اخر الاخبار
الصدقة... عطاء يفيض بالحياة

الصدقة ليست مجرد مال يُبذل أو مبلغ يُنفق، بل هي روح تتجسّد في العطاء، وسلوك إنساني وإيماني يعكس أرقى القيم التي جاءت بها الأديان السماوية. فهي تنبع من وجدان الخير، وتفيض بأثرها في حياة الآخرين، خصوصًا حين تُقدَّم للفقراء والأيتام والمحتاجين.
لقد حظيت الصدقة بمنزلة عظيمة في الإسلام، كما في سائر الشرائع الإلهية، لأنها تعزز قيم التكافل والتراحم والتعاون بين أبناء المجتمع. وقد قال الله تعالى:
{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍۢ مِّا۟ئَةُ حَبَّةٍۢ ۗ وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ}
[البقرة: 261]
وهذه الآية المباركة تسلّط الضوء على أثر الصدقة في تنمية المال، فهي لا تنقصه كما يُخيَّل للبعض، بل تُنميه وتُضاعفه، وتفتح أبوابًا من البركة الإلهية في حياة المنفق.
ويقول عز وجل في آية أخرى:
{إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}
[التغابن: 17]
ففي هذه الآية دعوة مباشرة من الله للناس بأن الصدقة تُعدّ قرضًا له تعالى، وهو وعد صريح بمضاعفة الأجر والمغفرة، وهي دلالة عظيمة على أن الصدقة ليست مادية فحسب، بل تفيض بثمارها في الدنيا والآخرة.
وقد قال رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله):
“الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أبرم إبرامًا”
[وسائل الشيعة، ج6، ص258]
وفي حديث آخر عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):
“استنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا البلاء بالدعاء”
[الخصال، ص617]
فهذه النصوص تؤكد أن الصدقة لا تقتصر على نفع الفقير فحسب، بل تعود بالخير والبركة والدفع للبلاء على صاحبها أيضًا.
ولا تكتمل صورة البركة التي تصنعها الصدقة إلا عندما نسلّط الضوء على آثارها في حياة الأيتام وعوائلهم، فهم الشريحة الأشد حاجة لمدّ يد العون، والأكثر تأثّرًا بدفء العطاء. فقد كانت مبادرات شعبة الصناديق في مكتب مبرات التضامن لرعاية وتأهيل الأيتام في ذي قار مثالاً حيًّا على تحويل مبالغ يسيرة إلى إنجازات عظيمة.
فببركة أموال الصدقات التي يقدّمها أهل الخير والإحسان، تمكّن مكتب مبرات التضامن لرعاية وتاهيل الايتام بذي قار من تجهيز عوائل الأيتام بالأجهزة الكهربائية والمنزلية الأساسية، لتخفيف أعباء الحياة عن كاهل الأمهات الأرامل، وتوفير بيئة أكثر كرامة لأطفالهن. ولم تتوقف آثار هذه الصدقات عند ذلك، بل شملت أيضًا ترميم وصيانة منازل الأيتام التي تفتقر إلى أبسط مقومات السكن الكريم، كما ساهمت في دعم عدد كبير من العوائل المتعففة، ممن غيّرت هذه المساعدات مجرى حياتهم.
إنها صدقة، لكنها صارت نورًا في بيت يتيم، ودفئًا في قلب أم، وأملاً يتجدد في وجوه كانت تعرف الحزن أكثر مما تعرف الفرح. وهذه الصورة الناصعة تؤكد أن كل درهم في الصندوق هو في الحقيقة لبنة تبني إنسانًا، وتُقيم مجتمعًا أكثر تماسكًا ورحمة.
ختامًا، علينا أن نؤمن بأن الصدقة لا تُبذل فقط من أجل الآخرة، بل تصنع الحياة في الدنيا. إنها حياة للمجتمع، وكرامة للمحروم، وسلامة للمنفق. فلنكن جميعًا شركاء في هذه المسيرة المباركة، ولنضع صدقاتنا في مواضعها التي تعود بالنفع والخير، وتزرع الفرح في بيوت الأيتام وأفئدتهم.