحضارة

وخلال زيارته التاريخية إلى العراق قال البابا فرنسيس إنه جاء إلى هذا البلد حاجًا، وإن رسالات الأديان تدعو للسلام والتعايش المشترك، داعيا العراقيين إلى العملة لمصلحة بلادهم بالقول: “كفى عنفا ولتصمت الأسلحة”.

ووجه البابا في كلمة له ألقاها بقصر السلام في بغداد: “إني ممتن لإتاحة الفرصة لي لان أقوم بهذه الزيارة، التي طال انتظارها إلى هذه الأرض، مهد الحضارة، والمرتبطة ارتباطا وثيقا، من خلال النبي إبراهيم والعديد من الأنبياء”.

وأضاف البابا، أنه “على مدى العقود الماضية، عانى العراق من كوارث الحروب وآفة الإرهاب، ومن صراعات جلبت الموت والدمار”.

ودعا البابا فرنسيس، المجتمع الدولي إلى أن “يقوم بدور حاسم في تعزيز السلام في العراق وكل الشرق الأوسط”، مبينا أن “التحديات المتزايدة تدعو الأسرة البشرية بأكملها في التعاون على نطاق عالمي لمواجهة عدم المساواة في مجال الاقتصاد، والتوترات الإقليمية التي تهدد استقرار هذه البلدان”.

البابا يدعو إلى تشجيع الحوار في العراق

وأكمل البابا، أن “العراق مدعو إلى أن يبين أن الاختلافات يمكن أن تتحول إلى تعايش ووئام، ويجب تشجيع الحوار، وندعو إلى الاعتراف بكل المجتمعات والاتجاهات”.

ودعا البابا فرنسيس السياسيين إلى “التصدي لآفة الفساد واستغلال السلطة”، مشددا على ضرورة “بذل الجهود لخلق فرص اقتصادية وتربوية وإجادة أعمال البناء من أجل نتيجة أفضل”.

وأكمل: “صلينا لسنوات من أجل سلامة العراق، كفى عنفاً وتطرفاً وعدم تسامح، ولنضع حداً لانتشار الأسلحة في كل مكان ولنوقف المصالح الخاصة ولنعط مجالاً للتسامح”، مشددا على ضرورة أن “نتصدى للتوترات الإقليمية التي تعرض البلدان للخطر”.

وتابع البابا فرنسيس: “أشجع الخطوات الإصلاحية المتخذة في العراق”، مبينا أن “تلبية الاحتياجات الأساسية للكثير من الإخوان تجلب السلام الدائم، والديانة يجب أن تكون بخدمة السلام والإخوّة، كما أنه يجب العمل من أجل تعزيز السلام في الشرق الأوسط وفي كل العالم”.

مطالبة بالاهتمام بالشباب العراقي

وخلال زيارته إلى كنيسة السيدة النجاة، أشار البابا إلى أن “الصعاب جعلت الكثيرين من العراقيين يهاجرون بلدهم”، مضيفاً “علينا أن نكون في شراكة واحدة مع الجميع”.

وأضاف إنه يفكر بالشباب العراقيين الذين وصفهم بثروة المستقبل، وهم جوهر العراق، يجب الاعتناء بهم وتلبية ما يريدونه.

وتابع “أنا أفكر بشباب العراق، بما يعانوه جراء الحروب والدمار”.

وأضاف البابا بالقول: “كان عليكم مواجهة الحرب والاضطهاد وهشاشة البنى التحتية، والنضال من أجل الأمن الاقتصادي والداخلي،، نشكركم على بقائكم إلى جانب شعبكم، وإن الرسالة التربوية ورسالة المحبة في كنائسكم الخاصة تمثل الحياة.

البابا وتاريخ المسيحية في العراق

وفي مقدمته لكتاب يتناول تاريخ المسيحية في العراق، استذكر البابا فرنسيس زيارته إلى العراق، وأشار إلى أهمية لقائه بسماحة السيد السيستاني (دام ظله) في النجف.

ويتناول الكتاب، تاريخ المسيحية في بلاد الرافدين، مع تسليط الضوء على زيارة البابا فرنسيس التاريخية إلى العراق عام 2021، ودور الكرسي الرسولي الدبلوماسي في المنطقة.

ويتضمن الكتاب توطئة بقلم البابا فرنسيس، كتبها بالإيطالية وتمت ترجمتها إلى الألمانية.

واستذكر البابا في مقدمته، زيارته الرسولية إلى العراق وسط التحديات الصحية والأمنية آنذاك.

وأكد أنه “أراد بواسطتها التعبير عن محبته وتضامنه مع المسيحيين وجميع أصحاب النيات الحسنة، الذين يحتلون مكانة خاصة في قلبه وصلواته”.

أهمية اللقاء بسماحة المرجع الأعلى

كذلك أشار البابا إلى أن “العراق، رغم الصعوبات، يملك مقومات عظيمة تؤهله للنهوض، وأهمها شعبه”.

كما دعا إلى “المشاركة في إعادة إعمار المجتمع وتعزيز الديمقراطية والحوار بين الأديان”.

ثم أشار أيضًا إلى “أهمية لقائه بالمرجع الديني الأعلى آية الله السيد علي السيستاني في النجف”.

وعدّ أن “هذا اللقاء وجه رسالة عالمية بأن العنف باسم الدين يعد انتهاكًا للدين نفسه، وأن الأديان ملزمة بالعمل من أجل السلام وتعليمه للآخرين”.

وتطرق البابا إلى “زيارته لمدينة أور، حيث التقى ممثلين عن مختلف الأديان، في لحظة تجمعهم تحت السماء نفسها التي تأملها النبي إبراهيم منذ آلاف السنين”.

الإرث العريق للمسيحية في العراق

وتناول البابا في التوطئة “الإرث العريق للمسيحية في العراق”.

كذلك أشار إلى “المدارس اللاهوتية القديمة، والتعايش الممتد بين المسلمين والمسيحيين، والمراحل الصعبة التي مرت بها الطوائف المسيحية، بما في ذلك الاضطهادات خلال القرن العشرين.

كما أثنى على تنوع الشعائر الكاثوليكية في المنطقة، ودور الفاتيكان في دعم المسيحيين العراقيين عبر ممثليه الدبلوماسيين”.

ولفت البابا إلى أن “هذا الكتاب يظهر صورة غنية عن العراق كمجتمع متعدد الثقافات والأديان”.

ودعا المسيحيين هناك إلى “التمسك بإرثهم التاريخي رغم التحديات مثل الهجرة وعدم الاستقرار السياسي”.

وفي ختام التوطئة، شدد البابا فرنسيس على أن “العراق لا يمكن تصوره دون مسيحييه، لأنهم جزء أساسي من هويته”.

متمنيًا أن “يقدم العراقيون نموذجًا للعالم حول إمكانية العيش المشترك بسلام رغم الاختلافات”.

من هو البابا فرنسيس؟

البابا فرنسيس الأول، رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، وهو البابا رقم 266 في سدة البابوية، والمعروف بمواقفه الإنسانية وتواضعه، وزار عدداً من الدول العربية، رافضاً الربط بين الإسلام والإرهاب.

البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، أرفع منصب مسيحي في العالم، تميز بشخصيته المتواضعة ومناصرته للمحرومين والضعفاء.

اسمه الأصلي قبل اعتلاء سدة البابوية خورخي ماريو بيرجوليو، وهو أرجنتيني ولد في العام 1936 في الأرجنتين، وشغل فيها العديد من المناصب الكنسية.

تدرج البابا فرنسيس في المناصب الكنسية في الأرجنتين

شغل منصب الرئيس الإقليمي للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين بين عامي (1973 – 1979)، واصبح أسقفاً مساعداً في بيونس آيرس بين عامي (1992 – 1998).

انتخب في العام 1998 رئيس أساقفة بيونس آيرس وبقي حتى عام 2013، بالإضافة إلى أنه كان في الفترة ذاتها مسؤولاً للكنائس الكاثوليكية الشرقية في الأرجنتين، وشغل أيضاً منصب رئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأرجنتين (2005 – 2011).

تاريخ سيامته الأسقفية  27 حزيران/يونيو 1992، ومنح رتبة “الكاردينال” في العام 2001 من بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني.

البابا رقم 266 في الفاتيكان

انتخب الكاردينال خورخي ماريو بيرجوليو، بابا للفاتيكان، وتمّ تنصيبه في 19 آذار/مارس 2013، في ساحة القديس بطرس، في عيد القديس يوسف.

انتُخب البابا بعد انعقاد المجمع البابوي لاختيار الحبر الأعظم بعد استقالة البابا بيندكتوس السادس عشر، ويعتبر المجمع الذي انتخبه الأقصر في تاريخ المجامع المغلقة.

بعد انتخابه أعلن الفاتيكان أن البابا الجديد اختار اسم (فرنسيس الأول)، وهو بذلك أول بابا منذ عهد البابا لاندو (913 – 914) لا يختار اسماً استعمله أحد أسلافه، وهو أول بابا يطلق على نفسه هذا الاسم، نسبة إلى القديس فرنسيس الأسيزي، الذي لعب دورًا هامًا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، وترك حياة الترف واختار حياة الزهد، وبدأ بالدعوة إلى مساعدة الفقراء، ونادى بإعادة بناء الكنيسة.

وبوصفه راهباً يسوعياً، يأتي اختياره اسم فرنسيس تكريماً للقديس فرنسيس كسفاريوس، الإسباني، وأحد مؤسسي الرهبنة اليسوعية التي ينتسب إليها البابا.

البابا فرنسيس هو أول بابا من الأميركيتين، ومن أمريكا الجنوبية، ومن الأرجنتين، منذ عام 741، وهو أول بابا من خارج أوروبا منذ عهد البابا غوريغوريوس الثالث.

كما أنه أول بابا من الرهبنة اليسوعية منذ البابا غوريغوريوس السادس عشر، وهو أول بابا يسوعي على الإطلاق.

المواقف الدينية والسياسية للبابا فرنسيس

عرُف عن البابا فرنسيس الأول على الصعيد الشخصي، وكذلك كقائد ديني، التواضع، والبساطة، والبُعد عن التكلف في التقاليد، ودعم الحركات الإنسانية، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتشجيع الحوار، والتواصل بين مختلف الخلفيات والثقافات.

ألغى الكثير من التقاليد البابوية التي كانت سائدة قبله، ومنها رفضه الإقامة في القصر الرسولي، حيث يستخدمه فقط للإطلالة على الحشود يومي الأحد والأربعاء.

كان له مواقف بارزة على صعيد السياسة العالمية، ومنها تنديده بالعنف الذي تشهده الحرب السورية منذ العام 2011.

كما رفض الربط بين الإسلام والإرهاب.

زيارته إلى العراق كانت أول زيارة لبابا الفاتيكان إلى هذا البلد، وكان قد زار الشرق الأوسط سابقاً في أيار/مايو 2014، عندما زار الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة.

أكد على حق الشعب الفلسطيني في أن يكون له وطن مستقل ويتمتع بالسيادة.

التقى بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في الإمارات في 4 شباط/فبراير 2019 ووقّع معه وثيقة الأخوة الإنسانية، وتخليداً لهذه الوثيقة اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع باختيار ذكرى 4 من شباط من كل عام يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية.