اخر الاخبار

«الرحيل وشيك» الموت قريب فاستعدّوا له / محمد جواد الدمستاني

«الرحيل وشيك»

الموت قريب فاستعدّوا له

محمد جواد الدمستاني

حقيقة ثابتة في حياة الإنسان لا يمكن إنكارها بل يتم مشاهدتها يوميا و سماعها و هي الموت و ارتحال الإنسان من هذه الدّنيا، قال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»[1]، فالموت قريب مهما طال العمر، و في نهج البلاغة روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «الرَّحِيلُ وَشِيكٌ»[2].

الرحيل أي الذهاب و السفر و هنا يعني الموت أي الرحيل أو السفر من الدّنيا إلى الآخرة، و وشيك أي سريع أو قريب الوقوع و الحصول.

و الرحيل قريب أي الموت قريب و سريع و لو بعد سنوات عمر مديدة فهو قريب، فالموت قادم و كل قادم قريب، و في نهج البلاغة «وَ كُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ، وَ كُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ، وَ كُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ»[3]، و روي عنه (ع) «لَا قَادِمَ أَقْرَبُ مِنَ الْمَوْتِ»[4]، و «لَا غَائِبَ أَقْرَبُ مِنَ الْمَوْتِ»[5]، و في تمام نهج البلاغة «لَنْ يَنْجُوَ مِنَ الْمَوْتِ غَنِيٌّ بمالهِ، وَ لَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ فَقيرٌ لإقلاله»[6].

و في الشعر لابن هانئ الأندلسي:

ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى             و كلُّ حياة ٍ إلى منتهى

ومادام هذا السفر حاصل لا شك فيه و لا ريب، فلابد من الاستعداد له و حمل الزاد معه، و الزاد هو ما يكتسبه الإنسان و يحتاج إليه و لا يستطيع البقاء بدونه، و «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ»[7]، و وعظ بها أمير المؤمنين عليه السلام جيشه في ظاهر الكوفة بعد الرجوع من صفين و قال (ع): «أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ لَأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»[8]، فالكلام دعوة و حث للاستعداد للموت وعدم الغفلة عنه، و التنبيه و التذكير على سرعة زوال الدّنيا و قرب الانتقال إلى دار الآخرة.

و الاستعداد و التهيؤ بالإيمان و العمل الصالح و إصلاح الإنسان لنفسه، و تهذيب علاقاته مع الآخرين، و تأدية الحقوق لأصحابها و الأمانات، و أداء فرائض الله و قضاء ما عليه منها، و الإكثار من الأعمال الصالحة، و محاسبة النّفس و مراقبتها باستمرار و عدم الغفلة.

و لأمير المؤمنين (ع) عدة خطب و كلمات و حكم  في هذا المقام، وهو الاستعداد للرحيل، كما في خطبة عنونها الشريف الرضي بـــ «من كلام له (ع) كان كثيرا ما ينادي به أصحابه» قال (ع): «تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ»[9]، يجب أن تكونوا جاهزين و مستعدين جميعا فقد نُودي عليكم بالرحيل و إن هي إلا لحظات أو ساعات أو سنوات و سترحلون أو ينفذ حكم الرحيل و الترحيل بكم.

و في حكمة أخرى يصوّر الإمام (ع) قصر زمن الدنيا ، جاء فيها : «وَ إِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ بَيْنَا هُمْ حَلُّوا إِذْ صَاحَ بِهِمْ سَائِقُهُمْ فَارْتَحَلُوا»[10]، ركب جمع راكب و المعنى أنّ أهل الدّنيا كمجموعة ركاب حلوا في مكان توّا فنودي عليهم بالرحيل، و أهل الدّنيا يولدون ثم ما أسرع أن ينادى عليهم للموت، فهي إشارة إلى قصر مدة الدّنيا حيث يعيش الإنسان عشرين سنة أو ستين أو ثمانين أو أكثر أو أقل ثم يموت، هذا العالم و هو عالم الدّنيا إذا قيس و قرن بالعوالم الأخرى من البرزخ و القيامة و عالم الجنّة أو النّار فإنّه قصير جدا جدا و غير قابل للمقايسة و المقارنة، إذ لا تقاس سنوات دنيوية مهما طالت في متوسطها سبعين أو ثمانين  سنة و في أقصاها مائة سنة بعالم الخلود الأبدي مما لا نهاية له و لا اضمحلال.

و في حكمة أخرى يبيّن (ع) أنه لا فرار من الموت مع سرعته: «إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَارٍ وَ الْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ فَمَا أَسْرَعَ الْمُلْتَقَى»[11]، قال تعالى: «إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ»[12].

و في الكافي في بيان الإمام الصادق (ع) في قوله تعالى: («قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»[13]، قَالَ تَعُدُّ السِّنِينَ، ثُمَّ تَعُدُّ الشُّهُورَ، ثُمَّ تَعُدُّ الأَيَّامَ، ثُمَّ تَعُدُّ السَّاعَاتِ، ثُمَّ تَعُدُّ النَّفَسَ «فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ»[14])[15].

فالانسان في شبابه يعّد قادم العمر بالسّنين، و لكن مع تقدم العمر فإنّ العدّ يكون بالشهور و الأيام، و في الساعات الأخيرة من حياة الإنسان يكون عدّ ما بقى من العمر بالنّفَس حتى يأتي أمر الله.

و قد تكررت الآية «لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً ولا يَسْتَقْدِمُونَ»[16] ثلاث مرات في القرآن بهذا الترتيب بتقديم «لا يستأخرون»، و الإنسان يتعلق بالدّنيا و يرغب أن يتأخر عنه الموت.

هذا الاستعداد و التهيؤ للموت و ترقب لحظته لصالح الإنسان نفسه، و بحيث إذا حلّت ساعة الرحيل في السفر إلى الآخرة يكون قد أنهى معاملات الدّنيا و متعلقاتها و أصبح جاهزا للانتقال إلى العالم الجديد و فرحا بذلك بعد عمر من الإيمان و العمل الصالح.

و كان أمير المؤمنين عليه السلام يقسم بفوزه عند الرحيل من هذه الدّنيا حين ضُرب على رأسه (ع) و استشهد، و يعتبر ذلك نجاحا و موجبا للسعادة و مقدمة للقاء الله تعالى و قال (ع) قولته المشهورة: «فُزْتَ وَ رَبِّ اَلْكَعْبَةِ»[17]، قسما برب الكعبة لقد فزت.

و في العصر الحالي قال الإمام الخميني (ق.س.) في وصيته التي قرئت بعد رحيله: «إنّي أستأذنكم أيها الأخوات و الأخوة لأسافر نحو مقري الأبدي بقلب هادئ، و فؤاد مطمئن، و روح فرحة، و ضمير آمل بفضل الله».

[1] – سورة آل عمران، آية 185، سورة الأنبياء، آية 35، سورة العنكبوت، آية 57

[2] – نهج البلاغة، حكمة 187

[3] – نهج البلاغة، خطبة 103 (رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ وَ اعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ وَ كَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْآخِرَةِ عَمَّا قَلِيلٍ لَمْ يَزَلْ وَ كُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ وَ كُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ وَ كُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ).

[4] – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٧٥

[5] – الكافي، الشيخ الكليني، ج ٨، ص ١٩، الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ٣٩٩، من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج ٤، ص ٤٠٦، غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٨٠، تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ١٤٩، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٥٣٤ (لا غائب أقدم من الموت).

[6] – تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ١٤٩ (وَ لَا غَائِبَ أَقْرَبُ مِنَ الْمَوْتِ، لَنْ يَنْجُوَ مِنَ الْمَوْتِ غَنِيٌّ بمالهِ، وَ لَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ فَقيرٌ لإقلاله).

[7] – سورة البقرة، آية 197 (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

[8] – نهج البلاغة، حكمة 130

[9] – نهج البلاغة، خطبة 204 (تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ، وَ أَقِلُّوا الْعُرْجَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَ انْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ).

[10] – نهج البلاغة، حكمة 415

[11] – نهج البلاغة، حكمة 29

[12] – سورة الجمعة، آية 8

[13] – سورة الجمعة، آية 8 .

[14] – سورة الأعراف، آية 34، سورة النحل، آية 61، و في سورة يونس (إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).

[15] – الكافي، الشيخ الكليني، ج٣، ص ٢٦٢

[16] – الأعراف، آية ٣٤ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، و سورة يونس، الاية 49 (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، و سورة النحل،آية 61 (وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).

[17] – خصائص الأئمة علیهم السلام، الشريف الرضي، ص63

Play Video