اخر الاخبار

التوصيات العامة للخطباء والمبلغين في شهر محرم الحرام 1447هـ الصادرة من مؤسسة الامام علي (ع) – لندن
بمناسبة قرب حلول شهر محرم المحرم ، أصدرت مؤسسة الامام علي (ع) التوجيهات والنصائح التالية للاخوة خطباء المنبر الحسيني واليكم نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين وبعد:
قال امامنا الصادق (ع) لفضيل بن يسار (أتجلسون وتتحدثون ؟ قال فقلت نعم ، فقال ان تلك المجالس احبها فأحيوا أمرنا فرحم الله من أحيا أمرنا)
لم يكن شهر محرّم الحرام مجرد مناسبة تاريخية تمرّ على الأمة، بل هو موسم إحياء الوعي وبعث الضمير الإسلامي، تتجلّى فيه مظلومية أهل البيت عليهم السلام، وتتجلّى معه مسؤولية الأمة في حمل الرسالة المحمدية الأصيلة. ومن هنا، تقع على عاتق الخطباء والمبلّغين مسؤولية جسيمة في هذا الشهر، إذ يتوجّه إليهم الناس بعقولهم وقلوبهم، ينشدون الكلمة الهادية، والموعظة المربية، والسيرة الطاهرة.
ولذلك، لا بدّ من وقفة تأمّل قبيل الدخول في هذا الموسم، نستلهم فيها من هدي الأئمة الأطهار عليهم السلام، لنقدّم خطابًا عاشورائيًا يليق بالنهضة الحسينية، ويرتقي إلى مستوى التحديات الفكرية والثقافية المعاصرة.
وفيما يلي جملة من الوصايا والإرشادات التي يُستحسن للخطباء والمبلغين التأمل فيها والعمل بها خلال هذا الشهر العظيم.
أولاً: تجديد النية وإخلاص القصد
ينبغي أن يستشعر الخطيب أن المنبر الحسيني أمانة إلهية، وأنه امتداد لرسالة الحسين عليه السلام، فلا يكون صعوده إليه بدافع طلب الشهرة أو الرياء أو التباهي، بل بنية خالصة لنشر الدين والدعوة إلى الحق. قال الإمام الصادق عليه السلام:
“من طلب هذا الأمر ليصيب به شيئًا من الدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب”.
وكلما صدقت النية، فتح الله للخطيب أبواب التوفيق، وأثر في القلوب، وكان منارًا للهداية.
ثانيًا: الاعتناء بالعلم والتحقيق
منبر الحسين عليه السلام ليس موضعًا للإنشاء أو العاطفة المجردة، بل هو منبر علم وهداية. وعليه، فلابد من أن يُبنى الخطاب على أساس من التحقيق والتوثيق، فيُنقل الحدث التاريخي من مصادر معتبرة، وتُروى الرواية بعد التأكد من صدق سندها أو شهرتها أو مضمونها الموافق لثوابت العقيدة.
وينبغي أيضًا تجنّب الخرافات أو الروايات الموضوعة أو المبالغات التي تشوه صورة النهضة الحسينية، وتمنح خصوم المذهب فرصة للنيل منه. فالصدق في النقل، والدقة في البيان، والابتعاد عن ما يسيء إلى صورة أهل البيت عليهم السلام، هو من أعظم مظاهر الولاء لهم.
ثالثًا: إبراز البعد الرسالي في النهضة الحسينية
من المهم أن يُسلّط الضوء في الخطاب العاشورائي على البعد الرسالي في ثورة الإمام الحسين عليه السلام، فنهضته لم تكن لأجل الثأر، ولا من أجل السلطة، وإنما كانت لإحياء الدين، ومواجهة الانحراف، وإقامة العدل. وقد قال عليه السلام:
“إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي محمد صلى الله عليه وآله”.
وعليه، فإن الخطيب ينبغي أن يُوجّه الناس إلى فهم الحسين عليه السلام كقائد ربّاني يحمل مشروعًا إصلاحيًا شاملاً، وأنّ التشيع الحقيقي يتمثل في تبني هذا المشروع، والعمل على تحقيق أهدافه في الواقع المعاصر.
خامسًا: التركيز على القيم التربوية والأخلاقية
الإمام الحسين عليه السلام لم يُضحِّ بنفسه وأهل بيته من أجل أن نبكيه فقط، بل لكي نُحيي ما استُشهد من أجله: الصدق، الإخلاص، الإيثار، الثبات، نصرة الحق، التضحية. ولذلك، من الواجب أن يُسلّط الخطباء الضوء على هذه القيم، ويربطوها بالواقع الاجتماعي، ويبيّنوا كيف يمكن أن يكون الإنسان “حسينيًا” في سلوكه، وأخلاقه، وموقفه من الظلم والفساد.
كما ينبغي طرح مشاكل المجتمع بأسلوب حكيم، ولفت الأنظار إلى آفات مثل الغيبة، الحسد، الظلم، الجهل، التفكك الأسري، وغيرها، وبيان كيف أن النهضة الحسينية تُلزمنا بمحاربتها.
سادسًا: العناية بالشباب وربطهم بالمنبر
الشباب هم الطاقة الحية في المجتمع، وهم أمل المستقبل، ومن واجب الخطباء أن يجعلوا منبر الحسين عليه السلام منبرًا جاذبًا لهم، لا طاردًا. وهذا يتطلب مخاطبتهم بلغتهم، فهم قضاياهم، الإجابة عن أسئلتهم الوجودية والأخلاقية والمعرفية، ومعالجة الشبهات الفكرية التي قد يتعرضون لها، سواء من الإعلام أو مواقع التواصل أو غيرها.
ومن المفيد طرح سيرة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام كشباب فتيان مثل القاسم بن الحسن، وعلي الأكبر، لبيان نموذج الشاب الرسالي، وربط الشباب المعاصر بهم لا عاطفيًا فقط، بل فكريًا وسلوكيًا.
سابعًا: الالتزام بالأدب والموضوعية
على الخطيب أن يتحلى بأدب الخطاب، فلا يستخدم المنبر للطعن في الآخرين أو تكفيرهم أو شتمهم، فإن هذا الأسلوب لا يتوافق مع خُلق أهل البيت عليهم السلام. وقد ورد عنهم:
“كونوا زينًا لنا، ولا تكونوا شينًا علينا”.
نعم، لا بأس ببيان الحقائق العقائدية والرد على الشبهات، لكن بأسلوب علمي موضوعي، خالٍ من التشنّج والإثارة الطائفية، لأن الغاية هي هداية الناس لا التنفير.
ثامنًا: ترسيخ الهوية المهدوية من أهداف عاشوراء أنها تمهّد لدولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، إذ أن شعار “يا لثارات الحسين” إنما يتحقّق في ظهوره المبارك. وعليه، من الجميل أن يربط الخطباء بين مظلومية الحسين عليه السلام وبين انتظار الفرج، ويُبينوا أن التهيئة لذلك الظهور إنما تكون بالتربية الحسينية، ومواجهة الظلم، وبناء الذات والمجتمع الصالح.
تاسعًا: التجديد في الطرح والأسلوب
رغم تكرار المناسبة كل عام، إلا أن معانيها لا تنفد، وكنوزها لا تنتهي، ولهذا ينبغي على الخطيب أن يجدّد في الطرح، ويبتعد عن التكرار الممل، ويستثمر وسائل الإيضاح الجديدة (ان لزم ذلك)، وأن يحسن تنظيم أفكاره، ويُجيد فنون الإلقاء والتأثير، فإن ذلك يُعين على شدّ المستمعين وزيادة التفاعل.
عاشرًا: أن يكون الخطيب قدوة عملية
الناس لا تسمع فقط لما يُقال، بل تنظر إلى من يقول. والخطيب حين يرتقي المنبر، إنما يُنظر إليه كناطق باسم الدين، لذا ينبغي أن يكون سلوكه الشخصي موافقًا لدعوته، من حيث الورع، وحسن الخلق، والتواضع، والابتعاد عن مواطن الشبهة، حتى لا تُسقطه زلة، أو يفسد أثر كلماته ضعف التطبيق.
هذا وليعلم الخطباء والمبلغون بان المنبر الحسيني ليس مجرد وسيلة إعلامية، بل هو أمانة إلهية، وامتدادٌ لصوت الحسين عليه السلام في هذا الزمان. والخطيب الحسيني هو وريث الكلمة الهادية، المطالب بأن يصدع بالحق، ويكون لسانًا ناطقًا بالهدى، وحاملًا لمشعل الوعي. فليجتهد كل خطيب في أن يكون على قدر هذه الرسالة، وأن يتذكر دومًا أنه يُحدّث الناس باسم الحسين، فليكن صوته صوت الحق، ومجلسه موطن هدى، وسعيه خالصًا لوجه الله.
هذا ونسأل الله أن يوفّق جميع الخطباء والمبلّغين في أداء رسالتهم، وأن يُسكن الحسين عليه السلام في قلوبهم، كما يسكنوه في قلوب الناس، وأن يجعلهم من أنصار صاحب العصر والزمان (عج)، الذين يُحيون أمر آل محمد، ويُعدّون العدّة لظهور الحق وانتصار العدل.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولادِ الحسين وعلى اصحاب الحسين.