اخر الاخبار

الصلح مع الأعداء كالحديبية والقرآن الكريم عند الشيخ الطبرسي‎

د. فاضل حسن شريف

عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى “هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَو تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” (الفتح 25) ذكر سبحانه سبب منعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ذلك العام دخول مكة فقال “هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام” أن تطوفوا وتحلوا من عمرتكم يعني قريشا “والهدي معكوفا أن يبلغ محله” أي وصدوا الهدي وهي البدن التي ساقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم معه وكانت سبعين بدنة حتى بلغ ذي الحليفة فقلد البدن التي ساقها وأشعرها وأحرم بالعمرة حتى نزل بالحديبية ومنعه المشركون وكان الصلح فلما تم الصلح نحروا البدن فذلك قوله “معكوفا” أي محبوسا عن أن يبلغ محله أي منحره وهو حيث يحل نحره يعني مكة لأن هدي العمرة لا يذبح إلا بمكة كما أن هدي الحج لا يذبح إلا بمنى. “ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات” يعني المستضعفين الذين كانوا بمكة بين الكفار من أهل الإيمان “لم تعلموهم” بأعيانهم لاختلاطهم بغيرهم “أن تطئوهم” بالقتل وتوقعوا بهم “فتصيبكم منهم معرة” أي إثم وجناية عن ابن زيد وقيل فيلحقكم بذلك عيب يعيبكم المشركون بأنهم قتلوا أهل دينهم وقيل هو غرم الدية والكفارة في قتل الخطأ عن ابن عباس وذلك أنهم لو كبسوا مكة وفيها قوم مؤمنون لم يتميزوا من الكفار لم يؤمنوا أن يقتلوا المؤمنين فتلزمهم الكفارة وتلحقهم السيئة بقتل من على دينهم فهذه المعرة التي صان الله المؤمنين عنها وجواب لولا محذوف وتقديره لولا المؤمنون الذين لم تعلموهم لوطأتم رقاب المشركين بنصرنا إياكم

ويستطرد الشيخ الطبرسي في تفسيره الآية الفتح 25 قائلا: وقوله “بغير علم” موضعه التقديم لأن التقدير لولا أن تطئوهم بغير علم وقوله. “ليدخل الله في رحمته من يشاء” اللام متعلق بمحذوف دل عليه معنى الكلام تقديره فحال بينكم وبينهم ليدخل الله في رحمته من يشاء يعني من أسلم من الكفار بعد الصلح وقيل ليدخل الله في رحمته أولئك بسلامتهم من القتل ويدخل هؤلاء في رحمته بسلامتهم من الطعن والعيب “لو تزيلوا” أي لو تميز المؤمنون من الكافرين “لعذبنا الذين كفروا منهم” أي من أهل مكة “عذابا أليما” بالسيف والقتل بأيديكم ولكن الله تعالى يدفع المؤمنين عن الكفار فلحرمة اختلاطهم بهم لم يعذبهم.

 قوله جل جلاله “إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا” ﴿الفتح 26﴾ قال سبحانه “إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية” إذ يتعلق بقوله لعذبنا أي لعذبنا الذين كفروا وأذنا لك في قتالهم يوم الحديبية حين جعلوا في قلوبهم الأنفة التي تحمي الإنسان أي حميت قلوبهم بالغضب ثم فسر تلك الحمية فقال “حمية الجاهلية” أي عادة آبائهم في الجاهلية أن لا يذعنوا لأحد ولا ينقادوا له وذلك أن كفار مكة قالوا قد قتل محمد وأصحابه آباءنا وإخواننا ويدخلون علينا في منازلنا فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا واللات والعزى لا يدخلونها علينا فهذه الحمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم وقيل هي أنفتهم من الإقرار لمحمد صلى الله عليه وآله وسلّم بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم حيث أراد أن يكتب كتاب العهد بينهم عن الزهري “فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى” وهي قول لا إله إلا الله عن ابن عباس وقتادة ومجاهد “وكانوا أحق بها وأهلها” قيل أن فيه تقديما وتأخيرا والتقدير كانوا أهلها وأحق بها أي كان المؤمنون أهل تلك الكلمة وأحق بها من المشركين وقيل معناه وكانوا أحق بنزول السكينة عليهم وأهلها وقيل وكانوا أحق بمكة أن يدخلوها وأهلها وقد يكون حق أحق من غيره أ لا ترى أن الحق الذي هو طاعة يستحق بها المدح أحق من الحق الذي هو مباح لا يستحق به ذلك “وكان الله بكل شيء عليما” لما ذم الكفار بالحمية ومدح المؤمنين بلزوم الكلمة والسكينة بين علمه ببواطن سرائرهم وما ينطوي عليه عقد ضمائرهم.