اخر الاخبار

الشيخ الدكتور خالد الملا.. صوت الوحدة والعقلانية في زمن الاستقطاب
*من المنابر العراقية إلى المؤتمرات الأوروبية… دعوته للاعتدال حملت راية الإسلام الحقيقي في وجه الانقسام*
في زمن تعالت فيه أصوات التشظّي المذهبي وتفاقمت فيه الانقسامات الفكرية والطا*ئفية، برز الشيخ الدكتور خالد عبد الوهاب الملا، رئيس جماعة علماء العراق، بوصفه أحد أبرز وجوه الوسطية والاعتدال، وصوتًا دينيًا حاضرًا في وجدان الأمة، لا يهادن في الحق، ولا يساير الباطل، لكنه في الوقت نفسه يمسك بجمر العقل والرحمة والحوار.
لقد عرفته عن قرب، حين كنت أقوم بالتغطية الإعلامية لعدد من المؤتمرات والندوات الفكرية والحوارية التي عُقدت في أوروبا، وبعض مقاطعات المملكة المتحدة، برعاية ممثل المرجعية الدينية العليا في أوربا ، وكان الشيخ الملا حاضراً فيها بفكره المنفتح ولغته الجامعة. لم يكن مجرد ضيف، بل مشاركًا مؤثرًا في النقاشات، وصوتًا يرتفع بحكمة ترفض الاستقطاب وتؤمن بأن الإسلام دين جمع لا تفريق.
*رجل الدين الذي يتحدث بلسان الأمة*
من منابر العراق إلى المؤتمرات الأوروبية، كان الملا يُخاطب العالم الإسلامي من موقع المسؤولية، لا من موقع التبعية أو الاندفاع. يحمل في خطابه مزيجًا من الصراحة والشجاعة، ويضع وحدة الأمة فوق كل اعتبار، مدافعًا عن قضاياها الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلس*طينية، ورافضًا كل أشكال التبرير للعدو*ان الصه*يوني على شعوب المنطقة.
*موقفه من العدوان على إيران*
في ظل التصعيد العسكري الأخير الذي شنّه الكيان المحتل لفلسطين ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، لم يلتزم الشيخ الملا الصمت كما فعل كثيرون، بل عبّر عن موقف صريح وواضح، داعمًا لإيران بوصفها دولة مسلمة، تتعرض لاعتداء غاشم، لا يستهدف نظامًا بقدر ما يستهدف رمزًا إسلاميًا وموقفًا مقاومًا.
وفي تصريحاته الإعلامية الأخيرة، أبدى استغرابه من أن بعض القنوات العراقية تمجد الكيا*ن المحتل دون مساءلة، مشيدًا في الوقت نفسه بموقف امرأة إعلامية إيرانية، وصفها بأنها “تحمل بصيرة إسلامية غابت عن كثير من العرب”، مؤكدًا أن بنو فارس رفعوا رأس الأمة، وأن الكثير من علماء العراق يتمنون الوقوف إلى جانب الحق، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة.
*تجربة الاعتقال والمواقف الثابتة*
لم تكن حياة الشيخ الملا خالية من الأذى، فقد تعرّض للاعتقال في عهد النظام البعثي بسبب مواقفه الجريئة، وظل صوته منذ سقوط النظام وحتى اليوم منحازًا للحق، ضد الظلم، في زمن تكاثرت فيه الأقنعة. موقفه الثابت هذا لم ينبع من نزعة سياسية، بل من رؤية إسلامية إنسانية تعتبر أن الأمة واحدة، وأن العدو واحد، مهما اختلفت الجغرافيا.
*ليس مدّاحاً بل نصير قضايا الأمة*
في كل ما قاله وفعله، لم يكن الشيخ خالد الملا مجاملًا ولا مهادنًا، بل نصيرًا لقضايا الأمة الجوهرية، ومدافعًا عن وحدة المسلمين، لا مروّجًا لأحد. دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواقفها العادلة لا ينبع من اصطفاف مذ*هبي، بل من رؤية ترى في طهران حصنًا صامدًا في وجه الهيمنة والعدوان.
*رجل الاعتدال في زمن الغلو*
في أزمنةٍ يميل فيها الكثيرون إلى الشعارات والانفعالات، تميّز الملا بخطابه الهادئ، المدروس، المتزن، الذي يستند إلى روح القرآن الكريم وسيرة الأئمة والأنبياء. لهذا لم يكن غريبًا أن يحظى باحترام شريحة واسعة من العراقيين، شيعة وسنة، وكذلك من النخب الإسلامية في العالم العربي والإسلامي.
*خاتمة*
إن شخصية الدكتور خالد الملا اليوم تمثل حاجة ملحّة لكل من يبحث عن خطاب يرمّم الجراح، ويبني على المشتركات، ويُعيد للإسلام صورته الناصعة: دين عدل ورحمة ووحدة. ومن موقع المتابعة والتوثيق الإعلامي، أؤكد أن صوت الملا – كما عرفته في المؤتمرات التي رافقته فيها – لا يزال يصدح في وجه الانقسام، ويعيد التذكير بأن صوت الوحدة لا يموت.
محمد الناصري